شرطة دبي تسجل 86 حالة.. وتحرير «جناية» لأولياء الأمور حال تكرارها

الأطفال العالقون في المركبات والمنازل.. إهمال قاتل

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن سوء تقدير الآباء في بعض الممارسات التي تبدو «بسيطة» في نظرهم، قد تؤول إلى كارثة حقيقية، يدفع ثمنَها الأطفال «المحبوسون» في مركبات أو منازل ذويهم برسم الانتظار إلى أجل غير مسمى، مخلفاً وراءه عواقب قد تمتد إلى روح بريئة، ذنبها أنها كانت في «قائمة انتظار» طال انتظاره في المركبة أو البيت الخالي من أي شخص يقوم على رعايته وحمايته في ظل غياب  ولي الأمر الذي ذهب يتبضع أو يخلص معاملة أو يقابل صديقاً على عجل، لم يدرِ أن الموت يأتي على عجل، لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار، ما يخلِّفه هذا الانتظار المحفوف بالمخاطر من تداعيات تحصد حياته لما زرع ذووه من سوء تقدير، حيث سجلت شرطة دبي إنقاذ حياة 86 طفلاً علقوا في مركبات ذويهم منذ بداية العام الحالي، فيما أكدت في الوقت نفسه، أن الشرطة ستتخذ تدابيرها في حال تكرار هذا السلوك من أولياء الأمور، لتسجل الحالة جنائياً، أما في الشق الطبي، فإن هذا الإهمال وترك الأطفال محبوسي المركبة، يخلّف الكثير من المضاعفات السلبية، تعود بالسلب في سلوك الطفل من اكتئاب وفوبيا الوحدة، وغيرها من السلوكيات التي تؤثر فيه سلباً في مستقبله الاجتماعي والمهني.

وفي هذا الإطار أكد اللواء خليل إبراهيم المنصوري مساعد القائد العام لشرطة دبي لشؤون البحث الجنائي، أنه يتم تحرير بلاغ إهمال أو تعريض حياة الآخرين للخطر في حق أولياء الأمور، الذين يتركون أطفالهم في المركبات، والذي يعرض حياتهم للخطر، وأنه مع تسجيل عدد كبير من الحالات، تكمن المشكلة التي تحتاج إلى توعية وإجراءات رادعة. 

وقال اللواء المنصوري لـ «البيان»، إنه وفقاً للبلاغات التي سجلتها شرطة دبي، والتي تنذر بوجود مشكلة تحتاج إلى حلول لمنع وقوع مزيد من البلاغات، وذلك عبر التوعية وتشديد الإجراءات القانونية، خاصة أن الضحايا من الأطفال، وأن حالات الأطفال تكون بسبب إهمال أو قلة وعي وعدم تقدير لخطورة الموقف، وأنه وفقاً لحيثيات كل بلاغ يتم كتابة تعهد على أولياء الأمور بعدم تكرار الأمر، وأنه في حالة إثبات حالات إهمال أخرى لهم، يحرر بلاغ جنائي بتعريض حياة الآخرين للخطر.

مكان بديل

ودعا اللواء المنصوري، أولياء الأمور إلى مزيد من الوعي، والحرص على حياة أبنائهم، وعدم تركهم في السيارات بمفردهم، مهما كانت أعمارهم، خاصة في فصل الصيف، والذي شهد حالات عدة لإنهاك حراري للأطفال، جراء تركهم في السيارات، وأنه من الممكن أن يفقد الطفل وعيه وحياته في بعض الأحيان التي رصدتها شرطة دبي السنوات الماضية.

ونوه اللواء المنصوري بأنه من الأفضل لأولياء الأمور، ترك الأطفال في المنزل مع شخص بالغ أو في مكان آمن، بدلاً من تركهم في السيارات، لافتاً إلى أنه قد يعتقد البعض أن تشغيل مكيف السيارة يجعل الأطفال في أمان، إلا أن هذا الأمر يشكل خطراً في استنشاق غاز سام، كما أن احتمالية أن يغلق الطفل باب السيارة على نفسه من الداخل، ولولا تدخل الشرطة السريع قد يفقد الطفل حياته.

