تعد الطاقة أحد المقومات الرئيسية للمجتمعات المتحضرة بأنواعها المختلفة، أهمها الطاقة الكهربائية والميكانيكية والحرارية والنووية والشمسية والكيميائية و غيرها، و التى تحتاج إليها كافة قطاعات المجتمع في تسييرالحياة اليومية حيث يتم استخدامها في تشغيل المصانع، وفى تحريك وسائل النقل المختلفة من مركبات وسفن، وكذلك فى مختلف الأجهزة الكهربائية والألكترونية وغيرها.
وهناك العديد من التحديات العالمية التي تواجه القضايا الرئيسية في مجال الطاقة والبيئة، مثل ترشيد وحسن استهلاك الطاقة وكفاءة الانتاج، و تغيير أنماط الاستهلاك غير المستدامة، وتوفير مصادر بديلة للطاقة يمكن الاعتماد عليها، والتي من شأنها الحد من التلوث، وتعزيز النمو الاقتصادي والإجتماعي.
ومن هنا جاءت المبادرة الوطنية التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لبناء اقتصاد أخضر في دولة الإمارات تحت شعار "اقتصاد أخضر لتنمية مستدامة" يهدف من خلالها أن تكون دولة الإمارات أحد الرواد العالميين في هذا المجال، ومركزاً لتصدير وإعادة تصدير المنتجات والتقنيات الخضراء.
إضافةً إلى الحفاظ على بيئة مستدامة تدعم نمواً اقتصادياً طويل المدى، وقد جاءت هذه المبادرة لتشكل منهاج عمل لجميع الجهات، سواء جهات حكومية أو مؤسسات مدنية، أو جهات تعليمية و أكاديمية، لتكون نبراساً نهتدي به من خلال مساراتها الرئيسية، التي تغطي مجموعة كبيرة من التشريعات والسياسات و البرامج.
وتعتبر الطاقة والبيئة أمرين أساسيين في التنمية المستدامة، حيث تتضرر الشعوب وخصوصا الفقيرة منها من التدهور البيئي، كما أنها قد لا تستطيع الوصول إلى خدمات الطاقة النظيفة . هذه القضايا تحتاج إلى تكاتف جميع دول العالم ، إذ لا تستطيع الدول التي تعمل بمفردها معالجة التغير المناخي وفقدان التنوع الحيوي واستنفاذ طبقة الأوزون. بحيث يجب العمل الجماعي على تطبيق أفضل الممارسات، وتقديم استشارات إبداعية في مجال السياسات، وبناء الروابط بين الدول عبر المشاريع الرائدة التي تمكن الشعوب من تأمين أسباب العيش على نحوٍ مستدام.
ويمكن تصنيف الطاقة ومصادرها بناءً على مدى إمكانية تجدد تلك الطاقة واستمراريتها الى نوعين: الطاقة غير المتجددة: مثل الوقود الأحفوري، ويتمثل في الفحم والنفط والغاز الطبيعي، وهى مصدر الطاقة الرئيسى حيث يسهم بما يزيد على90% من الطاقة المستخدمة اليوم، ولأنه مصــــدر قابل للنضوب، وبسبب مشكلات التلوث البيئي، فإن البحث مستمر لتوفير وتطوير مصادر أخرى للطاقة.
والثاني هو الطاقة المتجددة أو النظيفة أو البديلة: وتشمل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية و طاقة الأمواج والطاقة الجوفية ، إضافة الى الوقود الحيوي، وهي طاقات لا تنضب، لذلك سميت بالطاقة الخضراء، حيث لا ينتج عن أستخدامها في العادة مخلفات أوغازات ضارة تسبب تلوثا للبيئة، مقارنةً بمصادر الطاقة التقليدية.
هدف واضح
وقد كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم واضحاً بقوله "هدفنا واضح من هذه المبادرة الوطنية، وهو بناء اقتصاد يحافظ على البيئة، وبيئة تدعم نمو الاقتصاد حيث نسعى في دولة الإمارات وضمن رؤية 2021 لبناء اقتصاد متنوع وقائم على المعرفة والابتكار، نستطيع من خلاله توفير فرص العمل المميزة لأبنائنا ونحافظ من خلاله على مواردنا الطبيعية والبيئية ونعزز موقعنا التنافسي في الأسواق العالمية وخاصة في مجالات الطاقة المتجددة والمنتجات والتقنيات المعنية بالاقتصاد الأخضر".
مسارات المبادرة
المسار الأول الطاقة الخضراء، وهي مجموعة من البرامج والسياسات الهادفة لتعزيز إنتاج واستخدام الطاقة المتجددة والتقنيات المتعلقة بها، بالإضافة لتشجيع استخدام الوقود النظيف لإنتاج الطاقة والعمل على تطوير معايير وتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة في القطاعين الحكومي والخاص .
