شرطة دبي تسجل 6 حالات لشبان وفتيات من دون أوراق ثبوتية

أبناء بلا هوية.. إهمال وحرمان من التعليم والرعاية الصحية والحياة الاجتماعية1-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما أضعت هويتي ذات يوم بدأت أصرخ في أبنائي ولم أتمكن من الرد على الهاتف وقتها وابحث عنها كالمجنونة في كل مكان ولم اعد قادرة على التفكير أو التذكر أين وضعتها..

وراحت الأفكار تتوالى في رأسي في كيفية استخراج بديل، إنها مشكلة بسيطة جداً جداً، مقارنة بقصة سالم الشاب الذي لا يعرف هويته. فهو لم يفقدها لأنه يبحث عنها منذ 28 عاما، حالة إنسانية أو حالة خاصة أو كما يسميها صاحب المشكلة حالة ميئوس منها.

عندما يقف القانون عاجزا عن إيجاد حل في منح شاب في مقتبل العمر هويته التي لم يتمتع بها منذ ولادته بسبب إهمال الأم وجهلها، بدأت قصة سالم منذ عام 1987 إلا أنها بدأت قبل هذا التاريخ بعدة أعوام عندما حضرت الأم من دولتها العربية إلى الإمارات برفقة والدها وتعرفت على شاب إماراتي وتزوجت إلا أن مشاكل عديدة نشبت بينها وبين زوجها مما دفعه إلى تطليقها ثلاث مرات..

وبعدها تعرفت على شاب سعودي الجنسية وذهبت معه إلى السعودية وتزوجا هناك وبعد 3 اشهر فقط انفصلا، وعادت الأم إلى الإمارات وشاءت الظروف أن تعود إلى زوجها السابق وبعد مرور شهرين على الزواج اكتشفت الأم أنها حامل واستمر الوضع حتى الولادة في الحادي عشر من مايو عام 1987 ..

وطلب منها الزوج تسجيل المولود باسم زوجها السعودي ولكنها أكدت له أنها لا تملك نسخة من عقد الزواج وأنها لا تعرف سوى اسمه الأول والثاني وباءت محاولات الزوج بالفشل في العثور على الزوج وحفاظا لما تمر به الأم من ظروف قام بتسجيل الولد باسمه.

لم تمر سوى 3 سنوات ودبت الخلافات بين الزوجين وقد حصلت الزوجة على الجواز الإماراتي وانفصلت وطلب منها الزوج مغادرة المنزل حاملة ابنها، وبالفعل حاولت تربيته إلى أن تعرفت على شخص إماراتي الجنسية وتزوجت به وأخبرته أن ابنها ووفقا لشهادة الميلاد إماراتي الجنسية وانه مسجل باسم زوجها الأول.

وجاءت الريح بما لا تشتهي السفن، وطلبت زوجة والد الطفل الثانية ( حسب شهادة الميلاد) بنفي نسبه لأنها كانت تعلم انه ليس ابن زوجها، وبعد الضغط على زوجها توجه إلى المحكمة ونفى نسب الطفل سالم إليه، وطلبت المحكمة الأم التي أقرت فعليا انه ليس أباه الشرعي، وتم تغيير كافة الأوراق وبات سالم منذ ذلك الوقت بلا هوية ومجهول الوالد.

لقاء

في لقاء مع سالم لسرد قصته وحالته القانونية التي صنفت حسب القانونيين والحقوقيين أنها حالة مستعصية وذلك بهف مساعدته وإلقاء الضوء على الحالات المماثلة خاصة انه فشل وامه طوال 28 عاما في استخراج اية اوراق ثبوتية باستثناء شهادة الميلاد التي تم نفي صحتها وباتت بلا قيمة، اولى تداعيات الخطأ الذي ارتكبته الأم أنها حرمت سالم من دخوله المدرسة..

