طفل في عمر الزهور، لا يستطيع الحراك دون حقنة الأنسولين الخاصة به، يغرزها في جسده الغض، وموظف في أوج شبابه، يحال إلى التقاعد ولا يستطيع الاستمرار في عمله. حالات كثيرة لا حصر لها، هاجمها مرض العصر "السكري" وفتك بها، فأصبحت ماثلة أمامه مستسلمة، لا حول لها ولا من قوة إلا التشبث بالحقن أو أقراص العلاج إلى أمد قد لا تكون نهاية له. داء السكري من الأمراض الشائعة في العالم، إذ تبلغ نسبة إصابة سكان العالم به نحو 200 مليون مريض، بينما تصل نسبته في الولايات المتحدة الأميركية نحو 15 مليون مريض وبنسبة تبلغ نحو 6% من السكان.
وبارتفاع نسبة المصابين في دولة الإمارات زاد جو الخوف والقلق أوساط المجتمع، إذ تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 25% من السكان مصابون بالسكري، ما يعني أننا في صدد ظاهرة خطيرة تهدد صحة الأفراد والمجتمع، نتيجة ارتفاع نسبة البدانة الناتجة عن تبني نمط الحياة الغربية الحديثة سواء من قلة الحركة والرياضة أو الإفراط في تناول الوجبات السريعة والأطعمة المشبعة بالدهون فضلاً عن العوامل الوراثية.
الدكتور عامر حلباوي أخصائي أمراض باطنية يؤكد أن نسبة البدانة في الولايات المتحدة الأميركية شهدت زيادة مطردة إذ بلغت نحو 30% من السكان، مؤكداً أن البدانة وداء السكري علاقتهما وثيقة ببعض وغالباً ما تصل نسبة البدانة لدى مرضى السكري إلى 80%. ويضيف أن داء السكري يتشكل من عدة اضطرابات استقلابية في الجسم والناتج عن زيادة الجلوكوز في الدم وهذا يحدث نتيجة خلل في افراز الأنسولين من البنكرياس أو خلل آخر في وظيفة الأنسولين ويمكن أن يتشكل المرض سواء تواجدا هذين العاملين بصورة منفردة أو بصورة مجتمعة.
خطورة مستقبلية
ويقول: إن زيادة نسبة الجلوكوز في الدم بصورة مزمنة والموجودة في داء السكري تسبب أذى على المدى البعيد وتمد خطورتها على عدة أعضاء بالجسم مما يؤدي إلى حدوث قصور في وظيفة هذا العضو أو فشل العضو عن العمل، ولعل أبرز هذه الأعضاء التي تتأذى من السكري هي القلب والأوعية الدموية والكليتين والعين والأعصاب.
ويضيف د. حلباوي أن داء السكري يصيب معظم الأوعية الدموية في الجسم سواء الصغيرة منها أو الكبيرة بحالة التصلب الشرياني، مما ينتج عنه حدوث نقص في تروية العضو المصاب وإذا أصابت أوعية الأطراف السفلية يمكن حدوث آلام في الساقين عند المشي في البداية، أما إذا استمر هذا المرض وازدادت حدته لفترة زمنية طويلة قد يتفاقم وينتج عنه انسداد في هذه الأوعية الدموية نتيجة حدوث الغانغرين وهي حالة خطرة تستدعي إجراء عمليات جراحية لتحسين التروية في هذه الأوعية، وفي حالات قليلة يستدعي العلاج بالبتر، منوهاً إلى ضرورة فحص النبض بالأوعية المختلفة في الأطراف السفلية بصورة دورية لتشخيص هذه الحالة في وقت مبكر.
ويستطرد: أما الخطر الأعظم فهو الأوعية الدموية التابعة للقلب وإصابتها بالتصلب الشرياني، مما يؤدي إلى حدوث الذبحة الصدرية أو جلطة القلب، لذلك من الضروري والواجب على المريض إبلاغ الطبيب بأية أعراض التي تنذر بإصابة القلب كحالات الصدر وضيق النفس لاسيما عند الجهد للكشف عنها مبكراً، أما إصابة أوعية الدماغ فهي تؤدي إلى حدوث الفالج، عازياً الأسباب الرئيسية لتضييق الشرايين وحدوث جلطات القلب إلى مرض السكر وارتفاع ضغط الدم والكولسترول والتدخين العامل الوراثي فضلاً عن زيادة الوزن وقلة الرياضة.
مراقبة الكليتين
وينوه حلباوي إلى أن الكليتين أيضاً تتأذى من داء السكري خاصة في حالة عدم انتظامه لفترة طويلة، وفي البداية يبدأ تسرب المواد الزلالية الدقيقة أو الميكرو ألبومين عن طريق الكليتين وتزداد نسبته في البول تدريجياً، ويسفر عنه مستقبلاً قصور في وظيفة الكليتين المتمثلة في تنقية الجسم من السموم وخاصة في حين عدم الخضوع للعلاج من السكري بانتظام، وهذا ينتهي بالفشل الكلوي الذي يحتاج إلى إجراء غسيل الكليتين باستمرار أو حتى زرع كلية في بعض الأحيان لعلاجه، لذلك من الضروري مراقبة وظائف الكلى بصورة دائمة عند مرض السكري من خلال إجراء فحوصات الدم والبول بين حين وآخر.
