تحت رعاية سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، افتتح سمو الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون، صباح أمس مؤتمر دبي الدولي للأوقاف 2012م، الذي تنظمه مؤسسة الأوقاف وشؤون القُصّر، بمشاركة عدد من المؤسسات ونخبة من خبراء الأوقاف والتنمية الاجتماعية من 20 دولة عربية وأجنبية.
وحضر افتتاح المؤتمر الذي عقد بفندق الرتز كارلتون تحت عنوان "أفضل الممارسات والتجارب في مجال المصارف الوقفية" كل من حسين بن أحمد القمزي رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأوقاف وشؤون القُصّر، وطيب عبد الرحمن الريس الأمين العام، وخالد راشد آل ثاني نائب الأمين العام، وأعضاء مجلس إدارة المؤسسة ورؤساء الإدارات، ورؤساء ومديري الدوائر المحلية والمؤسسات الخيرية والإنسانية.
نمو
وفي كلمته أكد حسين القمزي رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأوقاف وشؤون القُصّر ان نسبة النمو في المؤسسة وصلت الى 500% منذ انشائها الى الان وأن المؤسسة نجحت في تحقيق قفزة نوعية في مضاعفة إيرادات الأوقاف بنسبة 275% من 24 إلى 90 مليون درهم، وضاعفت وحدات الوقف بنسبة 100% من 957 إلى 1840 وحدة منذ ست سنوات بدءا من إنشاء المؤسسة وحتى اليوم، مشيرا إلى أنه تم تخصيص 60٪ من مجمل ريع الوقف لتنفيذ شروط الواقفين واستثمار 40٪ لإعادة إعمار الوقف، وأحالت المؤسسة 43 مليونا و750 ألفا و474 درهما للمصرف الوقفي للشؤون الإسلامية عن العامين الماضيين.
وقال إن أرصدة المبالغ المستثمرة للوقف زادت حتى نهاية العام الماضي2011م عن441 مليون درهم، فيما زادت التكلفة الإجمالية للمشاريع المنفذة للوقف حتى 2011م عن 326 مليون درهم.
أفضل الممارسات
وأضاف القمزي أن مؤسسة الأوقاف وشؤون القصر في دبي قطعت شوطاً طويلاً في إعادة إحياء مفهوم الوقف والتعريف بدوره في المجتمع، من خلال مشاريعها وبرامجها وفعالياتها، ومن ضمنها مؤتمر دبي الدولي للأوقاف للتعرف على الاحتياجات الحقيقية لعائدات الوقف، دون حصرها في عدد محدود من المصارف، وبما يعود على المجتمع بكافة شرائحه بالفائدة والتنمية.
وقال إننا ارتأينا في هذا المؤتمر أن نقوم بنقل أفضل الممارسات والتجارب في مجال المصارف الوقفية مع التركيز على أفضل الطرق والمصارف الوقفية التي تمثل حاجة ضرورية لتنمية المجتمع والتي تتناسب مع رؤى التنمية والازدهار والتفوق التي تسعى حكومتنا الرشيدة لتحقيقها.
وعن أهمية العمل الخيري والجذور التي انبثق منها مفهوم الوقف، أوضح القمزي أن الإحسان في الإسلام هو العملة المستخدمة في الآخرة، إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
وقال إن فكرة الأوقاف فكرة إسلامية عريقة تعود إلى ما يزيد عن 1400 عام، وقد نقل الغرب عنها بعض ممارستها وخاصة ما يسمى حالياً باللغة الإنجليزية Trust Endowment والتي تقوم بدعم مؤسسات التعليم والصحة والبحوث العملية، وكذلك أعمال الإغاثة ومساعدة المحتاجين، بينما عانت المؤسسات الوقفية في العالم الإسلامي من اندثار في أصولها لأسباب عدة منها نقص الكفاءة الإدارية، وضعف الشفافية، وعدم وضوح الرؤية والأهداف، ونقص الوعي.
وأكد القمزي أن مؤسسة الأوقاف وشؤون القصر بدبي تعتمد على مفهوم استدامة الأصول الوقفية، بهدف تنمية واستدامة الأصول حيث تم إنشاء محفظة تكافلية لإعادة إعمار الأوقاف.