وعندما كان في العاشرة من عمره بدأ يسألها لماذا لا اذهب إلى المدرسة مثل أخوتي أو أولاد الجيران؟ فكانت الأم تتحجج بانه لا يوجد اوراق وان ابوه مسافر إلى السعودية، ومرت السنوات ولم يتلق سالم اي تعليم بل ومازال بلا اي اوراق ثبوتية.

لجأ سالم إلى كافة الجهات المعنية في الدولة طلبا لأية أوراق ثبوتية ومنها الإدارة العامة لحقوق الإنسان في شرطة دبي، والتي حاولت على مدار عام كامل إيجاد أي طريقة لاستخراج أوراق ثبوتية له إلا أن الأمر باء بالفشل، وبات القانون عاجزا عن إنقاذ حياة شاب حاول الانتحار اكثر من مرة بسبب معاناته التي قد لا يتحملها كثير منا.

بحث

لجأ سالم الذي يقطن مدينة العين بمساعدة زوج امه الحالي إلى احد الأشخاص في السعودية عن طريق أصدقائه عله يعثر على والده إلا ان تلك المحاولات لم تثمر عن أي جديد، فاسم الأب الذي تعرفه الأم ثنائي ويوجد الاف الاشخاص هناك بالاسم نفسه، حاول عدد من المحامين التدخل..

وايجاد مخرج وساعده أصدقاؤه في عرض مشكلته في اماكن عديدة متمسكا بأي خيط يمنحه أوراقا ثبوتية حتى يتمكن من الحياة والتحرك بحرية في المجتمع، إلا انه حتى هذه اللحظة لم يستطع ايجاد حل لمشكلته المعقدة جدا حسب وصف القانونيين والحقوقيين ورجال الشرطة.

من المفارقات التي حدثت في حياة هذا الشاب الذي حفظه الله من الانحراف أن مجموعة من الآسيويين المقربين من بيته يعرفون قصته عرضوا عليه أن يشاركهم في سرقة بعض المحال أو المنازل واثقين انه لا يوجد اي بصمة او اي دليل على شخصيته في الأجهزة الأمنية إلا انه رفض ذلك بشدة مما جعلهم يعايرونه على وضع لا ذنب له فيه.

صعوبات

لا يتوقف الأمر عند ذلك في حياة هذا الشاب الذي يبحث عن هوية فقد حرم منذ الصغر من تلقي التطعيمات الصحية أو تلقي العلاج في اي مستشفى او عيادة لدرجة انه يعاني من آلام في اسنانه ولم يتمكن من الذهاب الي طبيب ويعيش على المسكنات، خاصة بعدما رفضت جميع المستشفيات استقباله، وانه يعاني من كيس دهني في رقبته وهو ما يستلزم عملية جراحية، الأمر الأشبه بالمستحيل تحقيقه بالنسبة له.

يعيش سالم حاليا في احد البيوت المؤجرة في مدينة العين ويدفع احد أصدقائه الإيجار له فيما يتكفل صديق آخر بمنحه مصروفه الشهري تعاطفا معه..

وقد حاول طوال تلك السنوات العثور على عمل إلا أن عدم وجود اي اوراق او بطاقة هوية حال دون ذلك بل وعمل مع مجموعة من الأشخاص دون ان يمنحوه اجرا عن عمله، فتوجه إلى مركز الشرطة للحصول على حقه الا ان المركز رفض فتح بلاغ بدون أي إثبات للشخصية.

أمنيات

يتمنى سالم ان يحقق حلمه الصغير بأن يكون فردا في المجتمع الذي ولد وتربى فيه، وان يتزوج ويعيش كباقي الشباب ويكوّن أسرة رافضا كافة الطرق الملتوية التي عرضت عليه باستمرار متيقنا أن الطريق المستقيم هو افضل الطرق، متناسيا قسوة من حوله ونظرات وكلمات المعايرة والتشويه والاستهزاء التي يتعرض لها من عدد كبير من المحيطين به.