الحق في الأمان

ومن جانبها، قالت المحامية نادية عبد الرزاق، إن عقوبات أولياء الأمور في حال ترك أبنائهم بالمركبات، تضمنها القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 2016، بشأن حقوق الطفل حقوقاً أساسية للطفل، منها الحق في الحياة والأمان على نفسه، كما نصت المادة 13 من القانون، بأنه يحظر تعريض الطفل لأي تدخل تعسفي أو إجراء غير قانوني في حياته أو أسرته.

ولفتت إلى أنه يقع على عاتق والدي الطفل أو من في حكمهما أو القائم على رعاية الطفل، التزام بتوفير متطلبات الأمان الأسرى للطفل في كنف أسرة متماسكة ومتضامنة.

وحق الطفل في حماية نفسه مكفول، وفقاً للقوانين المعمول بها في الدولة، كما نص القانون في المادة (35) منه أنه يحظر على القائم على رعاية الطفل، تعريضه للإهمال أو تركه دون رقابة أو متابعة أو عدم القيام على شؤونه، كما يحظر تعريض الطفل للتعذيب أو الاعتداء على سلامته البدنية أو إتيان أي عمل ينطوي على القسوة، من شأنه التأثير في توازن الطفل العاطفي أو النفسى أو العقلي أو الأخلاقي.


ونص القانون أنه يجب على كل شخص إبلاغ اختصاصي حماية الطفل أو وحدات حماية الطفل، إذا كان هناك ما يهدد سلامته أو صحته البدنية أو النفسية والأخلاقية والعقلية. ويكون الإبلاغ وجوبياً على المربين والأطباء والاختصاصين الاجتماعيين، أو غيرهم ممن تعهد إليهم حماية الأطفال أو العناية بهم أو تعليمهم.


ونوهت عبد الرزاق بأنه يعد ضرراً بليغاً كل فعل أو امتناع عن فعل يهدد حياة الطفل أو سلامته أو صحته البدنية أو النفسية أو الأخلاقية أو العقلية، بشكل لا يمكن تلافيه بمرور الوقت. وتتراوح العقوبات في حال مخالفة أي من أحكام المواد المنصوص عليها في قانون حقوق الطفل، ما بين الحبس من شهر إلى سنة، أو السجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات، أو الغرامة التي تتراوح ما بين خمسة آلاف) إلى أربعمئة ألف درهم ، أو إحدى هاتين العقوبتين.

حالات إنقاذ

كشف المقدم خبير أحمد عتيق بورقيبة نائب مدير إدارة البحث والإنقاذ في شرطة دبي، عن تمكن الفرق من إنقاذ حياة 86 طفلاً علقوا في مركبات ذويهم خلال 9 أشهر الأولى من العام الجاري، فيما تم إنقاذ 90 طفلاً في الفترة نفسها من العام الماضي، مشيراً إلى أنه يتم تحويل أولياء الأمور إلى مركز الشرطة الذي تسجل فيه الواقعة لاتخاذ الإجراءات القانونية، لافتاً إلى أن المشكلة خطيرة، وتحتاج إجراءات رادعة وتوعية.

سرعة

وقال المقدم بورقيبة لـ «البيان»، إنه لم تسجل أي حالات وفاة، حيث إن الانتقال إلى تلك البلاغات يتسم بالسرعة الكبيرة، وتقدر درجتها بالخطيرة، نظراً لطبيعة الجو وسن الطفل وقدرته على التصرف، مبيناً أن الأمر يعتبر أكثر خطورة في حالة الأطفال دون الخامسة، والذين بلغ عددهم 82 طفلاً، وأربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين ستة و12 عاماً، منوهاً بأن الإهمال يتحمله أولياء الأمور.