أما إصابة العين، يذكر أخصائي أمراض الباطنية أنها تؤدي إلى حدوث بعض الاضطرابات بالرؤية في البداية، وأحياناً بدون وجود أعراض أخرى لداء السكري، ويمكن أن يكتشف هذا المرض لأول مرة أثناء مراجعة طبيب العيون، ولكن إذا استمرت الحالة لفترة طويلة دون علاج لاسيما إذا كان السكري غير منتظم لسنوات طويلة، فإن هذا يؤدي إلى حدوث ضعف في النظر تدريجياً لينتهي بالعمى. لذلك ينصح جميع مرضى السكري بمراجعة طبيب العيون سنوياً للكشف المبكر عن إصابة الشبكية بهذا المرض وتدارك الحالة بالعلاج بالليزر مبكراً.
وأخيراً تصاب الأعصاب المختلفة في الجسم بداء السكري مما يؤدي إلى حدوث اضطرابات في حاسة اللمس والألم، ففي البداية يمكن أن يشعر المريض بحدوث التنميل منتهياً بالتحذير في الأطراف سواء السفلية أم العلوية فتسمى الاضطرابات العصبية السكرية، إذ يفقد المريض الاحساس جزئياً أو كلياً في ذلك الطرف المصاب، بالإضافة إلى أن أعصاب الجهاز الهضمي قد تصاب مما ينتج عنه حدوث تأخير في عملية الهضم بالمعدة. أما إصابة أعصاب الجهاز التناسلي، فتتسبب في حدوث الضعف الجنسي خاصة عند الذكور. تشخيص المرض
لابد من مراجعة الطبيب واجراء التحاليل اللازمة لمعرفة وضع المريض ومستوى الحالة التي وصل اليها ومن المعروف أن الحد الطبيعي للجلوكوز من 0 إلى 100ملم إذا زاد على 126ملم خلال فحصين مختلفين أو زاد قياس الجلوكوز بعد ساعتين من الطعام على 200ملم، يشخص حينها الفرد على أنه مريض بالسكري.
بين100-125ملم فتسمى هذه الحالة بالفترة ما قبل الإصابة بالسكري أو ضعف تحمل الجلوكوز.
وينصح بعدم التردد في زيارة المريض حال الشعور بأعراض المرض .
7 طرق تنظم السكري
لخص حلباوي النصائح في 7 طرق تقضي بضرورة مراجعة الطبيب بصورة مبكرةوكذلك الكشف المبكر عن السكري عند المرضى المصابين بالبدانة وارتفاع شحوم الدم وارتفاع الضغط الشرياني.
والملاحظ أن بعض المصابين لا يعيرون تناول الدواء أدنى اهتمام، لذا ينصح الدكتور بتناول أدوية داء السكري بدو انقطاع وحسب نصائح الطبيب، ومراجعة الطبيب كل ثلاثة أشهر لمراقبة هذا المرض وإجراء فحص الخضاب السكري والمحافظة عليه حوالي 65%، بالإضافة إلى مراقبة الضغط ليكون نحو 70/120 ومراقبة الكولسترول الخبيث ليكون مقداره تحت 100 وتناول أدوية الضغط والكولسترول عند الحاجة ومراقبة الميكرو ألبومين في البول وفي حال ارتفاعه أخذ الدواء المناسب للحفاظ على وظيفة الكليتين.
كما ينوه على ضرورة مراجعة طبيب العيون سنوياً وإبلاغ الطبيب بأية أعراض تثير الشك بإصابة القلب وإجراء الفحوص اللازمة للتأكد من عدم إصابة الأوعية الدموية بالتصلب الشرياني عن طريق تخطيط القلب واختبار الجهد.
نصائح
نظام غذائي
على عكس الاعتقاد السائد، بأن مريض السكري لا يتأثر بارتفاع السكر في الغذاء فقط، بل إن غذاء عاليا بالسعرات الحرارية والدهون يؤدي أيضاً إلى ارتفاع معدل السكر في الدم، وينتج عنه مشاكل خطيرة منها: أمراض القلب، تصلب الشرايين، سكتة دماغية، وأمراض الكلى، وتلف الأعصاب والشرايين الصغيرة وحتى أمراض سرطانية. على كل مريض سكري أن يتعلم احتساب كمية النشويات في اليوم. ذلك أساسي للحفاظ على نسبة سكر في الدم. النصائح التالية تساعد مريض السكري في المحافظة على وزن صحي ونسبة سكر في الدم طبيعية.
الأطعمة المفيدة
الكربوهيدرات الصحية: مثل الفواكه، والخضروات، والحبوب الكاملة (القمح الكامل)، والبقوليات (الفول، البازيلاء، العدس، الحمص) ومنتجات الحليب قليلة الدسم.
