لاتزال مشكلة «النسوار» حاضرة بين طلبة المدارس، متحدية بذلك الجهود التي تبذلها الأطراف المعنية بالقضاء على هذه الآفة، حيث ما زالت تجد طريقها إلى أفواه الطلبة لتتحول من تجربة إلى عادة تقودهم إلى عواقب صحية واجتماعية وخيمة.
وأكدت جهات معنية في الدولة ممثلة في الأمانة العامة للبلديات وبلدية أبوظبي، أن هناك حظراً على تداول مادتي «البان الأحمر» و«النسوار» استناداً لقرارات عدة صادرة في هذا الشأن، لما لها من أضرار ومخاطر ومضار صحية وبيئية على الفرد والمجتمع على حد سواء، بينما أكدت مدارس أنها تبذل جهوداً كبيراً للتوعية مخاطر هذه المادة. إلا أن هذه الجهود تواجه في كثير من الأحيان باستهانة أولياء أمور ورفض طلبة للتدخل في أشياء يعتبرونها بعيدة عن التعليم وتمس حياتهم الشخصية.
فيما طالب أولياء أمور بالقضاء على الظاهرة من منبعها أو مصدرها والضرب بيد من حديد على أي شخص أو منفذ بيع يقوم بالمتاجرة في هذه المادة، لما لها من أضرار صحية جسيمة على الطلبة.
«البيان» التقت مختلف الأطراف المعنية بهذا الموضوع بدءاً من الطلبة الذين بدوا متحفظين في الحديث حول هذا الأمر، وصولاً للرأي الطبي الذي يقود إلى مخاطر صحية جمة في انتظار أبنائنا من جراء تعاطيهم هذه المادة، واتفقوا على ضرورة أن تشدد الجهات المعنية بالدولة إجراءاتها العقابية على المتاجرين بهذه المواد، فيما يجب على المدارس أن تقوم بدور توعوي أكبر في التصدي لهذه الآفة مع ممارسة حقها في ردع الطلبة المتعاطين لهذه المواد، بينما يجب على أولياء الأمور أن يضطلعوا بدور اكبر في توعية أبنائهم بأضرار التدخين بشكل عام.
مبررات عدة ساقها عدد من الطلبة حول أسباب لجوئهم إلى هذه الآفة، فالبعض اعتبر أنها تجربة تحولت إلى عادة، والبعض الآخر أكد عدم انتشارها بشكل كثيف بين طلبة المدارس، فيما اعتبرها آخرون أنها بديل زهيد يعوضهم عن ارتفاع أسعار منتجات التبغ الأخرى، بينما طالب أولياء أمور بتشديد الرقابة بشكل أكبر على هذه الآفة والضرب بيد من حديد على من يتاجر فيها، خاصة وأنها لا تقل خطورة على السجائر، ولانخفاض أسعارها تجد طريقها بسهولة إلى الأبناء.
أصدقاء السوء
ووسط خوف ورهبة من بطش أولياء الأمور والمدارس على حد سواء تحدث لـ«البيان» عدد من الطلبة عن أسباب لجوئهم إلى هذه الآفة، حيث يقول محمد كامل، طالب في الصف الثاني عشر، إن قصته مع «النسوار» بدأت بتجربة ثم تحولت لعادة يسعى إلى التخلص منها بشتى الطرق، فالتجربة بدأت حين عرض عليه أحد أصدقائه استخدام مادة النسوار مستعرضاً مدى الشعور الذي ستجلبه له والسعادة التي ستسببها، وبالفعل انجرف إلى هذه التجربة وأخذت تستهويه إلى أن أصبح لا يستطيع الاستغناء عنها.
ويشير إلى أن والديه اكتشفا تعاطيه لهذه المادة، حيث لاحظا تغيراً طرأ في لون أسنانه، وعددا له مخاطر استخدام هذه المادة، وأعطياه وصفاً دقيقاً لما تتكون منه هذه المادة، فكان قراره هو التخلي عن هذه الآفة وعدم استخدامها مطلقاً مرة أخرى.