المسار الثاني فيشمل السياسات الحكومية والهادفة لتشجيع الاستثمارات في مجالات الاقتصاد الأخضر وتسهيل عمليات إنتاج واستيراد وتصدير وإعادة تصدير المنتجات والتقنيات الخضراء، إضافة إلى العمل على خلق فرص العمل للمواطنين في هذه المجالات وتجهيز الكوادر الوطنية في هذا المجال.
المسار الثالث للمبادرة فيأتي تحت عنوان المدينة الخضراء، حيث يشمل مجموعة من سياسات التخطيط العمراني الهادفة للحفاظ على البيئة، ورفع كفاءة المساكن والمباني بيئيا. كما يشمل مبادرات لتشجيع وسائل النقل الصديقة للبيئة أو ما يسمى بالنقل المستدام، بالإضافة لبرامج تهدف لتنقية الهواء الداخلي للمدن في دولة الإمارات لتوفير بيئة صحية للجميع.
المسار الرابع التعامل مع آثار التغير المناخي، وذلك عبر سياسات وبرامج تهدف لخفض الانبعاثات الكربونية من المنشآت الصناعية والتجارية، بالإضافة لتشجيع الزراعة العضوية عن طريق مجموعة من الحوافز على المستويين الاتحادي والمحلي. كما يشمل هذا المسار الحفاظ على التنوع البيولوجي وحماية التوازن البيئي لجميع الكائنات البرية والبحرية في بيئة دولة الإمارات.
المسار الخامس يسمى الحياة الخضراء، حيث يشمل مجموعة من السياسات والبرامج الهادفة لترشيد استخدام موارد الماء والكهرباء والموارد الطبيعية، بالإضافة لمشاريع إعادة تدوير المخلفات الناتجة عن الاستخدامات التجارية أو الفردية. كما يحتوي هذا المسار على مبادرات التوعية والتعليم البيئي للجمهور سواء عن طريق القطاعات التعليمية أو عبر وسائل التوعية الإعلامية بما يضمن رفع مستوى تفاعل الجمهور مع كافة مبادرات الاقتصاد الأخضر.
المسار السادس يشمل التكنولوجيا والتقنية الخضراء، حيث سيركز هذا المسار في مرحلته الأولى على تقنيات التقاط وتخزين الكربون بالإضافة لتقنيات تحويل النفايات إلى طاقة ما يسهم في التخلص من النفايات بطريقة اقتصادية تسهم في تلبية بعض احتياجات الطاقة. كما سيركز هذا المسار أيضا على تقنيات تعزيز الكفاءة وهي التقنيات التي تقلل من استخدامات الطاقة اليومية واستهلاكها بالنسبة للشركات أو الأفراد من دون التأثير في الإنتاج النهائي.
ارتباط وثيق
لقد أدركت دول العالم حقيقة الطلب على الطاقة وارتباطها الوثيق بتنمية المجتمعات والأقتصاديات، لذلك تم تشكيل مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة "ريو 20 " والذى يعتبر منصة مستدامة لقضايا الطاقة والتنمية الأجتماعية والأقتصادية والبيئية والأستدامة ، والذى أنعقد مؤخرا فى ريو دى جانيرو بالبرازيل فى الفترة من 20 -22 يونيو 2012 بمشاركة الحكومات وهيئات المجتمع المدني فى العالم.
وقد تطرق فى وثيقته الختامية الى أهمية اطلاق رؤية مشتركة لرؤساء الدول والحكومات والممثلين رفيعى المستوى تؤكد على الألتزام الكامل بالتنمية المستدامة ، والقضاء على الفقر، والأقرار بالحاجة الى مواصلة تعميم التنمية المستدامة فى المستويات كافة من خلال تحقيق التكامل بين الجوانب الأقتصادية والأجتماعية والبيئية.
وقد أشار المؤتمر ايضا الى أهمية الأقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة لكونه احد الأدوات الهامة لتحقيق تطلعات الشعوب فى الحصول على طاقة نظيفة وآمنة من أجل الوصول الى حياة أفضل لكل الشعوب.
وأكد المؤتمر على أن للطاقة النظيفة والمستدامة دورا فعالا فى التنمية، حيث إن الحصول على خدمات الطاقة النظيفة يسهم فى الإرتقاء بالعديد من الجوانب الاجتماعية، حيث يسهم فى القضاء على الفقر وتحسين الصحة ويساعد على تلبية الاحتياجات الانسانية الأساسية للشعوب. ولذلك إلتزم المجتمعون فى "ريو 20" على تيسير مهمة تقديم الدعم اللازم ل 1.4 بليون شخص حول العالم، لا يحصلون حاليا على خدمات الطاقة النظيفة وتمكينهم من الحصول عليها، مع الأدراك التام بأن الحصول على هذه الخدمات أمر بالغ الأهمية لتحقيق التنمية المستدامة.
وكما تقدم ذكره فإن الطاقة هى جزء أساسى من الحياة المعاصرة، والمحرك الرئيسى للتنمية بكافة أشكالها، حيث يستخدم سكان العالم، البالغ عددهم 7 مليارات نسمة، الطاقة بشكل يومي، مما جعل حياتهم سهلة وعملية و إنتاجية وصحية. وبذا ندرك الكم الهائل من الطلب اليومى على الطاقة، والذى ينمو باطراد مع الزيادة المتواصلة للبشر على كوكب الأرض.