قانون الطفل

كشف العميد الدكتور محمد المر مدير الإدارة العامة لحقوق الإنسان في شرطة دبي أن سالم لجأ إلى الإدارة منذ عام تقريبا عارضا مشكلته وان الإدارة تأكدت من المعلومات التي أوردها وحاولت التواصل مع عدد من الجهات التي لم تجد أي مخرج قانوني لحالته..

وحاولت الإدارة التواصل مع الأم لمعرفة اي تفاصيل إضافية عن الزوج السعودي إلا انها لم تدلِ بمعلومات مفيدة تساهم في العثور عليه، مشيرا إلى أن أي جهاز شرطة يلتزم بتطبيق القانون الذي يقف عاجزا عند هذه الحالة.

وأشار العميد المر إلى ان سبب المعاناة التي مر بها الشاب سالم تعود إلى إهمال الأم وجهلها في ضرورة استخراج أوراق ثبوتية لابنها وإصرارها على ان تمر السنوات حتى تصل إلى 28 عاما دون ان تساعده..

مشيرا إلى ان الظروف القاسية التي مر بها، وحرمانه من التعليم او الحياة بأوراق رسمية كان من الممكن ان تخلق منه شخصا ناقما منتقما من المجتمع او تدفعه إلى الانحراف او التخلص من حياته، إلا انه ومع كل هذه الظروف يكن لامه كل الاحترام والتقدير، وان إرادته القوية جعلته يصمد طوال هذه الفترة ويحاول بمساعدة الآخرين إيجاد حل.

وأضاف العميد المر ان قانون الطفل المنتظر اقراره يعالج إهمال الأهل نحو أبنائهم خاصة فيما يتعلق بحرمانهم من التعليم او استخراج اوراق ثبوتية، مشيرا إلى أن حالة سالم ليست الوحيدة، وانه تم تسجيل خمس حالات مشابهة العام الجاري إلا أن حالة سالم هي الأصعب، وان الإدارة لم تتوانَ عن مساعدته إلا أنها ليست الجهة المخولة بإصدار الأوراق الثبوتية في الدولة.

وأكد مدير الإدارة العامة لحقوق الإنسان في شرطة دبي أن الحالات الاخرى التي ترد إلى الادارة تتم دراسة ملفاتها وان جميعها لشباب وفتيات في أعمار متقدمة تتراوح بين 10 إلى 20 عاما يعيشون بدون أوراق ثبوتية بسبب إهمال الأب او الأم او كليهما في القيام بذلك..

وهو ما يترتب عليه حرمانهم من التعليم وتلقي الرعاية الصحية اللازمة له في مراحل عمره المختلفة وهو ما يعتبر جريمة ويجب إصدار قانون رادع يعاقب الآباء أو الأمهات الذين يتسببون في معاناة كبيرة لأبنائهم قد تستمر معهم لسنوات دون ذنب لهم، مطالبا بإيجاد بنود في قانون الطفل رادعة لمثل هذه الحالات البعيدة عن الإنسانية.

واضاف العميد المر إن عدم استخراج أوراق ثبوتية تتعدى مرحلة الإهمال وان مسودة قانون الطفل تضمنت بعض البنود المهمة منها «يلتزم كل من والدي الطفل أو من له سلطة عليه قانوناً باستخراج الأوراق التي تثبت واقعة ميلاده وجنسيته وكافة الأوراق الثبوتية الأخرى الخاصة به طبقاً للقوانين السارية في الدولة..

وتمت إضافته بسبب وضع اجتماعي أسفر عن معاناة بعض الأطفال من تراخي آبائهم في تسجيلهم واستخراج الأوراق الثبوتية لهم مما استدعى وضعها، خاصة أن هذه الجزئية غير معالجة في قانون الأحوال الشخصية أو قانون الجنسية والإقامة».

