افتتح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة صباح أمس منتدى الاتصال الحكومي الأول الذي ينظمه مركز الشارقة الإعلامي، بحضور سمو الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي ولي عهد ونائب حاكم الشارقة، وداتو سري عبدالله أحمد بدوي رئيس وزراء ماليزيا السابق، ضيف شرف المنتدى، والشيخ محمد بن سعود القاسمي رئيس دائرة المالية المركزية، والشيخ عصام بن صقر القاسمي رئيس مكتب سمو الحاكم، والشيخ سلطان بن أحمد القاسمي رئيس مؤسسة الشارقة للإعلام، والشيخ سالم بن عبدالرحمن القاسمي مدير مكتب سمو الحاكم، واللواء حميد الهديدي قائد عام شرطة الشارقة، وعدد من أعضاء المجلس التنفيذي لإمارة الشارقة رؤساء ومديري الدوائر والهيئات والمؤسسات الحكومية، وحشد من الإعلاميين ووسائل الإعلام العربية والدولية.
كما افتتح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة على هامش المؤتمر الذي يستمر يومين وتستضيفه غرفة تجارة وصناعة الشارقة معرض الرسوم الكاريكاتورية للفنانين أمية جحا ورشا مهدي وعماد حجاج.
وأكد الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي رئيس مؤسسة الشارقة للإعلام ورئيس اللجنة العليا المنظمة للمنتدى في كلمته الافتتاحية أن الصحافة الإماراتية سطرت تاريخها الإعلامي من هذه الإمارة التي لطالما لازمتها تطورات فكرية وثقافية يُشهد لها، فمنذ أواخر العشرينيات صدرت في الشارقة صحيفة عُمان الحائطية المكتوبة يدوياً، والتي كانت تجمع مختلف الأخبار التي تهم الناس، مشيراً إلى أن اليوم تغير الحال فتعددت مصادر الخبر في مختلف أنحاء العالم إذ شهدت الساحة الإعلامية تطوراً كبيراً في مختلف وسائل الإعلام من مطبوع ومرئي ومسموع ورقمي، حتى بات لزاماً علينا جميعاً أن نتحرى الدقة في المعلومات التي نقدمها للقارئ والمشاهد والمستمع، ما يتطلب تضافر جهودنا جميعاً من إعلام حكومي ووسائل إعلام خاص للخروج باستراتيجية إعلامية تحقق أهدافنا على الدوام، هدفها الرئيس إيصال الرسالة الإعلامية لإمارة الشارقة والعالم أجمع بأفضل صورة.
تطوير الإعلام
وقال رئيس مؤسسة الشارقة للإعلام خلال كلمته الافتتاحية: المنتدى يأتي ضمن توجيهات ومرئيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في تطوير الإعلام بجميع أشكاله ووسائله، حيث نلتقي على مدار يومين لنتبادل الأفكار والخبرات لبلورة نتائج تخدم أمتنا وشعوبنا في تقديم رسالة إعلامية حكيمة وهادفة تخاطب الشعوب بما يترجم أفكارنا وما تقتضيه أجندتنا الفكرية والثقافية بصدق وبشفافية.
وأضاف: نحن لا نريد إعلاماً تائهاً مضللاً ولا نريد إعلاماً رسمياً موجهاً، بل نريد إعلاماً صادقاً يخاطب العقول، إعلاماً قادراً على تحمل المسؤولية في إظهار الحقيقة التي هي حق مشروع للمتلقي.
وأوضح الشيخ سلطان القاسمي: يشكل الإعلام الهادف والملتزم والمحايد دعامة قوية في تطور الشعوب والأمم، فهو يبرز إنجازاتها ويقدم صوراً ومفاهيم صحيحة، ولا يقف دوره عند هذا الحد، بل عليه أيضاً مسؤولية متابعة التقصير الذي قد يظهر أحياناً هنا وهناك، وإبرازه بهدف الإصلاح والتطوير وليس بهدف الإساءة والتشهير، وإذ أنتم أيها الإخوة والأخوات الإعلاميون القيمون على وسائل إعلام مختلفة من خبراء اتصال ومحللين ومراقبين وناقلي أحداث فإن الأعباء الإعلامية باتت أوسع في ضوء ما تشهده منطقتنا العربية من تغيرات على خرائطها السياسية التي كان للإعلام دور بارز فيها.