توعية

وشدد المقدم بورقيبة على ضرورة وجود وعي لدى الآباء والأمهات، وعدم ترك مفاتيح الغرفة في الأقفال من الداخل، وأنه ينبغي وضع المفاتيح في مكان ما بعيداً عن متناول الأطفال، وإنما يفضل أن يكون هناك مفتاح احتياطي يمكن استخدامه في حالة الطوارئ، داعياً أولياء الأمور إلى ضبط النفس وعدم إثارة ذعر الأطفال في حالة تعرضهم لمثل هذه المواقف، والتي قد تفقد قدرة الطفل على التعامل مع الباب من الداخل، وتقديم المساعدة أو توجيهه بالابتعاد عن النوافذ والشرفات التي قد توجد في الغرفة، نظراً لوجوده بمفرده، والاتصال بالشرطة لتقديم المساعدة.

نصائح


أفاد المقدم خبير أحمد عتيق بورقيبة، بأنه يمكن لولي الأمر أو أحد الأشخاص التدخل السريع وإنقاذ الطفل، خاصة في حالة تعذر فتح السيارة في وضع عدم تشغيل، بالاستعانة بأي أداة مدببة وكسر الزجاج البعيد عن الطفل ومحاولة إخراجه، وكذلك التعامل مع الأمر بهدوء وبدون انزعاج وتوتر قد ينعكس على نفسية الطفل ويصيبه بالذعر، لافتاً إلى أن ترك الأطفال في السيارات بمفردهم أمر خطير، وأنه تسبب في بعض الحالات التي وقعت في إحدى الإمارات في وفاة طفلين تركهما والداهما في السيارة، وذهبا للتسوق، وعندما عادا بعد مرور ما يقرب من ساعتين وجداهما فارقا الحياة، مشدداً على عدم الاستهانة بالأمر واصطحاب الطفل وعدم تركه بمفرده.


تحذير: لا تتركوا أبناءكم تحت رحمة دقائق عفوية

حذر خليفة بن دراي المدير التنفيذي لمؤسسة دبي لخدمات الإسعاف، من ترك الأطفال داخل المركبات وحدهم، لافتاً إلى أن المؤسسة تعاملت مع حالات عدة على مدى السنوات الماضية، في حين مات الكثير من الأطفال داخل المركبات بسبب ترك أهلهم لهم داخل السيارة وشبابيكها مغلقة نتيجة الاختناق. وقال: إن كثيراً من الأهل يعتقدون أن ترك الطفل في المركبة لقضاء حاجة معينة، هو فقط لمجرد دقائق، ولكن أحياناً تمتد الفترة لساعات، بسبب انشغالهم، إما في التسوق أو تناول وجبة غذائية.

وأشار إلى أن المؤسسة تنظم سنوياً حملات للتوعية من ترك الأطفال داخل المركبة قبل بداية الفصل الذي يشهد تزايداً في تلك الحوادث، نتيجة ارتفاع درجة الحرارة داخل المركبات، وتفاعلها مع المكونات البلاستيكية لمقصورة السيارة، ما يؤدي إلى الاختناق والوفاة.
وأضاف: قد يتسبب حدوث عطل ميكانيكي فجأة في المركبة، ما يؤدي إلى احتراقها أو تسرب غازات سامة داخلها، وهو ما يزيد فرص اختناق الأطفال أيضاً.


وبين أن عدم تجدد الهواء داخل المركبة ونقص الأوكسجين وتبخر الغازات السامة من المقاعد والمحتويات الداخلية وزيادة ضغط الأوكسجين داخل المقصورة، مع عبث الطفل بمحرك السيارة أو المكيف، قد يؤدي أيضاً لنتائج سيّئة، محذراً أولياء الأمور من ترك الأطفال في المركبة وهي مغلقة النوافذ، ولو لدقائق، خاصة وهم نيام.

آثار نفسية

وقال الدكتور محمد حكيم سماحة اختصاصي الأمراض النفسية، إن الآثار السلبية في الطفل داخل المركبة تتوقف على الفئة العمرية، والنضج العقلي، فكلما كان الطفل واعياً، تكون قدرته على التذكر واسترجاع الأحداث التي مر بها أسرع من الطفل الصغير.

