المطالبة بعقوبات بديلة تُشدّد على الخطورة.. والمسؤولية تلاحق أولياء الأمور

الداخلية»: وفيات الطرق تقلقنا.. وهواة السـرعة: لن تردعنا المخالفات

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مخالفات مشددة عقوباتها قد تصل إلى السجن أو الحرمان من القيادة وغرامات مالية كبيرة.. تلك أمثلة من بعض العقوبات التي حرص المشرع الإماراتي على وضعها لضبط أمن الطرق بالدولة والحد من وفيات وحوادث المرور ورفع مستوى الالتزام بالقوانين، إلا أن الواقع يقول إن المخالفات ازدادت في الفترة الأخيرة، لا سيما بوجود صنف من الشباب المتهور الذين قالوا ودون تردد لدى لقاء «البيان» بهم: إن المخالفات لن تردعنا مهما زادت، ولدينا سيارات بديلة عند حجز المخالفة، في وقت تضع وزارة الداخلية الخطط تلو الخطط لتقليل الوفيات على الطرقات، كما حمّل عدد من المسؤولين أولياء الأمور الجزء الأكبر من المسؤولية عن تجرأ أبنائهم على المخالفات.

وعلى الرغم من التحسن الكبير الذي أظهرته إحصائيات وزارة الداخلية بخفض نسب الوفيات والحوادث بعد تطبيق تعديلات قانون المرور واللائحة التنفيذية منذ 9 سنوات والتي أكدت الداخلية انه يتم تقييم هذه القوانين بشكل مستمر، إلا أن بعض السائقين لا يزالون يعتقدون أنهم يمتلكون الطريق، يفتخرون بسرعاتهم الخيالية ضاربين عرض الحائط بالقوانين، ويظنون أن لديهم قوى خارقة قادرة على السيطرة على المركبة مهما ارتفع عداد السرعة، صارخاً أحدهم: تجاوزت الحد الأقصى.. الطيش والتهور أهم سماتهم، فإلى أي مدى أثبتت هذه العقوبات فعاليتها في الحد من المخالفات وبشكل خاص الخطرة وردع المخالفين؟.


في هذا الملف نعرض مختلف الآراء الخاصة بالجمهور والجهات المختصة لتسليط الضوء على جدوى المخالفات وحملات التوعية ومقترحات الجمهور لتحقيق مستوى متقدم من الثقافة المرورية بما ينسجم مع الأجندة الوطنية 2021 لخفض معدل وفيات الحوادث الى 3 لكل مئة ألف من السكان بعد أن نجحت الداخلية بخفضها من 13,2 لكل مئة ألف من السكان في 2008 الى 5,9 لكل مئة ألف من السكان بنهاية 2015.

أهمية اجتماعية

وقال اللواء المستشار مهندس محمد سيف الزفين مساعد القائد العام لشرطة دبي لشؤون العمليات رئيس المجلس المروري الاتحادي إن السلامة على الطرق تحتل أهمية اجتماعية، واقتصادية، وتنموية وصحية على المستوى العالمي والمحلي وإن السيارات على الطرق في تزايد مستمر في الكثير من البلدان، فقد تتفاقم المشكلة بشكل أسرع.

وبالتالي فهناك حاجة ملحة لبذل المزيد من الجهد للحد من هذه الوفيات والإصابات التي يمكن تفاديها، لافتاً الى أن الدولة وضعت استراتيجية واضحة في الحد من هذه المشكلة لتحقيق أهداف السلامة المرورية وتمثلت أهم عناصرها في توضيح أهمية السلامة المرورية، وتحفيز الأهداف الجهات المعنية والعمل على زيادة المسؤولية بشأن تحقيق النتائج، والتي تنقل رسالة مفادها أن الحكومة جادة في الحد من الحوادث على الطرقات وإقامة المزيد من الشراكات ورفع وعي وسائل الإعلام والوعي العام للجمهور، اضافة الى القوانين الرادعة، وتنويع أساليب الضبط المروري.

مصابون

وأفاد اللواء الزفين الذي قام بعدة زيارات لمستشفى راشد لمساندة مصابي الحوادث المرورية الى أن الحوادث المرورية خلال العام الماضي أسفرت عن إصابة 1446 شخصاً، من بينهم 166 إصابة بليغة، و787 إصابة متوسطة، وأن شارع الشيخ محمد بن زايد تصدر قائمة أخطر الشوارع خلال العام الماضي مسجلاً 33 حالة وفاة، مقابل 29 حالة وفاة على شارع الإمارات، وان الأسباب الرئيسية في وقوع الحوادث التي اقر بها المصابون السرعة الزائدة واستخدام الهاتف والانشغال بغير الطريق اضافة الى عدم استخدام حزام الأمان، وأن عدداً قليلاً منهم كان متضرراً نتيجة خطأ الآخرين مثل مستخدمي الدراجات النارية خاصة موظفي التوصيل.

