امرأة وابنتها في صف واحد وأخرى وابنها في كلية واحدة

أجيال تتزامن على مقاعد الدراسة

الأم فادية والابنة أمل تتقاسمان متعة الزمالة على مقاعد الدراسة البيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

أجيال تتلاقى على مقاعد الدراسة، ففي الصف ذاته في كلية الإمارات للتطوير التربوي في أبوظبي، تجلس الأم فادية عمر إلى جانب ابنتها أمل عبدالله، تتابعان دروسهما معاً، وتتعاملان كزميلتي دراسة.

كما تلتقي في حرم الكلية الأم زهرة أحمد والابن أحمد الراشدي، ليتشاركا حلم الدراسة الجامعية، ويصبحا من حملة رسالة التعليم وصنّاع الأجيال، لكل من هؤلاء حكاية ودافع للالتحاق بالكلية ودراسة التربية تحديداً، ولكل منهم ظروفه الخاصة وطموحه المختلفة، لكنهم جميعاً يمثلون قصصاً مميزة، تؤكد أن طريق العلم مفتوح أمام الجميع، وبالعزيمة يمكن لأي منا أن يكون على هذا الطريق مهما كانت أعمارنا ومسؤولياتنا.

بداية الفكرة

فادية عمر، الأم والطالبة تتحدث عن تجربتها وسبب وجودها هذا العام في السنة التأسيسية في كلية الإمارات للتطوير التربوي، في الصف الدراسي ذاته الذي التحقت به ابنتها، إذ تقول إنها أنهت الثانوية العامة منذ العام 1990، وبعدها تزوجت وتفرغت لتربية أبنائها الثمانية، لكنها شعرت أنها بحاجة إلى تطوير ذاتها ومواصلة تعليمها، وقد اختارت تخصص التربية لأنها كما تقول تؤدي دور الأم منذ 20 عاماً، وترى أن خبرتها في التعامل مع الأبناء شجعتها لأن تصبح معلمةً وأمّاً لطلبة المدارس، مشيرة إلى أنها حينما طرحت الفكرة على أبنائها، واجهت بعض الاعتراضات لأنهم يريدونها جوهرة البيت الدائمة، ويرون مسؤولياتها كبيرة، وأنها لن تتمكن من التوفيق بين البيت والدراسة، لكنها أصرت على استكمال حلمها في ظل تشجيع زوجها لها.

الأم زهرة حريصة على مواصلة التعلم وتطوير الذات

 

تحديات جديدة

بعد ذلك؛ واجهت فادية تحدياً ثانياً عندما اختارت كلية الإمارات للتطوير التربوي، وهي الكلية التي تقدمت إليها ابنتها أمل هذا العام، بمعنى أنهما ستدرسان معاً في ذات السنة الدراسية، وقد أسعدها قبولها في الكلية، وشعرت بأنها بدأت أولى خطواتها على طريق المستقبل الأجمل.

أما التحدي الثالث فبرز حينما التقت الأم والابنة في الصف ذاته ضمن السنة التحضيرية، ما جعل تجربة الطرفين أكثر تشويقاً. وهنا تقول فادية إنها في الصف طالبة وحسب، ولا تنظر إلى ابنتها إلا كزميلة رغم شعورها بالفخر عندما تلمس تميزها، كما أن ابنتها أصبحت أكثر حماسة بعد خوض الأم التجربة، وأنهما تتعاونان في الدراسة معاً في المنزل.

لأجل ابنتي

وتدرك فادية أن اختيارها مواصلة الدراسة، يجسد تحدياً كبيراً في ظل مسؤولياتها الأسرية، مشيرة إلى أن هذه المسؤوليات شكّلت أيضاً دافعاً للدراسة، لأن ابنتها الأصغر ذات العام والنصف من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، وهي ترغب من خلال الدراسة في الكلية أن تتابع تخصصها في تعليم ذوي الاحتياجات، لتتمكن من النجاح في رعاية ابنتها الصغرى.