تحديات كبيرة لتجنب استنزاف الطاقة
يضع الطلب المتنامى والمستمر على الطاقة لكافة الأستخدامات والأغراض، العالم أمام تحديات كبيرة، حيث أن إنتاج المزيد من الطاقة بالوسائل التقليدية يستنزف الموارد الطبيعية بالدرجة الأولى، ويسبب تلوث للبيئة ويفاقم من ظاهرة التغير المناخي والتي أصبحت إحدى المعضلات التي تعرقل العديد من خطوات التنمية ويسعى العالم بأكمله الى إيجاد حل لها، إضافة الى الإرتفاعات المتوالية فى أسعار النفط، الأمر الذى أدى الى أهمية وضع سياسات وتشريعات تضمن الإستهلاك الرشيد للطاقة والمساهمة فى الحفاظ عليها، ورفع كفاءة إستخدامها لتقليل الهدر، وتضمن كذلك الحفاظ على مواردنا الطبيعية والحد من الأنبعاثات التى تلوث البيئة، وخصوصا الانبعاثات الكربونية.
لقد أسهمت تلك الجهود الى زيادة السعي نحو التوصل لطرق جديدة لانتاج الطاقة، والتوجه الى الطاقات البديلة والمتجددة، مما عزز الأهمية التى يعلقها العالم على أستخدام الطاقة المتجددة فى عمليات إنتاج الطاقة، الأمرالذى يبعث الأمل -مع تضافر جهود العالم- فى الوصول الى حلول للتحديات التى تواجه عملية توفير الطاقة لمختلف الأستخدامات ولكافة شعوب العالم، حيث إن النمو السكاني والاقتصادي هو بمثابة المحرك الرئيسي لارتفاع الطلب على الطاقة.
إن هناك العديد من التأثيرات البيئية المرتبطة باستخدامات الطاقة التقليدية، والتي يمكن تقسيمها الى ثلاث مشاكل وتحديات رئيسية تجاه البيئة:
الأولى تتعلق بالتلوث البيئى، حيث يُعتبر التلوث نوعاً من أنواع الإخلال بالتوازن الطبيعي للأنظمة البيئية أو الغطاء الحيوي بأكمله. ولم يعد الإهتمام بالتلوث في العصر الحاضر منحصراً على التلوث المحلي للدول، بل أصبح يشمل كل أنواع التلوث العابر للحدود والقارات (التلوث العالمي للغطاء الجوي)، مما أثار ولا يزال يثير الجدل حول إيجاد سبل "تنظيف الأنشطة الاقتصادية الحالية" وذلك عن طريق البحث والتطوير في مجالات التكنولوجيا النظيفة، وإيجاد البدائل غير المضرة بالغطاء الحيوي أو الأنظمة الإيكولوجية، بالإضافة إلى تعزيز سبل الكفاءة في الإنتاج، إما بالاستخدام الأمثل لمدخلات الإنتاج وتحقيق أقصى مردود بأقل موارد ممكنة، أو بتكثيف الإنتاج للوحدة من المدخلات، وتطوير التقنيات المستخدمة و تقليل الفاقد.
والثانية تتعلق باستنزاف الموارد الطبيعية، متمثلة في استنزاف جانب كبير من الموارد الطبيعية، نتيجة الطلب المتنامي على مصادر الطاقة من أجل زيادة معدلات الانتاج. وعلى هذا فإن الخسائر التي تمنى بها البيئة والحياة الطبيعية على كوكب الأرض لا يمكن تعويضها، والخطر الذي يمثله ذلك على التوازن البيئي بين الكائنات الحية، وكذلك عمليات إزالة الأشجار والتي تتسبب في التصحر وانجراف التربة، إضافة إلى نفاد موارد الطاقة مثل البترول والغاز.
أما الثالثة فهي تتعلق بالتغير المناخي، حيث إن من أهم التأثيرات البيئية المرتبطة باستخدامات الطاقة التقليدية مايعرف بظاهرة الإحتباس الحراري و استنزاف طبقة الأوزون، والتي ارتبطت بظاهرة إرتفاع درجة حرارة الأرض، نتيجة لزيادة تركيز بعض الغازات في الغلاف الجوي، أهمها غاز ثاني أكسيد الكربون.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه الظاهرة الى ارتفاع منسوب سطح البحر، ينتج عنه الفيضانات ، وكذلك العديد من المشاكل الصحية للإنسان بسبب تلوث الهواء. وعلى العكس من ذلك ، ولاستخدام الطاقة المتجددة أثر ايجابي في حماية البيئة نتيجة لما تحققه من خفض انبعاث الغازات. من هنا، تبرز أهمية البحث عن مصادر جديدة للطاقة، و التي من شأنها تقليل تلك المخاطر.
