أوصى مؤتمر أمن الماء والغذاء في الخليج العربي بضرورة تبنّي دول «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» استراتيجية متكاملة حول أمني الماء والغذاء لمواجهة التحديات المستقبلية، مبيناً أنه يمكن زيادة الرسوم على استخدام المياه، حيث إن ارتفاع الأسعار يمكن أن يكون فعالاً في تعزيز استخدام موارد المياه القائمة بشكل أكثر حصافة وفعالية.

وأكد الدكتور جمال سند السويدي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية أن دول «مجلس التعاون» تقع الآن تحت «خط الفقر المائي المدقع» وفق المعايير الدولية، مشيرا إلى أن المياه المحلاة تعتبر الحلّ الوحيد للمنطقة بالرغم من التحديات التي تتعلّق بالتكاليف الباهظة لها وضرورة استيراد التقنيات من الخارج، إلى جانب التأثيرات البيئية السلبية والاستهلاك المكثّف للطاقة في التحلية.

وقال السويدي في الكلمة الختامية لمؤتمر أمن الماء والغذاء في الخليج العربي الذي نظمة المركز على مدى يومين برعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المركز، إن التحدي الأكبر بالنسبة إلى كلّ من أمن المياه والغذاء يتمثّل في تخفيض نسبة الفاقد، موضحاً أنه في الدول النامية يتمّ فقد كميّة تصل إلى 70% من إمدادات المياه والغذاء قبل وصولها إلى المستهلك، في حين تمكّنت الدول المتقدمة من تخفيض نسبة الفاقد إلى 10%.

 

خلل التوازن بين العرض والطلب

وأشار الى أن الأوراق التي تمت مناقشتها في المؤتمر أوضحت ان الانكشاف الاستراتيجي لمجالي الأمن والغذاء جاء نتيجة للخلل في التوازن بين الموارد المتاحة والطلب المتزايد عليها وأن البيئة الطبيعية التي تنذر بمزيد من الجفاف ونقص المياه بسبب تغيّرات المناخ لا يمكن تغييرها، لكن البيئة الاجتماعية والاقتصادية يمكن تغييرها، حيث يتم تحويل المجتمع من مجتمع مستهلك إلى مجتمع يكون جزءاً من الحل.

كما أكد ضرورة تبنّي دول «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» استراتيجية متكاملة حول أمني الماء والغذاء لمواجهة التحديات المستقبلية. مبيناً أنه يمكن زيادة الرسوم على استخدام المياه، حيث إن ارتفاع الأسعار يمكن أن يكون فعالاً في تعزيز استخدام موارد المياه القائمة بشكل أكثر حصافة وفعالية.

وأضاف أن شراء الأراضي الصالحة للزراعة في دول أخرى للمساعدة على ضمان الأمن الغذائي يعتبر الخيار الأمثل لدول «مجلس التعاون»، مشدداً على ضرورة تبنّي تقنيات الري المعاصرة لإدارة الطلب على المياه، وتطوير سلالات نباتية لترشيد استخدام المياه.

 

المناطق الجافة

وقال الدكتور محمد عبدالحميد داوود، مدير إدارة موارد المياه في هيئة البيئةأبوظبي في ورقته «الأمن المائي في دولة الإمارات: التحديات والفرص» خلال جلسات المؤتمر أمس: إن الإمارات تعاني شحاً في مواردها المائية المتجدّدة نتيجة وقوعها في حزام المناطق الجافة، ما أدى إلى انخفاض معدلات الأمطار وعدم وجود مصادر مائية سطحية دائمة الجريان، مضيفاً أنه مع اكتشاف النفط في بداية الستينيات حدثت طفرة وزيادة كبيرة في معدلات التنمية في القطاعات المختلفة، وكذلك زيادة معدلات النمو السكاني. وقد أدى ذلك إلى الضغط على موارد المياه العذبة الشحيحة.

وأفاد داوود بأنه مع زيادة الطلب ظهرت فجوة بين الموارد المائية المتاحة والطلب المتزايد عليها. وأنه لسد هذه الفجوة لجأت الحكومة إلى زيادة الاستثمار في المصادر المائية غير التقليدية مثل التحلية وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالج، على الرغم من ارتفاع تكلفتها ووجود بعض الآثار البيئية المصاحبة لها.

 

الأسواق الدولية

وفي ورقته بعنوان «الأمن الغذائي في دولة الإمارات» أشار الدكتور إيكارت وورتز، زميل زائر، «معهد برينستون للبيئة» في «جامعة برينستون» في الولايات المتحدة الأميركية، إلى أنه على الرغم من أن دولة الإمارات تقوم باستيراد معظم احتياجاتها الغذائية، فإنها تتمتّع بالأمن الغذائي إذا ما قيست على أساس نصيب الفرد من الدخل، وتغطية الواردات الغذائية بعائدات التصدير، ومؤشر الجوع العالمي للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية. وذلك ما دامت الأسواق الغذائية الدولية مفتوحة.

وأكد وورتز أن القيود على الصادرات من قبل الدول المصدرة للغذاء في أعقاب أزمة الغذاء العالمية قد أسهمت في إحداث حالة من الإرباك في البلاد. مبيناً أن رد فعل دولة الإمارات تمثّل في ثلاثة تدابير مختلفة: الرقابة على الأسعار، وتجميع مخزون استراتيجي، وإعلان استثمارات زراعية في الخارج، وغالباً في بلدان ينعدم فيها الأمن الغذائي مثل السودان أو باكستان.