أمل عبدالله زميلة أمها الطالبة فادية، تقول إنها لم تتخيل أن والدتها التي لازمتها طوال نشأتها وسنوات المدرسة، ستكون معها على مقاعد الدراسة الجامعية، وأنها عندما عرفت برغبة والدتها مواصلة تعليمها، خشيت عليها من ضغط المسؤوليات، ولما أدركت أنهما ستدرسان معاً في الكلية، ترددت في تشجيعها في البداية، من باب أن ذلك سيحول دون إحساسها بالاستقلالية والخصوصية في حياتها الجامعية، وعند قبول الكلية لوالدتها وجدت أنه لا مفر من خوض التجربة، التي بدأت بفكرة لدى أمها وانتهت باجتماعهما في صف واحد.

حرية وصداقة

وتضيف أمل إنها تنظر إلى الأمر بصورة مختلفة وأكثر إيجابية، فهي ووالدتها اتفقتا على الزمالة داخل الكلية، ووالدتها تقدر ذلك تماماً وتترك لها حرية اختيار صديقاتها والتعامل معهن، وتفضل أن تقضي فترات الاستراحة إما في المسجد أو المكتبة، مشيرة إلى أن الطالبات عندما عرفن أن والدتها في الصف معهن، حركهن الفضول وبدأن يسألنها عن إحساسها، منوهة بأن أمها تغيرت رغم أن التجربة في بدايتها، فهي في العادة شديدة مع الأبناء في البيت، والآن أصبحت أكثر هدوءاً.

وتوضح أمل أنها اختارت كلية التربية لرغبتها في أن تكون معلمة، وأن تتخصص في مجال الإرشاد التربوي، لأنها تجد في ذاتها مقومات ذلك من حيث القيادة والتوجيه وروح المبادرة والقدرة على تحمل المسؤولية، فوجود التخصص أمر مشجع.

حلم التدريس

أما الطالبة والأم زهرة أحمد، فهي شغوفة بالدراسة وطموحها لا حدود له كما تقول، وهي حاصلة على دبلوم في إدارة المشاريع وتعمل موظفة في إحدى الجهات، وقد رغبت في مواصلة الدراسة، واختارت تخصص التربية لأن حلمها القديم التربية والتعليم، وترى في كلية التطوير التربوي الفرصة الأفضل لإعداد المعلمة المتمكنة في جانب تدريس الطفل وتربيته، وهي الآن في السنة الرابعة، وتتمنى الحصول على الماجستير.

وتضيف زهرة إن لديها 10 أبناء؛ أصغرهم 15 عاماً، ورغم مسؤولياتها إلا أنها ستواصل التعلم وتطوير ذاتها، وإن حبها للتعليم جعلها تشجع ولدها أحمد الراشدي على الالتحاق بالكلية ذاتها التي تدرس بها، ليكون في المستقبل معلماً قادراً على المساهمة في تعليم الأجيال، ونموذجاً للشباب المواطن الناجح، معتبرة أن على الأهالي توجيه أبنائهم نحو التخصصات المستقبلية، ولا يوجد مسمى أسمى من المعلم.

أحمد الراشدي الابن الطالب، عبر عن فخره بوالدته التي تصر على مواصلة دراستها وتطوير ذاتها وأنها قدوة للكثيرين، مشيراً إلى أنها شجعته على الالتحاق بالكلية لدراسة التربية، متمنياً أن يواصل دراسته ليكون من القيادات التربوية في الميدان، لأنه يتمتع بمهارات في القيادة وحل المشكلات والتواصل مع الآخرين، مشيراً إلى أنه ووالدته يتفاعلان كثيراً في مجال دراسته، وهي تمتلك تجربة ثرية في حبها لمجال التعليم.