حالة أخرى

وأكد الرائد شاهين المازمي مدير إدارة حماية الطفل والمرأة في الإدارة العامة لحقوق الإنسان في شرطة دبي أن الإدارة ساعدت على مدار الثلاث سنوات العديد من حالات عدم استخراج الأوراق الثبوتية للأبناء من جميع الجنسيات وليست الجنسية الإماراتية فقط..

لافتا إلى أن الإدارة تمكنت من إنهاء معاناة طفلة وأمها من الجنسية الفلسطينية استمرت لمدة 3 سنوات وساعدتها في استخراج جواز سفر للطفلة بالتعاون مع الجهات المختصة في بلدها، كما ساعدتهما الإدارة في استكمال الأوراق المطلوبة لإقامة الطفلة في الدولة بشكل قانوني وإلحاقها بالمدرسة.

ولفت المازمي إلى أن الأم ذكرت أن زوجها هرب من الدولة بسبب وجود التزامات مالية كبيرة عليه، وأن خلافات عائلية كانت بينهما فسافر وبحوزته كافة الأوراق الثبوتية للطفلة، ومنها جواز سفرها، ولفتت الزوجة إلى أن قانون بلدها يمنع إصدار أي جواز سفر للطفلة وأنها حاولت التواصل مع وزارة الخارجية والجهات المختصة هناك إلا أن كافة محاولاتها طوال 3 سنوات باءت بالفشل..

وانه بمجرد حضور الأم إلى الإدارة تم اتخاذ الإجراءات اللازمة والتي تضمنت التواصل مع قنصلية بلدها ووزارة الخارجية الإماراتية للتنسيق فيما بينهما، وبناء على الرسالة التي رفعتها الإدارة استجاب مسؤول رفيع المستوى في بلدها وأمر بإصدار جواز سفر لابنتها بعدما تم التأكد من قيام الأب الذي لم يعثر عليه باصطحاب الأوراق معه.

وأوضح أن إهمال الأب وتعنته حرم الطفلة من الأوراق الثبوتية طوال 3 سنوات مما دفع الأم التي تعمل موظفة في إحدى الشركات ومعها إقامة سارية للجوء إلى الإدارة بعدما فشلت في حل مشكلتها خاصة وأن الطفلة أصبحت في سن دخول المدرسة، وبالفعل تمكنت لشرطة دبي من إنهاء معاناة الأم وابنتها.

تفكك أسري

ولفت المازمي إلى أن الإدارة تمكنت كذلك من مساعدة شاب من الجنسية العربية بعدما لجأت امه إلى سفارة الإمارات في بلدها بعد مرور 16 عاما وأقرت أنها كانت متزوجة من شاب إماراتي وانجبت منه وخافت أن يأخذ منها الطفل فظل الأمر في طي الكتمان طوال 16 عاما إلا أن الشاب أراد أن يعرف والده..

وبالفعل تلقت الإدارة إخطارا من السفارة وتبين أن المواطن من إمارة دبي وتم التواصل معه وكان مندهشا من الرواية لكنه اعترف انه كان مرتبطا بالأم وأبدى استعداده لتسوية الأمر وبالفعل تم استخراج الأوراق الثبوتية له وإحضاره إلى الإمارات وتوفير وظيفة له.

وكشف المازمي أن هناك حالات بالغة التعقيد وتحتاج إلى مجهود كبير في استخراج الأوراق قد يمتد لسنوات، وهناك حالات بسيطة لا نجد لها حلولا قانونية مثل حالة الشاب سالم وحالة اخرى ما زالت تحت المتابعة..

مؤكدا ان اهم أسباب وجود مثل هذه الحالات في المجتمع تعود إلى التفكك الأسري والعناد بين الأبوين أو الانفصال أو حالات حمل الأم سفاحا وحالات نادرة جدا في عدم إفصاح الأم عن والد الطفل وتركه لسنوات.