تنمية المجتمع
وأشار القمزي إلى أن الرحمة هي أساس الوقف من أجل العمل على رخاء وازدهار المجتمع ورفع معاناة المحتاجين، وفي هذا قال رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين"، وقال "لهذا السبب فإن رعاية القصر هي جزء مهم من المصارف الوقفية لأن الهدف الأساسي ليس فقط تنمية الأصول والأموال وإنما تنمية الإنسان أيضاً ليكون عضواً فاعلاً منتجاً في المجتمع".
وقال: "على هذا الأساس فإن الأوقاف تعتبر إحدى سمات البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الإسلامي لدورها الكبير والمهم في تنمية المجتمع وتعميم الرخاء، وتتمثل أهمية الأوقاف في كمية الأصول التي تشرف عليها وتديره وبالأموال التي تنفقها في الأغراض الاجتماعية والخيرية وإعداد العاملين من موظفين ومتطوعين والمساهمة الملموسة في الناتج الاقتصادي"، لافتا إلى أن هناك حاجة ماسة لتحديد أولويات المصارف الوقفية بالشكل الذي يتناسب مع احتياجات المجتمع مع مراعاة ألا يكون هناك فجوة كبيرة بين هذه المصارف.
وأوضح القمزي أن مؤتمر دبي الدولي للأوقاف يمثل فرصة للتعرف على تجارب بعض من الدول في هذا المجال ولتعزيز التعاون والتواصل والشراكة ما بين المؤسسات الوقفية في العالم، إلى جانب تبادل الخبرات والتجارب الناجحة في مجال المصارف الوقفية.
وقال إننا نسعى لأن يخرج هذا المؤتمر بمجموعة من التوصيات التي تضع حلولاً عملية وقابلة للتطبيق لقضايا الصرف على الموقوف عليهم وبما يرسخ لممارسات جديدة في أولويات الصرف بالشكل الذي يحافظ على مكانة الوقف وعلى الدور الذي يلعبه في تنمية المجتمع والنهوض بكافة شرائحه، تحقيقاً لمبادئ التكافل والتراحم والتعاون.
وبعد انتهاء كلمة رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأوقاف وشؤون القصر قام سمو الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون، بتكريم رعاة مؤتمر دبي الدولي للأوقاف وهم بنك نور الإسلامي، وشركة إعمار العقارية، ومصرف الإمارات الإسلامي، إلى جانب بنك دبي الإسلامي.
وقد استعرض مؤتمر دبي الدولي للأوقاف في دورته الثالثة مجموعة من أوراق العمل المهمة التي تدور حول الأهداف الرئيسة للمؤتمر، والتعرف على الاستراتيجيات والخطط والعمليات والإجراءات التي تعتمدها مؤسسات الأوقاف المعاصرة في مجال الصرف على الموقوف عليهم.
ويناقش المؤتمر عددا من أوراق العمل التي تم طرحها خلال جلسات المؤتمر الست تصل إلى أكثر من 21 ورقة عمل خلال هذين اليومين، وتطرق المشاركون في المؤتمر إلى عدد من التجارب الوقفية الناجحة قام بعرضها كل من عبلة سعيد عبد القادر المهتدي الأستاذة بالجامعة الأردنية، والدكتور راندي ديجلم الأستاذ بجامعة أكس مارسيل بفرنسا، والدكتورة عقيلة رابح حسين من الجزائر، والدكتور إسماعيل مونشري من جنوب أفريقيا.
ضوابط
وعن الضوابط التي تحكم مصارف الوقف أشار الدكتور جمعة محمود الزريقي المستشار بالمحكمة العليا وأستاذ متعاون مع الجامعات والمعاهد الليبية إلى أن الضوابط التي تحكم مصارف الوقف لا تنحصر في جهة واحدة ، بل هي موزعة بين أحكام الوقف والجهات التي تعنى بالنشاط الوقفي، وقال إن هناك الضوابط الشرعية والقانونية لهذا العمل الخيري ، وكذلك الضوابط التي يقررها الواقف في حجة الوقف، ثم الضوابط التي تحكم تصرفات الناظر الذي يتولى إدارة الوقف ، وكذلك الجهات التي تكلف من الدولة بإدارة الأوقاف القديمة، أو بالإشراف على الأوقاف الأخرى،.
فإن قيامها بهذا النشاط تحكمه عدة ضوابط شرعية وقانونية ، يضاف لذلك الرقابة القضائية على مصارف الوقف ، فهي أيضا تخضع لضوابط عند نظر النزاع بين المستحقين والنظار، وكذلك عند النظر في تغيير مصارف الوقف، أو تحديد المصرف في حالة انقطاع الجهة الموقوف عليها ، فالضوابط متعددة المصادر في هذا المجال .
