يظن البعض أن دخول سلك التعليم، يقيد مهارات المرء ويحرمه من شغف الحصول على فرص مستقبلية أفضل، ولكن إنصاف العبدالله تثبت حقيقة تجافي هذا الاعتقاد عبر تجربتها التي تدور حول انتقالها من سلك التعليم الذي قضت فيه نحو 18 عاماً إلى فنانة "حروفية"، ومن معلمة رسم إلى سيدة أعمال حرة، فرشقت الألوان بريشتها الصغيرة على خمسين لوحة فنية متباينة الحجم، وأخرجت لوحات قوامها الفن الحروفي.. تمتزج فيها الألوان بأبجديات اللغة العربية. كان التفاؤل دوماً هو مصدر إلهامها، وتجلى ذلك في ازدواجيتها للفن والتجارة معاً، فامتد نشاطها التجاري إلى مختلف مراكز التسوق وفتحت بهذه الروح التجارية الفنية محلات الأزياء، إلى جانب تجارب أخرى في سوق المال والأعمال بعضها قاسية تعلمت منها معنى التحدي والإصرار، وأخرى كانت تمضي بها على قدم وساق تستفزها في نحو بذل المزيد.

هوية فنية

تعتبر انصاف العبدالله اللوحات الحروفية هاجسها الأكبر في هواية الرسم، وهي لا تجد لغيرها من الفنون نصيبا في أجندتها، وتعمدت خلال مسيرتها إضافة الألوان ومزجها بالحروف العربية كي تنفرد بهوية فنية خارجة عن إطار النمط التقليدي المتعارف عليه باستخدام اللون الأسود فقط، وتجد متعة تأسرها أثناء نقش الآيات القرآنية وكتابة الرقية الشرعية على اللوحات، بيد أنها تقف ساعات طويلة واقفة على رجليها دون كلل، وقد تنهض من النوم حيناً وتجاري إلهامها وتصيغه على لوحة الرسم حتى تتأكد من اكتمال معظم ملامح الصورة التي راودتها في نومها.

ويدفع بها جنون الفن وذروته في بعض الأحيان إلى حد الرسم بيديها الاثنتين، وهي كثيرة التأثر بالفن الايراني والباكستاني، وكثيراً ما أغرتها الكتب الخاصة برسم الحروف وكتابة الخط المستوردة من دول الخارج، ولعل هذه العدوى الفنية انتقلت بشكل لا إرادي إلى أبنائها الذين ساروا على الدرب نفسه ولكنهم عجزوا عن اتقان لغة الخط التي تتحدث بها والدتهم، وهو عالم مختلف في رأيها لا يستطيع العيش فيه إلا متذوق الفن.

ريشة وإلهام

لم يبق المنزل في منأى عن ريشة الفنانة انصاف العبدالله وإلهامها، فقد غلبت النزعة الفنية على المكان، وطالت الذائقة الفنية أثاث المنزل والديكور وجميع ما يحتويه البيت من الداخل والخارج. وأمام جميع هذه المعطيات، يجزم من تطأ قدمه المنزل فوراً بأن المالك هو فنان من نوع آخر، خاصة وأن لوحاتها تحتل جدران المنزل من جميع الجهات، تزخرفها آيات الذكر الحكيم، وكذلك مفاجأة أخرى تضعها بين يدي الزائرين، بنشر العولمة في جميع أرجاء المنزل، وعلى سبيل المثال تجد نفسك جالساً على أريكة فرنسية، وأرضية تتوثبها سجادة فارسية، وطاولات خشبية مختلفة من دول مختلفة.

عن الأمنيات التي ترغب في تحقيقها، أبرزها إقامة معرض غير ربحي خاص بلوحاتها، وأن يحظى بموقع استراتيجي يتيح للجمهور النظر إلى خطوات الرسم كاملة، وعرض ما ترويه تفاصيل الصورة من إيحاءات، مبدية إعجابها بالفن التجريدي الذي يعتمد على أشكال مجردة تبتعد عن الصورة الحقيقية في الواقع، والتي تثير جدالاً مع النفس والخيال في رحلة البحث عن المغزى، والرسالة التي أراد الفنان توصيلها إلى الجمهور عبر لوحة وألوان.

فرص ذهبية

ولقد حظت المرأة الإماراتية بفرص ذهبية في اعتقادها في مختلف المجالات، وسوق المال والأعمال يثبت يوماً بعد يوم حجم استثمار المرأة لهذه الفرص التي منحتها إياها الدولة والقيادة، ومن جهتها استثمرت اهتمام الدولة بالمرأة وحققت أرباحاً في سوق الأعمال. أما عن تقييمها للفنون بكافة أنواعها في الإمارات عموماً وفي دبي على وجه الخصوص، ترى أنه لا مجال لمقارنة مستوى دبي في الساحة الفنية، إذ شهدت دبي حراكاً غير مسبوق في الفن أسوة بالجوانب الاقتصادية والصناعية الأخرى.

 

نماذج إماراتية

 

أفرزت ساحة فنون الخط العربي الكثير من النماذج الإماراتية في رأي الفنانة "الحروفية" انصاف العبدالله، وتمتعت أعمال ولوحات هذه المواهب بجودة عالية، ومن هؤلاء الذين أثاروا إعجابها، الفنان خالد الجلاف الذي كانت بصمته واضحة على خارطة الفن الإماراتي، والذي احتفت بأعماله المعارض المقامة داخل الدولة وامتدادها في الخارج. وتعرج في حديثها إلى فنانة أخرى تعتبرها من الأنامل الإماراتية المبدعة في مجال الفن، وهي الخطاطة فاطمة البقالي عاشقة الخطوط العربية القديمة، والتي ترجمت أعمالها الفنية مدى ارتباطها بهذا الفن، وأمثلة أخرى كثيرة أثارت إعجاب العبدالله في مجال الفن احتضنتها الدولة ووفرت لها بيئة فن مناسبة من خلال المعارض التي احتوت أعمالهم بلا تردد.