وقت الأم الطالبة

توضح الأم الطالبة زهرة أحمد أنها تعمل على إدارة وقتها قدر المستطاع، إذ تنتظم في الكلية من الثامنة صباحاً حتى الثانية والنصف ظهراً، وبعدها تتجه إلى وظيفتها من 3 ظهراً وحتى 9 مساءً، ومن ثم تقضي فترة المساء والعطلات مع أبنائها، مشيرة إلى أنها تهتم بإدارة الوقت وتحاول قدر الإمكان ألا تقصر مع أبنائها الذين هم أيضاً متميزون في حياتهم الدراسية، مؤكدة أنها حققت معدل 3.5 خلال سنوات الدراسة، وحصلت على شهادة تفوق، كما أنها حصلت على شهادة إنجاز برنامج «المعلم المساعد»، الذي طرحته مؤسسة الإمارات لتنمية الشباب بالتعاون مع الجامعة البريطانية في دبي لمدة عام.

كلية التطوير التربوي تراعي الفئات العمرية

تتفاعل الهيئات الإدارية والتدريسية في الكلية مع الطلبة بشكل كبير، ويحظى مَنْ لديهم ظروف خاصة بدعم وتشجيع من العاملين لمساعدتهم على مواصلة تعليمهم بتفوق ودون إخلال بأي من معايير الدراسة ومتطلباتها.

وذكرت سميرة النعيمي رئيسة قسم شؤون الطلبة في كلية التطوير التربوي، أن الكلية تضم العديد من النماذج المتميزة التي تمثل صوراً رائعة لحب التعلم ورغبة العمل في مهنة التدريس التي تعد من أسمى المهن، مشيرة إلى حرص الكلية على تشجيع الطلبة أياً كانت فئاتهم العمرية أو ظروفهم، ما دام لديهم العزيمة للدراسة، وأن نماذج الآباء والأبناء الذين جمعتهم مقاعد الدراسة، تعد ميزة إضافية وشيئا يفخر به الطالب والطالبة بل وحتى العاملون في الكلية.

مشهد عام للفصل الدراسي الذي يجمع الأم وابنتها

 

آثار إيجابية

وأضافت النعيمي أنها لمست انعكاسات إيجابية كبيرة لدى الكثير من الملتحقات بالكلية، ممن لديهن أسر، سواء إخوانهن أو أبناؤهن، اللواتي أكدن لها أن طريقة تعاملهن مع من حولهم من الأطفال والأبناء قد تغيرت بعد التحاقهن بالكلية، لأنهن تعرفن أكثر على طرق التربية والتفاعل الصحيح مع الأطفال والطلبة الصغار، وكيفية فهم شخصياتهم، وانعكس ذلك على طرق تربيتهن وتوجيههن لهذه الفئات العمرية الصغيرة.

وأكدت أن النماذج التي تصر على مواصلة تعليمها تحظى باهتمام وتشجيع من الكلية، فهناك باستمرار توجيه وإرشاد لهن في مختلف المراحل الدراسية، حتى لا تحول أي ظروف حياتية دون تحقيق حلمهن بأن يكنّ إضافة في المجتمع، مع التأكيد على أن لا تؤثر أي مرونة على معايير الكلية أو متطلبات الدراسة الأكاديمية، لأن نوعية وجودة المخرجات الأكاديمية من أهم ما تركز عليه الكلية، لأهمية المعلم كشخص يساهم في صنع أجيال وبناء شخصيات وأفكار، منوهة بأهمية أن يدرك كل إنسان أن قطار التعليم لا يتوقف، وهو مستمر ما دام الإنسان لديه الرغبة والعزيمة.

تقدير وتحفيز

أما بول فرفارو، مدرس اللغة الإنجليزية في الكلية، فعبّر عن سعادته الكبيرة بوجود طلبة ينتمون إلى جيلين مختلفين يجمعهم صف واحد، مؤكداً أن هذه النماذج من الأمهات تحظى بتقدير واحترام الجميع، لأنها أم تسعى إلى مواصلة تعليمها وتجلس مع أبنائها في مقاعد الدراسة كنموذج حقيقي للإرادة، مشيراً إلى أن وجود إحدى الأمهات مع ابنتها في الفصل، له انعكاسات إيجابية شتى؛ حتى على الطالبات الأخريات، لأنهن سيقدرن وجودها بينهن، وستكون شخصية محفزة لهن للتميز والاستمرار في الدراسة بنجاح.

