أكد تقرير المعرفة العربي 2010/2011، والذي تصدره مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم سنوياً، بالشراكة الاستراتيجية مع المكتب العربي للأمم المتحدة، أن التغيير المطلوب في العالم العربي يستهدف تحقيق عملية تعبئة اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية شاملة، لبناء مشروع النهضة العربية الذي يتم به ومن خلاله إعداد النشء العربي لمجتمع المعرفة، ويحقق الانفتاح على العالم، خدمة للتنمية الإنسانية المستدامة، ولعزة ورفاه الإنسان العربي. وأكد التقرير أن 35٪ من الشباب العربي لا يحصلون على فرصة الالتحاق بالتعليم الثانوي.
جاء ذلك ضمن فعاليات إعلان تفاصيل ومناقشة تقرير المعرفة العربي 2010/2011 الذي يحمل عنوان «إعداد الأجيال القادمة لمجتمع المعرفة»، وذلك استكمالاً لمسيرة المؤسسة في دعم الجهود العربية والعالمية في بناء مجتمع واقتصاد المعرفة كمدخل أساسي للإصلاح والتنمية العربية.
وقال عادل الشارد نائب الرئيس والعضو المنتدب لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها في المنتدى الذي تم تنظيمه أمس في فندق الريتز كارلتون، المركز المالي العالمي، ويختتم أعماله اليوم، إنه لا توجد حلول سحرية أو وصفات جاهزة لنقل المجتمع العربي إلى عالم المعرفة في السبيل لتحقيق المشروع النهضوي العربي، محذراً الدول العربية، فإما أن تصنع المعجزات بأيديها، وتبدع الحلول بنفسها، وإلا فالمنطقة على موعد مع عشرات الملايين من الشبان المحبَطين والغاضبين.
موضحاً أن التحديات لا تزال قائمة، بل هي أكبر وأخطر وأكثر تعقيداً، خصوصاً بين فئات الشباب العربي، حيث تؤكد إحصاءات التقرير الذي بين أيديكم أن الأمية تنتشر بين الشباب العرب بنسبة 30%، كما أن 35% منهم يعجز عن الحصول على فرصة للالتحاق بالتعليم الثانوي، والمؤسف حقاً أنه في بعض الدول العربية لا تتجاوز معدلات الالتحاق بالتعليم الابتدائي نسبة 3% فقط، وهذا قد يُفسر نسبة البطالة العالية بين الشباب العرب، والتي تتجاوز 50%، ومن المُحزن حقاً، أن جميع النسب المذكورة هنا تتضاعف عند الإناث.
5 ملايين موقع
وقال إن المحتوى العربي الإلكتروني وهو أحد أهم المؤشرات المعرفية - شديد التواضع ويقدر عدد المواقع المكتوبة باللغة العربية على شبكة الإنترنت بـ 5 ملايين موقع فقط، وهو عدد ضئيل إذا ما قورن بعدد المواقع الإلكترونية في فرنسا وحدها، والبالغة 6 أضعاف المواقع الإلكترونية العربية. كما تأتي قيمة المنطقة العربية ككل في دليل اقتصاد المعرفة أقلَّ من 6 مناطق جغرافية من أصل 8 مناطق جغرافية عالمية، ولا تزيد المنطقة العربية إلا عن منطقتين فقط، هما أفريقيا وجنوب آسيا.
وأشار إلى أنه إذا استمرت اتجاهات النمو الحالية فسوف تضم البلدان العربية نحو 385 مليون نسمة بحلول عام 2015م، وسيفرض ذلك ضغوطاً شديدةً على الموارد. ويتمثل التحدي الأكبر في الصورة الديموغرافية للمنطقة العربية في ارتفاع نسبة فئة الشباب، إذ إن نحو 60% من السُّكان لا يتعدون الخامسة والعشرين من العُمر، ما يجعل المنطقة إحدى أكثر بقاع الأرض شباباً، لكنها لا قدّر الله قد تكون أكثر بقاع الأرضِ اضطراباً.