أما زميله في الصف العاشر إسلام عادل، فيقول إن «النسوار» يغلب استخدامه على طلبة المرحلة الثانوية، فلديه العديد من الأصدقاء الذين يحرصون على استخدام هذه المادة عوضاً عن لجوئهم للتبغ لأسباب عدة منها انخفاض سعرها، وإمكانية استخدامها دون أن يكتشف أحد الأمر. ويشير إلى أنه على الرغم من تشجيع عدد من أصدقائه على استخدامها إلا أنه رفض الأمر، حيث إنه من خلال «الانترنت» تعرف عن قرب إلى المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها متعاطو هذه المادة والأضرار الصحية الجسمية التي تنتظرهم.
أما أولياء الأمور فكان لهم رأي آخر، حيث دعوا كافة الجهات المعنية في الدولة إلى التعاون في ما بينها من أجل التصدي لهذا الأمر قبل أن يتحول إلى ظاهرة، خاصة أنه يستهدف شباباً في مقتبل العمر ويؤثر في حياتهم العلمية والعملية على حد سواء.
وأشاروا إلى أن العقوبات لا تكفي بل يجب أن يمتد الأمر ليشمل حرمان منفذ البيع الذي يثبت ترويجه لهذه المادة التي يحظر تداولها بحكم القانون، من ممارسة أي نشاط تجاري في الدولة، ما من شأنه أن يحول دون لجوئهم إلى هذا الأمر الذي من شأنه أن يحرمهم من وسيلة حصولهم على مصدر للعيش والدخل.
محظور قانوناً
وذكر سلطان الحوسني، أخصائي اجتماعي، أن تعاطي هذه المواد محظور قانونياً، وهي من المواد المخدرة التي يجب الإبلاغ عن الجهات التي تبيعها، معتبراً أنها منتشرة بين الطلبة عامة، والمدارس تبذل جهوداً كبيرة للتوعية بمخاطرها والحد منها، ولكن المشكلة التي يواجهها الحوسني، كما يذكر، تكمن في عدم استيعاب ولي الأمر لخطورة المشكلة وتعامله معها على أنها مجرد سلوك خاطئ من ابنه ولا يجب أن تحمله المدرسة أكثر من اللازم، حتى عند فصل الطالب المتعاطي لها كأقصى عقوبة مسموح بها بالمدارس، تجد ولي الأمر يستاء لأنه يرى في ذلك فسحة ومساحة لابنه لمزيد من اللهو وإضاعة الوقت، وولي الأمر تتصل به لتبلغه بأن ابنه يدخن أو «ينسور» فتجده لا يكترث متعللاً بانشغاله بالعمل، وكثير من أولياء الأمور يعتبر أن المدرسة مسؤولة عن تربية الطالب إلى جانب تعليمه.
خطب الجمعة
وذكر الحوسني أن أكثر الطلبة المتعاطين من صفوف العاشر القادمين من الحلقة الثانية، وهناك علامات تبدو على الطالب المتعاطي بالإضافة إلى تأثيرها فيه خلال الحصة، فهو يجلس بعينين مفتوحتين على المعلم ولكن عقله مغيب ومشتت الذهن، وأشار الحوسني إلى أنهم يقومون بالتوعية بعدة طرق من خلال المحاضرات والطابور الصباحي وإرسال الرسائل لولي الأمر لتوعيته بهذه المواد وأضرارها، معتبراً أن من الضروري توسيع نطاق التوعية بحيث يصل لولي الأمر بشكل يؤكد له خطورة هذه المواد، وذلك من خلال استغلال خطب الجمعة، وتفعيل دور الشرطة المجتمعية بحيث يكون لهم تدخل في التوعية بهذه المشكلات، لأن ولي الأمر إذا وجد التوعية موجهة له من قبل جهة شرطية تتحدث له عن الأضرار والعقوبات القانونية بالتأكيد سينظر للموضوع بجدية اكبر، بالإضافة لأهمية توسيع حملات الضبط لمحال بيع هذه السموم والتعرف إليها من خلال الطلبة.