تاريخ طويل في الإعلام
من جانبه قال أسامة سمرة مدير مركز الشارقة الإعلامي نائب رئيس اللجنة العليا المنظمة للمنتدى: نحن العرب لنا تاريخ طويل في الإعلام والثقافة يمتد إلى أكثر من ألفي عام ففي البدء كان الشعر محطة هامة في تاريخنا فقصيدة كانت ترفع قبيلة مدحاً وتحط من قدر أخرى هجاء، حتى أكرمنا الله عز وجل بنعمة الإسلام، فتطور الشعر وفن الخطابة ليصبحا من أكثر الوسائل تأثيراً في التواصل بين الدولة والشعب، أما في عصرنا الراهن فقد تغير الحال في ظل ثورة معلوماتية وتقنية هائلة أصبحت المعرفة والمعلومة الدقيقة أساساً للعمل الإعلامي.
وأضاف: إن الحدث الذي يجمعنا اليوم بدأ كفكرة صغيرة عملنا عليها في مركز الشارقة الإعلامي، هذا الصرح الذي تأسس منذ أشهر قليلة فقط بفضل رؤية حكيمة وتوجيهات سامية لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بهدف ترسيخ مكانة الشارقة الثقافية والإعلامية في المنطقة وتعزيز نشاطها الإعلامي، وهو ما جاء متماشياً مع استراتيجيات وأهداف مركز الشارقة الإعلامي في جعله نقطة الالتقاء المركزية بين صناع القرار السياسي والإعلامي المحلي والعربي العالمي وجسر التواصل مع وسائل الإعلام والقطاع الحكومي.
وأوضح سمرة: لقد ارتأينا من خلال مشاهداتنا ونقاشاتنا مع مختلف الأطياف الإعلامية في إمارة الشارقة أن تناقش جلسات المنتدى مجمل الاحتياجات والمهارات الإعلامية التي تسعى إلى السمو بالأداء الإعلامي وتوفير أحدث الممارسات المهنية للاتصال الحكومي، ووضعها بمتناول قادة الرأي، ورؤساء المؤسسات الحكومية وكبار المسؤولين.
مبادئ الإسلام الحضاري
من جانبه أكد داتو سري عبدالله أحمد بدوي، رئيس الوزراء الماليزي السابق (المتحدث الرسمي للمنتدى وضيف الشرف الرئيسي) أن التعليم وتنمية الثروة البشرية المبنية على مبادئ الإسلام الحضاري تضمن مستقبلاً من التقدم والازدهار، موضحاً أن ماليزيا تقدم نموذجاً متواضعاً على التجديد والإصلاح، وربما، "النهضة" في العالم الإسلامي لكنها لا تدعي أنها كاملة وأن لديها كل الأجوبة للعديد من المشاكل في العالم الإسلامي.
وأعرب بدوي عن إدراكه أن الدول المختلفة تحتاج إلى حلول مختلفة لمشاكلها، معرباً في ذات الوقت عن اعتقاده أن ماليزيا يمكن أن تكون مثالاً لدولة إسلامية، ناجحة وعصرية، استطاعت أن تستوعب التنوع الثقافي والتناغم العرقي.
وقال في كلمته التي تدور حول (الأمة الحديثة والحضارة الإنسانية): إن التحدي الذي يواجه العالم الإسلامي هو كيفية إعادة تشكيل الانطباع وإعادة تصنيف الإسلام، وهو ما يمكن القيام به من خلال تبني الإسلام الحضاري، الذي يشمل التدريس الإنساني للإسلام، معتبراً أن التركيز على الإسلام الحضاري هو الفرصة الحضارية التي يوفرها الإسلام لتجديد المجتمعات، والتي ترتكز على الضروريات لرفاهية الإنسان، الاستقامة، والإنصاف.