وأشار اللواء الزفين الى أن الدولة اتخذت العديد من التدابير للحد من الوفيات على الطرقات أهمها سن القوانين والتشريعات الرادعة لغير الملتزمين بالقوانين والتشديد في العقوبات، اضافة الى تنويع أجهزة وآليات الضبط المروري، اضافة الى الحملات التوعوية مثل «السرعة قاتلة» و«لاتكن ضحية الطريق ولا تكن الجاني» و«اعبر بأمان» وغيرها، كما أطلقت شرطة دبي نظام النقاط البيضاء لتحفيز السائقين على الالتزام عبر منحهم فوائد وجوائز مادية ومعنوية، الا أن هناك فئات تصر على عدم الالتزام بالقانون معرضين حياتهم وحياة الآخرين للخطر.

خطر الهواتف

بدوره أشار العميد سيف مهير المزروعي مدير الإدارة العامة للمرور في شرطة دبي الى ان السرعة الزائدة المقترنة باستخدام الهاتف اشبه بالقنبلة الموقوتة في السيارة وانه على الرغم من الإعلان في وسائل الإعلام عن الحوادث المميتة والقاتلة في دبي بسبب عدم الانتباه والانشغال بغير الطريق خاصة في ظل زيادة سرعة المركبة عن 100 كم في الساعة الى ان مخالفات استخدام الهاتف المتحرك في تزايد، كما ان بعض الحوادث المرورية يتضح من سيناريو الحادث ان الانشغال بالهاتف احد اكبر احتمالات وقوعه.

ونوه العميد المزروعي الى ان مخالفة استخدام الهاتف أثناء القيادة تبلغ 200 درهم، وأربع نقاط مرورية وأنها غير رادعة وقد تكون سبباً في تمادي البعض في ارتكابها، وان هذه المخالفة كانت توصية من مجلس المرور الاتحادي بتشديد الغرامة لتصل إلى 1000 درهم و12 نقطة مرورية، وحجز السيارة شهراً.


وأكد العميد سيف مهير المزروعي أن أولياء الأمور يتحملون جزءاً من المسؤولية وأن الدلال الزائد وعدم متابعة الأبناء أسباب في فقدانهم او إعاقتهم مدى الحياة، خاصة عندما يحضر ولي الأمر الى الإدارة العامة للمرور مستعطفاً المسؤولين للإفراج عن سيارة ابنه، مصدقاً روايته في انه ضحية لمخالفة غير صحيحة، او يمنحه سيارة بديلة بمئات الآلاف من الدراهم لتكون اداة قتله وربما التسبب في ضحايا آخرين، وانه لا يمكن بأي حال من الأحوال ردع الابن أو الابنة بهذه الطريقة.

مواقع التواصل والسيلفي

كما أكد العميد سيف مهير المزروعي أن إدمان الجمهور على تصفح مواقع التواصل الاجتماعي أو محاولة التقاط صور «سيلفي» ترفع من أسباب وقوع الحوادث المرورية خاصة وان البعض يعمد الى تسجيل مقاطع صوتية ونقل بث مباشر من سيارته اثناء القيادة، وهو الأمر الذي يفقد السائق جزءاً كبيراً من تركيزه ويشتت انتباه. ولفت العميد المزروعي ان الاستهتار بالقيادة وبالسيارة يجعلها اداة قتل لصاحبها، وان اعتياد البعض وإدمان استخدام الهاتف حتى أثناء القيادة يزيد من احتمالية وقوع حادث.

هواة السرعة

أكد عدد من الشباب الدائمي التردد على الإدارة العامة للمرور الذين التقتهم «البيان» انهم يتواجدون في شرطة دبي بشكل يومي لمراجعة مخالفتهم المرورية أو حجز مركباتهم نتيجة مشاركتهم في سباقات أو مخالفات القيادة بطيش وتهور.

وقال الشاب الإماراتي «ع، م» إنه حصل مؤخراً على 9 مخالفات لسيارته من نوع نيسان وإنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي يحصل فيها على مخالفات تفوق قيمتها 5 آلاف درهم في المرة الواحدة بالإضافة الى حجز سيارة يصل الى 6 أشهر، لافتاً الى انه وأصدقاءه يمتلكون سيارات بديلة لاستخدامها في حالة حجز السيارة من قبل الشرطة، مشيرا الى انه يعتقد ان من حقه ممارسة هواية السباقات وأنه يحرص على سلامة الآخرين ولا يرغب في إيذاء احد او ان يكون ضحية الا انه لا يوجد بديل.