وأوضح ان الوقف يعد تصرفا إراديا يقوم به المسلم، بجعل مال مملوك له في سبيل الله، وقد أعطاه المشرع حرية اختيار سبل الخير التي يرغب في أن تكون صدقته فيها، وهو الأصل، ولكنه مقيد في ذلك بعدة ضوابط شرعية وقانونية، ومن خلالها يستطيع أن يضع في حجة وقفه ما يشاء من شروط تتعلق بصرف ريع الوقف، أو قسمة منافعه.
وعن الضوابط الشرعية والقانونية قال الزريقي إن نظام الوقف يتضمن العديد من الضوابط الشرعية التي وضعها الفقهاء لتحكم تصرفات الواقف في صرف الريع، وهذه تنقسم إلى قسمين، الأول الضوابط الشرعية ، والثاني الضوابط القانونية التي وضعها المشرع في بعض البلدان الإسلامية.
وقال إن الله سبحانه وتعالى بين لنا الأوجه التي تصرف فيها فريضة الزكاة وكذلك صدقة الفطر، وحثنا على الصدقات الأخرى دون تحديد لمصارفها، بل جعلها في جميع أوجه البر والإحسان والخيرات، وقد تكون صدقة آنية أو جارية كالوقف، وهي متعددة وتشمل كافة الجوانب الدينية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية والجهادية، لافتا إلى أن للواقف أن يجعل صدقته في الجانب الخيري الذي يختاره وله أن يحدد مصارفها، ويضع لها من الشروط التي يراها كفيلة بتنفيذ غرضه وبيان قصده.
فإن جعلها في أوجه البر والإحسان دون تحديد، فالرأي السائد فقها أن تكون للفقراء والمساكين أو يجتهد ولي الأمر فيها، وإن بين جهة البر ووضع شروطا لها ، فيجب إتباع شرطه في مصارفها وكيفيته، وهو جانب متسع طالما أن صدقته اختيارية تطوعية، لا إلزام عليه في القيام بها، كالزكاة وما إليها، ولهذا قيل: شرط الواقف كنص الشارع "، ومع ذلك فإن هذه القاعدة مقيدة بضوابط شرعية لا يمكن تجاهلها.
توقيع اتفاقيتي تفاهم مع أوقاف الشارقة ونور للتكافل العائلي
وقعت مؤسسة الأوقاف وشؤون القصر اتفاقيتي تفاهم مع كل من الأمانة العامة للأوقاف بالشارقة، ونور للتكافل العائلي، قبل بدء الجلسات العلمية لمؤتمر دبي الدولي للأوقاف.
وقام بتوقيع الاتفاقيتين طيب عبدالرحمن الريس الأمين العام وطالب إبراهيم المري الأمين العـام لأوقاف الشارقة، وبرويز صديق الرئيس التنفيذي لنور للتكافل العائلي، في حضور حسين القمزي رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأوقاف وشؤون القصر، ونائب الأمين العام خالد راشد آل ثاني وممثلين عن الجهات الثلاث.
وصرح طيب عبدالرحمن الريس أن اتفاقيات التعاون تأتي في إطار التواصل مع المؤسسات والهيئات المعنية في الدولة، وتفعيلاً لسياسة التعاون المشترك وأهمية إحياء سنة الوقف ودوره في تحقيق التنمية المجتمعية بكافة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والعلمية والإنسانية، وما يتطلبه ذلك من جهود مكثفة وإعداد متميز لجميع العناصر.
وقال إن اتفاقية التفاهم مع الأمانة العامة للأوقاف بالشـارقة، تهدف إلى تبادل الخبرات والتجارب في مجال تنمية واستثمار أموال الأوقاف والتعاون والتنسيق بشأن التسويق للمشاريع الاستثمارية التي تخدم القطاع الاستثماري الوقفي وتنظيم الدورات التدريبية والندوات والمؤتمرات ذات الاهتمام المشترك، وتنمية البحوث الاجتماعية والأنشطة واللقاءات العلمية المتعلقة بتفعيل الدور التنموي للوقف وبذل الجهود الصادقة الخالصة المشتركة في إحياء سنة الوقف ونشر الثقافة الوقفية بين مختلف الفئات المجتمعية وتفعيل الإعلام بكل وسائله وتوظيفه في ميدان تشكيل الوعي الوقفي وعرض صفحات من التاريخ الوقفي لأمتنا الحافل بالخيرات.