وأضاف: "الإسلام الحضاري يوفر مجموعة من عشرة مبادئ، منبثقة عن تعاليم الإسلام الأساسية، توسع نطاق الخطاب الإسلامي نحو تحقيق أهدافه الحضارية الأوسع. وإنه يعزز الأهداف الشمولية ورفاهية الشعوب بغض النظر عن الجنس والعرق والدين، ويقوم على أساس الاقتناع بأنه يمكن للإسلام الاستفادة من تقاليده الفكرية الغنية لتحدي مبادئ المتطرفين والجماعات. كما أن الإسلام الحضاري يتوافق بالتأكيد مع هدف إقامة نظام عالمي دولي مستقر".
ووجه بدوي حديثه إلى المحترفين في مجال الإعلام والعلاقات العامة، قائلاً: إنه لا يوجد في القرآن أو في تعاليم النبي محمد عليه الصلاة والسلام ما يمنع المسلمين من التقدم أو تحسين أنفسهم، مؤكداً أنه إذا كنا نريد إحراز تقدم، لا بد من أن ننهي الصراع وأن نكون متحدين، والواقع أن وحدة الأمة نعمة ليس فقط للمسلمين بل للإنسانية أيضاً، حيث إنه لا يمكن لأمة مجتمعها مفكك أن تساهم بفعالية في السلام والاستقرار والحضارة في العالم. على العكس، النزاعات داخل أمتنا تزيد من انعدام الأمن وتؤجج لهب الخلافات بين الشعوب، مؤكداً أن الإسلام الحضاري ليس محاولة لأسلمة جميع جوانب الحياة. كما أنه ليس طموحاً لإيجاد أيديولوجية أو مذهب"، ببساطة، إن الإسلام الحضاري هو النهج الذي يشدد أن الإسلام والتقدم يسيران جنباً إلى جنب، وأن على المسلمين أن يتبنوا جميع المعارف والممارسات التي تفيد المجتمع ولا تتعارض مع مبادئ الإسلام.
373 باحثاً
وأشار بدوي إلى أن إحصائيات اليونسكو تشير إلى أن في العالم العربي اليوم 373 باحثاً لكل مليون نسمة، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 1081، ولكن العديد من هؤلاء العلماء لا يعيشون في المنطقة، وقد أُخِذت مواهبهم إلى الغرب، كما تشير الإحصائيات إلى أن واحداً فقط من أهم مائة عالم في العالم يأتي من العالم العربي، في حين إن المنطقة قدمت حائزاً واحداً على جائزة نوبل وهو المصري المولد أحمد زويل، الذي حصل على جائزته في الكيمياء عام 1999 بينما كان يعمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأميركية، كما أن عدد الكتب المترجمة سنوياً من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية في حدود 300 وبالمقارنة مع هذا، في بلد صغير مثل اليونان هناك خمسة أضعاف عدد الكتب التي تترجم في المنطقة العربية بأسرها، وفي إسبانيا وحدها يُترجم ما يقرب من مائة ألف كتاب سنوياً.
وقال: إننا بحاجة إلى أن تنمو شعوبنا قبل أن نتمكن من تنمية اقتصادنا. في حال لم ينموا الناس وبقوا محتجزين في دائرة الفقر، ستستمر النزاعات والآفات الاجتماعية التي نراها في الكثير من الدول، مشدداً مرة أخرى تنمية رأس المال البشري، ومشيراً إلى أن ثاني أهم توجه لديه عندما كان رئيساً للوزراء في ماليزيا هو رفع الطاقة الاستيعابية للمعرفة والابتكار، وتعزيز "عقلية الدرجة الأولى" لجميع الماليزيين، وتم ضع ذات الأولوية في الجهود المبذولة لتطوير رأسمال بشري عالي الجودة، على دراية، مبتكر، ومشرب بالقيم الإيجابية.