غياب الحوار الأسري
واعتبر سلطان الحوسني أن إقبال الطلبة على تعاطي هذه المواد يعود لطبيعة الأسرة ووجود مشكلات أسرية تنعكس على الأبناء، كذلك والأهم هو علاقة ولي الأمر بابنه في هذه المرحلة العمرية، لأن انشغال ولي الأمر وعدم وجود حوار بينه وبين ابنه يخلق هذه المشكلات في ظل وجود وقت الفراغ، مدللاً بحالة أحد طلابه الذي كان سيئ السلوك ولا يكترث بأي لائحة أو عقوبة، وعند متابعة حالته وجد أن والده كبير في السن ومتقاعد ولا توجد علاقة فاعلة بينه وابنه، لهذا عمل على إتاحة المجال للتقارب والحوار بين الطالب وأبيه وتوضيح أهمية وجود هذا الأب في حياة ابنه، وما كان لذلك من تأثير كبير في الطالب الذي تغير لدرجة كبيرة واليوم هو من أكثر الطلبة التزاماً، لذا على الأسرة احتضان أبنائها والتحاور معهم.
تقليص الظاهرة
عبد الباسط صلاح الدين، الأخصائي الاجتماعي بمدرسة ثانوية، أوضح أنهم عانوا كثيراً في السابق من مشكلة تعاطي «النسوار» بين الطلبة، ولكنهم تمكنوا من تقليص هذه الظاهرة، في ظل الجهود الكبيرة التي بذلت من المدرسة بالتعاون مع بعض أولياء الأمور والشرطة المجتمعية، حيث تمكنوا من خلال بعض الطلبة من كشف أماكن البيع والاستدلال على الموردين الذين كان أحدهم في بني ياس والآخر داخل أبوظبي، واتخذت معهما الجهات المعنية الإجراءات اللازمة من إغلاق محال وغيرها، مشيراً إلى أنه ليس من الضروري ضبط الطالب وهو يتعاطى النسوار، بل إن علامات تعاطيه لهذه المادة الضارة تكون بادية عليه من خلال رؤية السواد تحت العينين ولون الأسنان ورائحة الطالب، بالإضافة إلى أنه في لحظة التعاطي يظهر انتفاخ في جانب الفم نتيجة قطعة النسوار التي يضعها الطالب في فمه.
جنسيات وأماكن
وأضاف عبد الباسط أن كثيراً من الطلبة يتعاطون النسوار ولا يعرفون مكوناته، بل يقول إن زميلاً له أخبره عنه وبدأ يتعاطاه، موضحاً أن هناك جنسيات محددة بين الطلبة تشتهر بتعاطي هذه المادة أكثر من غيرها، كما أن تعاطي النسوار منتشر بشكل كبير في المدارس خارج ابوظبي كما في بني ياس والمصفح، وذلك من خلال الحالات الطلابية التي يعرفونها، منوهاً إلى نقطة مهمة وهي أن النسوار رغم انتشاره إلا أن مشكلة التدخين تبقى الرقم واحد بين المواد التي يتعاطاها الطلبة وتنتشر حتى بين الطلبة صغار السن في مراحل ابتدائية وإعدادية.
وأكد ضرورة وجود التواصل بين المدرسة والشرطة المجتمعية بشكل أكثر فاعلية في المواضيع المتعلقة بالمواد التي يتعاطاها الطلبة، لأن المدرسة لديها لوائح محددة في التعامل مع هذه الحالات وهي ليست لوائح رادعة بالشكل الكافي، ولذا فإن تعاون الجهات المعنية مطلوب لمواجهة هذه المشكلات، لأن الهدف ليس فقط ضبط طلبة ومعاقبتهم، بل توعيتهم وحمايتهم من انتشار هذه المواد بينهم وهو ما يسعون إليه، لذا فإن دور الأسرة مطلوب وأساسي لدعم جهود المدرسة.
عقوبات غير رادعة
أما الأخصائي الاجتماعي بإحدى المدارس خارج أبوظبي، جاسم الحوسني، فأوضح أن تعاطي النسوار منتشر بشكل فظيع بين الطلبة وخاصة المرحلة الإعدادية والثانوية، لأنها رخيصة الثمن، حيث تباع القطعة بدرهمين وثلاثة، بالإضافة لسهولة الحصول عليها، مشيراً إلى مشكلة أن اللوائح التي تتعامل بها المدارس مع الطالب في حال تعاطيه لمثل هذه المواد غير صارمة ولا رادعة، فالطالب في هذه الحالة يفصل ثلاثة أيام عن المدرسة، وفي ظل أن كثيراً من الطلبة المتعاطين لهذه المواد من الطلبة متدني المستوى، فهم يرون في هذه العقوبة إجازة لهم، وهم غير متضررين منها، بل ربما يأتيك ولي الأمر مستاءً لوجود ابنه في المنزل، وليس من دافع الحرص لدى بعضهم بقدر أنهم يريدون الخلاص من مشاكل أبنائهم ولا يريدون لهم الجلوس في المنزل.