وأشار إلى أن ترك الأطفال بمفردهم في المركبات، يعرضهم لصدمة نفسية قد تتمثل في إيذاء أنفهم دون وعي أو الاختناق، فالبعض قد يعاني القلق والخوف لفترة قصيرة، وما يلبث أن تزول عنه تلك المخاوف، خاصة حينما تتوافر له الرعاية والحماية من قبل الوالدين، وفي المقابل، قد يعاني آخرون اضطرابات مزمنة، كالخوف، والاكتئاب، والقلق النفسي العام، وقلق الانفصال عن الوالدين، ونوبات الهلع، ونوبات العنف والغضب، وتجنب الأنشطة أو الأماكن المذكرة بالكارثة، إلى جانب محاولات لإيذاء النفس، أو الآخرين، إضافة لبعض السلوكيات العدوانية، مثل بالمجازفة أو التهور في القيام بأعمال تلحق به الأذى، ناهيك عما قد يحصل من  تدنٍ، إن لم يكن تدهوراً، في تحصيله العلمي في المدرسة، وعدم الرغبة في القيام بالواجبات المدرسية والأنشطة المعتادة أو ممارسة الهوايات.

إحصائية

انحباس 92 حالة في مصاعد أو غرف خلال 9 أشهر

لفت المقدم بورقيبة نائب مدير إدارة البحث والإنقاذ في شرطة دبي إلى تسجيل 92 حالة من الأطفال عالقين في المصاعد أو غرف في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، فيما سجلت الفترة نفسها من العام الماضي 97 طفلاً، تقل أعمارهم عن 16 عاماً، منهم من كان بمفرده، ومنهم من كان بصحبة ذويه أو أحد الأشخاص الغرباء في المصاعد أو غرف أو حمامات، منوهاً بالتعامل مع 225 حالة من البالغين الذين حوصروا في المصاعد أو في الغرف منذ بداية العام، وحتى نهاية شهر سبتمبر الماضي، مقابل 231 في الفترة نفسها من العام الماضي.


لافتا إلى أن إحدى الحالات التي تعاملت معها الإدارة، ورود بلاغ في السادس من الشهر الجاري من أحد الأشخاص من الجنسية الخليجية، يبلغ من العمر 31 عاماً، يفيد فيه بأنه حوصر داخل سيارته بشارع في منطقة مرسى دبي، نتيجة حدوث خلل فني في السيارة، وعلى الفور، تم إرسال إحدى الدوريات إلى موقع البلاغ، وتم كسر زجاج السيارة وإخراجه بسلام، وتقدم بدوره بالشكر الجزيل لشرطة دبي، لوصولهم السريع إلى موقع البلاغ في غضون دقائق.


إجراءات


تدابير سريعة وآليات تضمن أفضل النتائج

قال المقدم بورقيبة، إن غرفة العمليات تلقت مكالمة حول وجود طفلين، تتراوح أعمارهم بين سنتين وأربع، حبسوا أنفسهم في غرفة في إحدى الفلل في منطقة البرشاء جنوب، وعلى الفور، تم إرسال فريق إنقاذ في غضون أربع دقائق، وكسر القفل باستخدام الأدوات الخاصة، وأخرج الأطفال بسلام، مشيراً إلى أنه في اليوم نفسه، تلقت الإدارة بلاغاً عن وجود طفلين من الجنسية الأوروبية، ثلاثة أشهر وعامين، حوصرا داخل السيارة، وأفاد والدا الطفلين بأنهما تركاهما في السيارة لبضع دقائق، إلا أن الطفل الأكبر لعب في أحد الأزرار فقام بغلق الأبواب، وتوجهت إحدى الدوريات إلى موقع البلاغ، وتم كسر زجاج المركبة وإخراجهما، وتحويل الأب إلى مركز الشرطة لاستكمال الإجراءات القانونية بحقه.

ولفت إلى تلقي بلاغ من غرفة العمليات، يفيد بأن رجلاً آسيوياً يبلغ من العمر 37 عاماً، يعاني من مشاكل صحية، وأنه موجود في منزله، وتم تتبع مصدر المكالمة والتوجه إلى هناك، حيث قام فريق الإنقاذ بكسر الباب، وعثر على الرجل فاقد الوعي في منزله في نفس اليوم، ونقلته سيارة إسعاف إلى المستشفى لتلقي العلاج.

Email