الأطعمة الغنية بالألياف: لا تسبب ارتفاعا حادا بالسكر في الدم عند تناولها. مثل الخضار، والفواكه والمكسرات النية والبقوليات، ودقيق القمح الكامل، نخالة القمح، والشوفان. الألياف في هذه الأطعمة تقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب وتساعد في ضبط مستوى السكر في الدم. الأسماك: تناول الأسماك الصحية للقلب والغنية بالأوميغا 3 ما لا يقل عن مرتين في الأسبوع. مثل السلمون غنية بأوميغا 3 القلب، التونا، السردين، الأسماك ذات دهون غير مشبعة مثل الهامور والشبص. هذه الأسماك قليلة بالدهون المشبعة والكوليسترول على عكس اللحوم الحمراء والدواجن. أنصح دائماً تجنب السمك المقلي لأنه يخسر الأوميغا 3 والزيوت الجيدة.
تجنب الأطعمة التالية
الدهون المشبعة: الموجودة في منتجات الحليب ومشتقاته الكاملة الدسم، البروتينات الحيوانية مثل لحم البقر، الأطعمة المقلية، الأطعمة المعدة مع الزبدة والدهون، هوت دوغ، نقانق. الدهون المهدرجة: موجودة في الأطعمة السريعة، شيبس،بسكويت مملح، سمن نباتي وأطعمة مصنعة. الكوليسترول: مصادر الكوليسترول تشمل منتجات الحليب عالية الدسم، اللحمة الحمراء، صفار البيض، المحار، الكبد. الصوديوم: موجود في الأطعمة المعلبة، الشوربات الجاهزة، الزيتون، المكسرات المملحة. محطات أعراض المرض
يلفت حلباوي إلى أن المريض قد لا يشعر بأية أعراض لشهور، وعندما تزداد نسبة الجلوكوز بالدم بصورة عالية تبدأ بعض الأعراض بالظهور مثل العطش المفرط وكثرة التبول وأحياناً اختلاف الوزن والتعب والإرهاق وبعض الالتهابات المختلفة نتيجة نقص المناعة، مشيراً إلى أن أبسط تشخيص لمرض السكري هو قياس نسبة الجلوكوز في الدم صباحاً قبل الطعام، إذ ان الحد الطبيعي للجلوكوز من 0 إلى 100ملم، وإذا زاد على 126ملم خلال فحصين مختلفين أو زاد قياس الجلوكوز بعد ساعتين من الطعام على 200ملم، يشخص حينها الفرد على أنه مريض.
أما إذا كان قياس الجلوكوز بين 100-125ملم فتسمى هذه الحالة بالفترة ما قبل الإصابة بالسكري أو ضعف تحمل الجلوكوز.
وتؤكد البحوث الحديثة على ضرورة متابعته ومراقبته بصورة مستمرة في هذه الحالة والبدء في اتباع الحميات الغذائية والتمارين الرياضية وإنقاص الوزن وفي حالات خاصة البدء بالمعالجة.
وعلاوة على فحص السكر بالدم، يشير حلباوي إلى أنه ثمة فحص آخر يجب إجراؤه على مريض السكري كل ثلاثة أشهر يسمى بالخضاب السكري، وهذا الفحص يعطي معلومات عن حالة انتظام المرض أو عدمه في الأشهر الثلاثة السابقة للفحص والمعدل المقبول حالياً الذي يدل على أن السكري مثالي أو شديد الانتظام هو 5.5% أو أقل، وعندما يرتفع هذا الرقم ويزيد على 8% أو أكثر فهذا يدل على أن السكري غير منتظم مطلقاً وتزداد حدوث اختلاطات هذا المرض إذ بقي داء السكري على هذه الحالة لفترات طويلة.
يقول الدكتور حلباوي: إن قضية التداوي بالأعشاب لعلاج مرضى السكري تسبب قلقاً لنسبة كبيرة من الأطباء.
أنواع المرض
يوضح د. حلباوي أن داء السكري ينقسم إلى شقين، الأول يتميز بعدم وجود إفراز الانسولين من البنكرياس على الاطلاق، وغالباً ما يبدأ قبل سن الثلاثين، وقد يشاهد عند الأطفال ولا يمكن علاجه سوى بحقن الانسولين. أما النوع الثاني الذي يشكل نحو 85% من مجموع مرضى السكري وهو الأكثر شيوعاً، فيتميز بقدرة البنكرياس على إفراز كميات ضئيلة من الانسولين بالإضافة إلى وجود حالة مقاومة الجسم لعمل وفعالية الانسولين. لذلك يمكن معالجة هذا النوع عن طريق الأدوية المختلفة ولكن في الحالات الشديدة أو المتأخرة من هذا المرض، يضطر المصاب للجوء إلى حقن الانسولين وقد يحتاج هذا النوع لتناول أدوية بصورة مجتمعة. ويضيف: يمكن أن يحدث النوع الثاني من السكري في أي مرحلة عمرية، وغالباً ما يحدث بين الثلاثين والخمسين من العمر وهو وراثي.