وقال الشاب الإماراتي «س، أ» انه يقوم في بعض الأحيان بنزع أرقام السيارة للتهرب من الشرطة ومن المخالفات في السباقات التي يقوم بها على الشوارع، يمتلك سيارة نيسان انه يحرص على المشاركة في السباقات التي تقام في دبي وانه وأصدقاءه يختارون الأماكن الخالية من السيارات مثل شارع الظلام ومنطقة الطي، الا انه بعد وضع عدد من أجهزة الرادار يتم الانتقال الى شوارع اخرى.


ولفت الشاب «س..» انه لا يعمل ويفضل المشاركة في السابقات عن التسكع في المراكز التجارية ومعاكسة الفتيات، وانه يعتقد بقدرته على السيطرة على السيارة على الرغم من وقوع حادثين سابقين له، ووفاة احد أصدقائه في حادث آخر، مطالباً بالنظر الى طاقاته وهواياته وأصدقائه في سباق السيارات، مشيراً الى انه يتضرر من دفع المخالفات المتكررة والتي تتسبب له في مشكلات أسرية.

تكثيف حملات التوعية

وأجمع معظم من استطلعنا رأيهم على أهمية تشديد المخالفات والعقوبات لكنهم دعوا في الوقت ذاته الى تكثيف حملات التوعية على مرتكبي المخالفات.

وقال أسامة الفقهاء، موظف، إن الجهات المختصة بالسلامة المرورية عليها أن تعقد دورات تثقيفية للمخالفين لقوانين لمرور على اختلافها وليس فقط لمرتكبي المخالفات الخطرة لأن بعض المخالفات التي تعتبر بسيطة قد تؤدي الى ارتكاب مخالفات أكثر خطورة وبالتالي فهي سلسلة لا تنتهي من السلوكيات المرورية الخاطئة التي قد تكون نتائجها وخيمة.

عقوبات بديلة

ودعا كريم حيدر، موظف، إلى اعتماد مشروع العقوبات البديلة وإخضاع بعض مرتكبي المخالفات الى مثل هذه التدابير مع عدم التهاون بها ووضع تدابير اخرى من شأنها ان تثقف المخالف كخضوعة لحضور دروس ثقافة مرورية ولا يستطيع العودة الى الطريق إذا لم يخضع لمثل هذه الدروس واجتياز الاختبار النهائي لها والتي من شأنها زيادة الوعي المروري له و للمحيطين به.

إدراج الثقافة المرورية بالمناهج

من جانبه أكد ناهض الكيلاني، موظف، أن الجهات المختصة بالدولة تبذل جهوداً كبيرة للحد من الحوادث، مشيراً الى أين القوانين وضعت للوقاية من ارتكاب المخالفات التي تقود الى حوادث وبالتالي فان يجب التوعية بأهمية هذه القوانين ويجب إدراجها ضمن المناهج الدراسية وتعليم النشء بماهيتها وأهدافها بهدف تشكيل سلوك ووعي حقيقي لدى طلابنا وابنائنا بخطورة المخالفات وأهمية احترام القوانين.


وقال المقدم الدكتور خلفان سعيد النقبي من فريق المسرعات الحكومية لوزارة الداخلية الذي يقود تحدي خفض الوفيات الناتجة عن الحوادث المرورية على أخطر 5 طرق بالدولة، أن الفريق نفذ عدداً من المبادرات بالمشاركة الفاعلة من الشركاء الاستراتيجيين، وبدأ العمل على الخطط والاستراتيجيات الخاصة بتحقيق هذا الهدف في خطوة تشمل تحقيق المسرعات الحكومية لتنفيذ الأجندة الوطنية.

قصة مؤلمة

ذكر العميد سيف المزروعي إحدى القصص المؤلمة التي مرت عليه، وهي لأب حضر الى الإدارة للدفاع عن ابنه وارتكابه مخالفات سرعات، متعهداً بعدم تكرار الأمر، الا انه لم يمض وقت طويل حتى حضر الأب الى الإدارة في حالة يرثى لها مؤكداً ان ابنه توفي في حادث مروري، وانه نادم على فعلته بمنحه السيارة والتعاطف معه ولم يكن يدرك انه يمكن ان تكون رغبة الابن سبباً في وفاته بهذه الطريقة المؤلمة، داعياً أولياء الأمور الى عدم الانسياق خلف رغبات أبنائهم وعدم تصديقهم عندما يدعون ان الشرطة تترصد لهم او تخالفهم ظلماً.

198

أكد اللواء الزفين أن العام المنصرم سجل وقوع 198 حالة وفاة على الطرقات مقابل 166 وفاة عام 2015، أي أن هناك ارتفاعاً في مؤشر الوفيات المرورية في دبي على الرغم من الحملات التوعوية التي تطلقها شرطة دبي بشكل مستمر على مدار العام، مرجعا السبب الى زيادة اعداد السكان واعداد المركبات اضافة الى تدني الثقافة المرورية، وهو الأمر الذي يدعو الى ضرورة تضمين السلامة المرورية في المناهج المدرسية.

 

Email