 

الماء والغذاء والتنمية المستدامة

من جانبها ذكرت الدكتورة مريم حسن الشناصي، وكيل وزارة البيئة والمياه في ورقة عمل قدمها الدكتور محمد الملا مدير إدارة الموارد المائية في وزارة البيئة أن حكومة دولة الإمارات تبذل جهوداً لتحقيق التوازن بين العرض المتاح من مصادر المياه والطلب المتزايد عليها من قطاعات الاستخدام المختلفة لتحقيق الأمن المائي. وقد أدّت الزيادة السكانية وتحسن مستوى المعيشة ونمو قطاع الخدمات والصناعة والزراعة الإنتاجية والغابات والتخضير إلى زيادة الطلب على المياه، حيث بلغ المجموع الكلي للمياه المستخدمة (الطلب) في القطاعات المستهلكة كافة ما يعادل 4.5 مليارات متر مكعب. مضيفة أن قطاع الزراعة الإنتاجية والتخضير يعدّ أكبر قطاع مستخدم للمياه (60%)، يليه القطاع البلدي 40%، كما يتم تدبير الطلب بنسبة 51% من المياه الجوفية.

ونوّهت بأنه نتيجة للفجوة الكبيرة بين موارد المياه الطبيعية المحدودة والطلب المتزايد عليها، فقد لجأت الدولة إلى موارد المياه غير التقليدية، كتحلية مياه البحر وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة لتدبير النسبة المتبقية (49%). وأنه من المتوقع أن يتضاعف الطلب على المياه خلال العشرين عاماً المقبلة بافتراض استمرار نمو الطلب على المياه بالوتيرة الحالية نفسها. وناقش المؤتمر أمس قضية الامن الغذائي في الجلسة التي ترأسها راشد محمد الشريقي، المدير العام لـ «جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية» حيث عرض الدكتور محمد آيت قاضي، رئيس المجلس العام للتنمية الفلاحية، رئيس اللجنة الفنية للشراكة العالمية للمياه في المملكة المغربية «التحديات التي تواجه إمدادات الغذاء العالمي».

 

تغير المناخ

وأشار قاضي إلى أن الزراعة العالمية ستحتاج إلى التغلب على مشكلة تغير المناخ التي قد تشمل آثارها التراجع الشديد في إمكانات الإنتاج العالمي من الغذاء، وهبوط إنتاج المحاصيل الرئيسية مثل القمح والذرة على الصعيد العالمي. موضحاً أنه من المحتمل أيضاً أن تتزايد الأحوال الجوية القاسية، مثل الجفاف والفيضانات، ما يزيد من خسائر المحاصيل والثروة الحيوانية. وأن الانعكاسات المتوقعة هي ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة تقلّباتها. منوّهاً بأن أزمة الغذاء خلال المدة ما بين عامي 2007 و2008 كانت مؤشراً باكراً إلى أمور مستقبلية.

 

الأمن الغذائي الشامل

وفي الجلسة ذاتها أكد الدكتور نديم خوري، نائب الأمين التنفيذي في الأمم المتحدة - اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، في الجمهورية اللبنانية، في ورقته «استراتيجيات الأمن الغذائي في منطقة الخليج العربي» أن دول الخليج العربية تعتمد اعتماداً كبيراً على الواردات الغذائية. ومن المتوقع أن تستمر حالة الاعتماد هذه في الازدياد نتيجة للتزايد السريع في عدد السكان، وتحسّن الظروف المعيشية، والتنمية الاقتصادية/الصناعية المستدامة، واستنزاف الموارد الطبيعية. وإضافة إلى ذلك، فإن من المتوقع، بحسب خوري، أن يؤثر تغير المناخ في المنطقة أكثر من أي منطقة أخرى في العالم.

وذكر خوري أنه لتلبية الاحتياجات الغذائية لدول الخليج يتعيّن عليها الاعتماد على الأسواق الدولية، ما يجعلها عرضة لتقلّبات الإنتاج العالمي للأغذية، والسياسات التجارية، وأسعار السلع الأساسية. ويتجلّى هذا في أزمة الغذاء خلال عامي 2007 و2008، التي دفعت دول الخليج العربية إلى اعتماد استراتيجيات تشمل بناء احتياطي استراتيجي وطني من المواد الغذائية، ورفع مستوى الدعم، والحصول على أراضٍ في الخارج للاستثمارات الزراعية من خلال اتفاقيات ثنائية. وهذه التدابير قد يكون لها، وفقاً لخوري، بعض السلبيات على المدى الطويل، مثل بقاء تقلّب الأسعار، وتأثير الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية في صفقات الأراضي، وتأثر التجارة بالأحداث الدولية أو الصراعات، وغير ذلك.

وأشار إلى أن المطلوب هو استراتيجية أمن غذائي شاملة متعددة الجوانب لدول الخليج قاطبة تعتمد على عناصر من التدابير المذكورة أعلاه، وفي الوقت نفسه إدماجها ضمن نهج يشمل المنطقة.