رؤية تحديد الأهداف وشريحة الشباب
قال داتو سري عبد الله أحمد بدوي: «نحن بحاجة إلى رؤية لتحديد أهدافنا، ونحن بحاجة إلى مهمة لتوجيهنا إلى الأمام، ونحن بحاجة إلى خطط وبرامج (طويلة، متوسطة وقصيرة الأجل) لتحقيق أهدافنا، والأهم بالنسبة للجميع، نحن بحاجة إلى أشخاص عاليي الجودة - رأس المال البشري - لتخطيط وتنفيذ ما بادرنا به، ويجب أن نواصل توفير التوزيع العادل للفرص الجيدة على الناس، بل يجب تقديم فرصة التعليم الجيد للجميع وعلينا ألا نكتفي بشراء واستخدام تكنولوجيات دون أن تكون لدينا القدرة على ابتكار تقنيات".
كما أكد أن التعليم، إذا ما طُبق بطريقة صحيحة، يمكن أن يكون حلاً سحرياً لمشاكل العالم، وعلى التعليم أن يبني مهارات تضمن وسيلة لتوليد الدخل على وجه الخصوص في البلدان النامية. والتعليم الحقيقي هو الذي يبني الشخص ليجعله قادراً على تحمل مسؤولياته كعضو في العائلة، وكفرد داخل الجماعة، وكجزء من المجتمع، وكمواطن في بلد ما.
وقال بدوي: إنه في القرن الحادي والعشرين، لم يعد لحجم الدولة أهمية، بل باتت الأهمية تكمن في القدرة على التطلع إلى المستقبل، وأشار إلى أن الشباب هم الشريحة الأسرع نمواً من سكان البلدان العربية، حيث إن 60 في المائة تقريباً من السكان هم دون سن الـ25، مما يجعل هذه المنطقة واحدة من أكثر المناطق شباباً في العالم، حيث يبلغ متوسط العمر 22 عاماً مقارنة مع المعدل العالمي البالغ 28، موضحاً كذلك أن الجيل الجديد من التقنيين، ورواد الإعلام الاجتماعي، ومحترفي المجال الرقمي، لعبوا أيضاً دوراً هاماً وواضحاً في مستقبل بلادهم.
وأضاف: إنه يجب أن يتم تعليم وتدريب قادة الأعمال الشباب وأصحاب المشاريع العرب، الحاليين منهم والمستقبليين، وخاصة عندما يتعلق الأمر بشأن كيفية تحويل الأفكار والتقنيات والابتكارات بنجاح إلى مخرجات تجارية، لتباع في الأسواق المحلية والدولية، موضحاً أنه خلال فترة الذروة من الإنجاز العلمي في الإسلام، كان الدين عاملاً أساسياً لتشجيع التقدم العلمي وليس عائقاً، ولم يكن التعليم الديني منفصلاً عن التعليم العلمي. في الواقع، كانا يكملان بعضهما البعض بشكل متناغم. طبيب مرموق، عالم فلك، أو فيلسوف لديه نفس الصلاحيات وعليه نفس واجبات القاضي في محكمة القانون.
وشدد أنه يجب أن نعود إلى مصدر إلهامنا الأساسي، لاستعادة حيويتنا الروحية والعاطفية والفكرية، ومن أجل الدخول في مرحلة دينامية جديدة لنهضة العلم والتكنولوجيا ولنستعيد آفاق جديدة من الإنجازات العلمية، ونضمن السلام والرخاء لجميع شعوب العالم، فنحن بحاجة ماسة إلى أن نركز جهودنا لنثبت أن جميع المسلمين نشيطون، يساهمون بالكامل، وأعضاء بناؤون في المجتمع العالمي، ويشكلون قوة للخير، وقوة للتقدم، مختتماً كلمته بأننا نتبنى ما هو لصالحنا من أجل السلام إذا تمسكنا بتعاليم القرآن.
وبعد مراسم الافتتاح الرسمية بدأت جلسات المنتدى، حيث دارت الجلسة الأولى التي أدارتها الإعلامية ليلى الشيخلي من قناة الجزيرة حول "إدارة المخاطر والأزمات الإعلامية والحكومية" وشارك فيها كل من براد ستيبلز الرئيس العالمي لشركة ابكو العالمية، والدكتور نبيل الخطيب مدير مكتب مركز تلفزيون الشرق الأوسط "ام بي سي" بالقدس.