فصل نهائي للمتعاطي
واعتبر أن هذه العقوبات بالفصل لعدة أيام أو نقل لمدرسة أخرى لا تحل المشكلة، بل لابد من لوائح سلوك حديثة تكون رادعة بشكل أكبر، وأن الطالب إذا استنفذت معه المدرسة كافة محاولات التوجيه والتقويم وأصر على التعاطي، يجب أن يفصل نهائياً من مدارس الدولة، لأنه يؤثر في زملاء آخرين، كما طالب بتفعيل دور الشرطة المجتمعية والبلدية لضبط هذه السموم والحد من انتشارها بين الطلبة.
النسوار لوالدي
واعتبر جاسم الحوسني، أن السبب الرئيسي وراء انتقال عدوى التعاطي بين الطلبة هم رفاق السوء، فكل زميل يعطي زميله ويؤثر فيه لدفعه لتجربة مادة ما، وكثير من الطلبة ينجرون وراء هذه الأشياء بسبب المشاكل الأسرية والتفكك الأسري، مشيراً إلى حالة طالب أمسك به وهو يتعاطى النسوار، فاستدعى أخاه الأكبر في المدرسة وأخبره بما وجد مع أخيه الأصغر منه، فكان رد الأخ الأكبر «هذا النسوار ليس لأخي بل لوالدي».
تطاول الطلبة
وأشار جاسم الحوسني إلى جانب آخر من المشكلة، يتعلق بردة فعل بعض الطلبة حيال العقوبات التي تتخذها معهم المدرسة أو استدعائها لأولياء أمورهم، فهناك طلبة يرفضون محاسبة المدرسة لهم ويعتبرون ذلك تدخلاً في حرياتهم الشخصية وتسلطاً من قبل الإدارة المدرسية، وعند معاقبتهم يقومون بإحداث ردات فعل عدائية أو انتقامية تتمثل في كتابة شتائم وكلمات نابية موجهة للأخصائي الاجتماعي الذي عاقبهم، وبعضهم يقوم بإتلاف سيارته مثلاً.
أضرار صحية خطيرة
قال الدكتور سعيد عبدالله، استشاري طب المجتمع، إن خطورة ما يطلق عليه «النسوار»، تكمن في أنه فضلاً على احتوائه على مواد التبغ التي تسبب العديد من الأمراض، فإنه يحتوي على مجموعة مختلفة من المواد الكيماوية والرماد، ولذلك قامت الدولة ودور الخليج بحظر استخدامه داخل المجتمع، مشيراً إلى أن من بين أخطر الأمراض التي يمكن أن يسببها النسوار سرطان اللثة، إضافة إلى القرحة المعدية وعدم الاتزان.
كما يؤدي تعاطي مادة النسوار إلى تغير في لون الأسنان والإصابة بقرحات في الفم، كما أنه يؤدي إلى إصابة متعاطيه بحالة من الاكتئاب والرغبة الشديدة في النوم والخمول والكسل وفقدان التركيز.
مكونات النسوار
يدخل في تصنيع مادة «النسوار» التي لا يتجاوز سعرها درهمين، مواد ضارة مثل التبغ وأوراق نبات التامول (أو التنبول) والصبغات والمواد الملونة والكيماوية والنكهات الضارة التي يتم إضافتها دون فحص متخصص، وبشكل مخالف للشروط الصحية ما يشكل خطراً على صحة الأفراد والصحة العامة، حيث تدل تقارير طبية موثوقة بأن المتعاطين لمادة البان هم أكثر عرضة لسرطان الفم والرئة، كما أن أسلوب إعدادها يتنافى مع شروط النظافة، فالأواني المستخدمة في إعدادها تعتبر بدائية ومعظمها صدئة وغير معقمة.