وأشار إلى أن تقرير المعرفة العربي الأول لعام 2009م يُعَبِّر عن العلاقة العضوية بين ثلاثيّة المُجتمع والمعرفةِ والتنمية، لإقامة وتدعيم أسس مجتمع واقتصاد المعرفة، من أجل رفاه المواطن العربي وعزّته، سارداً تشخيصاً وتفصيلاً للمشهد المعرفي في العالم العربي، ومستنتجاً خريطة طريق لنهضة المعرفة وأولويات تحقيق ذلك. ولعلَّ واحداً من أهم ما توصّل إليه تقرير العام الماضي تمثّل في التعرُّف إلى النقص في توافُر الكُتلة الحرجة المطلوبة من المُؤهَّلين والقادرين على بناء مجتمع المعرفة في المنطقة العربية، مع الإشارة إلى أن فرص بناء هذه الكُتلة الحرجة المطلوبة هي الأعلى لدى الأطفال والناشئة.
الأجيال الناشئة والمعرفة
وجاء تقرير المعرفة العربي الثاني، ليلقي الضوء على إحدى أهمِّ توصيات التقرير السابق، والمتعلقة بكيفية إعداد الأجيال الناشئة لمجتمع المعرفة، والتي تُعتبر حجَر الأساس لبناء نهضة معرفية وإنسانية مستدامة، من واقع المُسوحات الميدانية الحديثة لدول مختلفة في عالمنا العربي، مقدماً لذلك حلولاً عملية يمكن الاسترشاد بها، لجَسر الفجوة المعرفية في الدول العربية.
ويستعرض التقرير بمنهجية مفصلة الكثير من المقاربات التربوية والتعليمية المتعلقة بإعداد الأجيال الناشئة لمجتمع المعرفة، وإشكاليات ذلك من زوايا عدة، مثل الأوضاع السياسية والاقتصادية والمجتمعية وانعكاسات هذه التحديات على بناء مجتمع المعرفة المأمول. بيد أن هذا التقرير لم يكتفِ بتلك، بل تعداها إلى استقصاء البيانات والمعلومات من مصادرها الطبيعية، بالنزول إلى الشارع العربي لتقصي الحقائق وإجراء المُسوحات الميدانية الشاملة لعينات معبِّرة من الناشئة العرب من شماله وجنوبه وشرقه وغربه، ليقدم التقرير المتفائل بطبعه حلولاً عملية مستنبطة من الواقع العربي، ومستندة إلى نظريات ومنهجيات التنمية الإنسانية المستدامة، مقدماً بذلك لمُتّخذ القرار العربي مرجعية يمكن الاستعانة بها لبناء مجتمع المعرفة.
وتحدَّث الدكتور غيث فريز مدير تقرير المعرفة العربي عن أسس إعداد التقرير والتي شملت دراسة الارتباط العضوي بين المعرفة والتنمية الإنسانية، مفهوم أوسع للمعرفة يشمل العلوم الإنسانية والفنون والآداب إضافة الى العلوم التطبيقية والوضعية، التعامل مع المعرفة كحق إنساني، ارتباط الوضع المعرفي بالبيئات التمكينية (البيئات السياسية، البيئات الاقتصادية ، البيئات الاجتماعية)، التواصل الإيجابي والمنتج (مع الخارج والداخل) وتناول الدكتور فريز شرح مراحل إعداد التقرير وفريق العمل الذي شارك فيه.
قياس المهارات والقيم
وتعرضت المنهجية والأدوات المعتمدة في إعداد هذا التقرير، ولأول مرة في المنطقة العربية، لقياس المهارات والقيم والبيئات التمكينية للناشئة في آن واحد. كما عقدت ورش للعمل في كل من دول الحالة، وشارك فيها نخبة من المختصين وذوي العلاقة. والمؤمل أن يتيح ذلك مستقبلًا إمكانية تطوير أدوات مقننة ومنهجيات معتمدة لقياس جاهزية النشء للولوج إلى مجتمع المعرفة، يمكن التوسع في استعمالها في الدراسات المستقبلية سواء في المنطقة العربية أو في دول أخرى في العالم.