واختتم أن هذه الفرصة تبدو مميزة للطالبة التي تدرس مع والدتها، لتتشاركا الدراسة معاً، وتتقاربا أكثر في علاقتهما الأسرية، متمنياً أن تنضم إلى فصله أمهات أخريات، وهو مستعد لدعم أدائهن ما دامت لديهن حماسة العلم والرغبة في تطوير الذات.

تخصصات جديدة ترتقي بأداء المعلم

أوضح الدكتور محمد يوسف بني ياس مدير كلية الإمارات للتطوير التربوي، أن الكلية مهتمة بتشجيع الطلبة على الالتحاق بها في إطار رسالتها السامية والمتخصصة في إعداد كوادر وطنية للعمل في مهنة التدريس، وليكونوا قيادات تربوية فاعلة في المستقبل، في ظل ما يتمتعون به من مهارات أكاديمية وشخصية وتطبيقية عالمية تجعل منهم إضافة لقطاع التعليم بالدولة.

وأشار إلى أهمية التخصص التربوي اليوم، وأن تنوع التخصصات يعد أمراً مهماً وعاملا من عوامل جذب الطلبة للدراسة في أي مؤسسة تعليم عالٍ.

وقال: إن القناعة بنوعية التخصص وأهميته في الميدان التربوي، دفعت الكلية هذا العام لافتتاح مساقات تخصصية ضمن برنامج البكالوريوس، ما عزز من إقبال الطلبة عليها، كما أن هذه المساقات الجديدة لا تؤثر في برنامج البكالوريوس الأساسي الذي تُدرّسه الكلية، المعني بإعداد معلمين لتدريس العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية للحلقة الأولى، وإنما تمثل المساقات التخصصية إضافة حقيقية لهذا المعلم ولجودة أدائه مستقبلاً.

وأضاف الدكتور بني ياس: إن المساقات التخصصية تشجع على الالتحاق بالكلية، وتعطي المعلم الخريج فرصة لامتلاك مهارات متنوعة تساعده على التعامل الناجح مع البيئة الصفية رغم الفروق الفردية واحتياجات الطلبة المختلفة، كذلك تفتح للطالب الباب لمواصلة الدراسات العليا في هذا التخصص، وتقديم خبرات جديدة للميدان.

وأوضح أنه تم طرح 6 مساقات على مستوى البكالوريوس، تشمل: تعليم الطفولة المبكرة، والاحتياجات الخاصة، والتربية الرياضية والصحية، والإرشاد التربوي، والموسيقى والفنون، وتقنيات التعليم.

وقال: تلك التخصصات يحتاجها الميدان التربوي اليوم في ظل التوسع والتطوير المستمرين، مشيراً إلى أنه سيكون للطالب حق اختيار أي مساق منها لدراسته في السنة الرابعة والنهائية من البكالوريوس بواقع 15 ساعة معتمدة.

وأضاف: إن برنامج البكالوريوس يُعدُّ معلمين لتدريس الحلقة الأولى ورياض الأطفال، أما برامج الدبلوم العالي في التربية والماجستير المتوقع بدء الدراسة فيها أكتوبر المقبل، فستساعد على إعداد معلمين متخصصين لتدريس المراحل العليا من إعدادية وثانوية، وستشمل برامج الماجستير تخصصات العلوم والرياضيات والعلوم الاجتماعية واللغات والقيادة التربوية وتقنيات التعليم والاحتياجات الخاصة والطفولة المبكرة، حيث سيدرس الطالب الماجستير بمعدل سنتين؛ الأولى تركز على مبادئ التربية، والثانية على المواد التخصصية.

Email