ويحوي تقرير المعرفة العربي لعام 2010/2011، والذي شارك في إعداده عدد كبير من الخبراء من مختلف الدول العربية إلى جانب فريق عمل التقرير في دبي، الكثير من الأدوات المبتكرة والنتائج المهمة التي نقدمها للمجتمع العربي بل وللعالم أجمع.
وأكد مدير تقرير المعرفة العربي ان العالم العربي أمام تحدٍ كبير ولكنه قابل للتطويع إن توفرت الإرادة السياسية أولًا وحُشدت الطاقات ورُصدت الموارد المطلوبة. ونحن لا نبدأ من الصفر، حيث إن هنالك العديد من الجهود في هذا المجال التي راكمت كماً من التجارب المهمة التي يمكن البناء عليها.
الإنسان العربي
قال غيث فريز ان التقرير يتطرق لأحد أهم عناصر مجتمع المعرفة والمتمثل في «الإنسان العربي» وسبل تأهيله وإعداده للمساهمة في بناء مجتمع المعرفة أولًا والانتفاع من نواتجه ثانياً بما يخدم التنمية المستدامة ويؤمن العزة والكرامة للمواطن العربي. وكما أكدنا في التقرير، فإن عملية إعداد النشء العربي هي مسؤولية مجتمعية عامة، ذلك أننا أمام عملية ممتدة لا تنحصر المسؤولية فيها بالنظم المدرسية أو بالمؤسسات الحكومية، بل تمتد لتشمل مجمل النشاطات المجتمعية، بما فيها المؤسسات الدينية ومؤسسات المجتمع المدني، لتتضافر الجهود في تزويد النشء العربي بما يستحقه من تأهيل وتدريب وإعداد يتناسب مع متطلبات العصر الحديث وتحدياته.
وأضاف ان تقرير المعرفة العربي لعام 2010/2011 يتميز ببحوثه الميدانية الريادية التي أجريت ربما لأول مرة في المنطقة العربية بهذا التوسع والشمولية. فبهدف الاقتراب الأكثر من الواقع، أجريت «دراسات حالة» في عدد من الدول العربية (الأردن، الإمارات، المغرب، اليمن)، والتي تم اختيارها في هذه الدراسة الريادية لتعبِّر، إلى حد ما، عن الأقاليم المختلفة في المنطقة العربية. إنجازات مهمة
ساهمت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، منذ إطلاقها في سنة 2007، في مواجهة الكثير من تحديات المعرفة والتنمية في المنطقة العربية وخصوصاً في قطاعات تنمية رأس المال البشري، وريادة الأعمال وإنتاج المعرفة، وحققت الكثير من الإنجازات ومنها:
تدريب أكثر من 175 ألف من المدرسين العرب في 9 دولٍ عربية.
طباعة ما يربو على مليون كتاب في قطاعات شتى.
توفير أكثر من 250 منحة دراسية لطلاب من عدَّة دول عربية.
إطلاق 8 حاضنات أعمال في مختلف أنحاء الوطن العربي.
ترجمة ونشر 720 كتاباً إلى اللغة العربية.
أحمد بن محمد: الواقع العربي لا يخلو من الأشواك والمطبات
أكد سمو الشـيــخ أحمـد بـن محـمد بن راشـد آل مكتوم رئيس مجلس إدارة مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم أن الواقع العربي لا يخلو من الأشواك والمطبات، ولا شك في ذلك، وأوضح أن هذا هو واقعنا، نعرفه ونعرف تفاصيله وخباياه، وليس لنا إلا أن نعمل من خلاله، مصممين على تجاوز العقبات، منتبهين للمطبات.
جاء ذلك في كلمة التقديم لتقرير المعرفة العربي 2012، وقال سموه: «ونحن مدركون أن جدارة الإنسان لا تقاس بنجاحه في التكيف مع الواقع كيفما كان، ولا بمهاراته في إدارة الأمر الواقع، إنما في قدرته على تطوير الواقع وتغييره إلى الأحسن، بالعمل الجاد والمثابر والمدروس والمعجبون بروح التفاؤل والإيثار والإخلاص، يحدث التغيير ويتحقق التطور».
وأشار في الكلمة الى أن هذه هي إحدى الركائز الأساسية في رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، نحو تنمية عربية مستدامة ومثمرة، وذلك من خلال تشخيص حالة المعرفة في العالم العربي، وتطوير بناها التحتية، وتحسين جودتها، لتطرح مخرجات معرفية ذات جودة عالية، يُعتمد عليها وتتناسب مع متطلبات سوق العمل. وقال إن مشروع تقرير المعرفة العربي، الذي تصدره مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم سنوياً بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يوفر مؤشراً عربياً لقياس حالة المعرفة في الدول العربية.
كما يُعد تشخيصاً ووصفاً نوعياً ودقيقاً، ومن زوايا عدة، لمساعدة المسؤولين على تقييم الأداء وتطوير الخطط التنموية لبناء مجتمعات معرفية قادرة على مواجهة التحديات، وذلك للمساهمة في تنمية شاملة ومستدامة. واشار الى ان تقرير المعرفة العربي الأول للعام 2009، جاء ليعبر عن العلاقة العضوية بين ثلاثية المجتمع والمعرفة والتنمية، لإقامة وتدعيم أسس اقتصاد المعرفة، من أجل رفاه المواطن العربي وعزته، سارداً تشخيصاً وتفصيلاً للمشهد المعرفي في العالم العربي، ومستنتجاً خارطة طريق النهضة المعرفية وأولويات ذلك.
أما الآن، يأتي تقرير المعرفة العربي الثاني ليلقي الضوء على إحدى أهم توصيات تقرير المعرفة العربي السابق، والمتعلقة بكيفية إعداد الأجيال الناشئة لمجتمع المعرفة، والتي تعتبر حجر الأساس لبناء نهضة إنسانية مستدامة، من واقع المسوحات الميدانية لدول مختلفة في عالمنا العربي، مقدماً لذلك حلولاً عملية يمكن الاسترشاد بها في الدول العربية، لجسر الفجوة المعرفية التي كان قد أشار إليها التقرير الأول.
كما يستعرض هذا التقرير المنهجية، التي تفصل الكثير من النظريات التربوية والتعليمية المتعلقة بإعداد الأجيال الناشئة لمجتمع المعرفة، وإشكاليات ذلك من زوايا عدة، مثل الأوضاع السياسية والاقتصادية والمجتمعية وانعكاسات هذه التحديات على بناء مجتمع المعرفة المأمول، بيد أن هذا التقرير لم يكتف بتلك النظريات والدراسات التي تعنى ببناء مجتمعات المعرفة فقط، بل تعدى ذلك إلى استقصاء البيانات والمعلومات من مصادرها الطبيعية، بالنزول إلى الشارع العربي لتقصي الحقائق وإجراء مسوحات ميدانية شاملة لعينات حقيقية معبرة من الناشئة العرب، من شماله وجنوبه وشرقه وغربه، ليقدم التقرير ــ المتفائل بطبعه ــ حلولاً عملية مستنبطة من الواقع العربي، ولكنها مستندة إلى نظريات ومنهجيات التنمية الإنسانية المستدامة، مقدماً بذلك لمتخذ القرار العربي مرجعية يمكن الاستعانة بها لبناء مجتمع المعرفة.
وتوجه سموه بالشكر والتقدير إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ــ المكتب الإقليمي للدول العربية، وبخاصة فريق التقرير في دبي، وإلى كل من أسهم في إنجاز هذا التقرير، من مفكرين، ومؤلفين، ومحررين، وفنيين، وأتطلع إلى مزيد من التعاون المثمر في ما بيننا لتعزيز أركان الصرح المعرفي الفكري في هذه المنطقة، وترسيخ مرتكزات التنمية الإنسانية المنشودة في العالم العربي.