إهمال

ومن جانبها لفتت فاطمة الكندي رئيسة قسم الدعم الاجتماعي بالإدارة العامة لحقوق الإنسان في شرطة دبي أن أصحاب المشكلات انفسهم يلجؤون إلى الإدارة وان شابا عمره 20 عاما لجأ مؤخرا إلى الإدارة بعد ان اهمل والده استخراج اوراق ثبوتية له ولأخته التي اكملت عامها الثامن عشر ولم يلتحقا بالمدرسة ولم يعرفا القراءة والكتابة..

وتقتصر مسؤولية الاب التي وجدت الادارة صعوبة كبيرة في التواصل معه على ارسال بعض الاموال إلى ابنائه بعد ان ماتت والدتهم عندما كانا صغارين تاركا مسؤولية رعايتهما لإحدى الخادمات..

وهو ما ترتب عليه ضياع الشاب وشقيقته، وفقدان هويتهما وان الإدارة تحاول استخراج الأوراق الثبوتية لهما والتي تستغرق وقتا طويلا، وتحتاج إلى العديد من الاجراءات والمتابعة، وان الأمر يزداد صعوبة في ظل الإهمال المتواصل من قبل الأب.

أحمد الحداد:تقصير الأب بحق أولاده يُسأل عنه شرعاً وقانوناً

قال الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد، كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي، إن مثل هذه الحالات تجسد تقصيراً كبيراً بحق الأولاد يسأل عنه الأب شرعاً وقانوناً، حيث إن من أوجب واجباته الحفاظ على هويته التي لا تقل أهمية عن واجب إطعامه وتعليمه، فإنه لا يمكن أن يعيش عيشة سوية وهو مجهول الهوية، ولا يتأتى للمرء أن يحقق لنفسه هوية في مجتمع محافظ كمجتمعاتنا الإسلامية والعربية..

وقد قال صلى الله عليه وسلم: «الرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته». وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه، حفظ ذلك أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته» ومعنى المسؤولية أنه يجازى على إهماله جزاء عقابياً إن لم يتداركه عفو الله تعالى..

وذلك فضلاً عن العقاب القانوني المدني، ولقد كان الشارع شديد الطلب لإثبات الأنساب والحفاظ عليها من أجل حقوق الطفل وحمايته من الاضطهاد الحسي أو المعنوي، على أن ترك هذا الواجب يؤدي إلى تشريد الأطفال وجعلهم أفرادا غير صالحين مجتمعيا، وفي هذا من المخاطر الاجتماعية ما لا يخفى.

حالة سالم

وأضاف الحداد أنه فيما يتعلق بحالة الشاب سالم 28 سنة الذي أنكر أبوه نسبه إليه، وبالتدقيق مع الأم اعترفت أنه نتيجة زواج غير موثق من شخص آخر خارج الدولة منذ 28 عاماً، فإن الشارع حل هذه المشكلة بإثبات النسب لصاحب الفراش، وهو الزوج ما دامت أتت به وهي في عصمة الزوجية، إلا أن ينفي نسبه من أول العلم به وهو جنين في بطن أمه، أو عند وضعه إن لم يعرف قبل ذلك.

لافتا إلى أن المشرع أعطى الزوج المتأكد من عدم ثبوت نسب المولود إليه أن ينفيه بطريق الملاعنة الشرعية، وهي أن يشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رمى به امرأته من الزنا، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فإن لم يفعل ذلك كان ثبوت النسب إليه حتمياً..

وكذا إن كان قد أقر بأبوته ولو ضمنا كأن استخرج له شهادة ميلاد أو وثيقة سفر أو قال ولو مرة واحدة إنه ابنه، فإنه لا ينفعه بعد ذلك النفي لقوله صلى الله عليه وسلم «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ويكون قاذفاً لامرأته يقام عليه حد القذف المعروف، إلا أن يأتي بأربعة شهداء على زناها يشهدون عن رؤية عين حقيقية للزنا..

وهذا من المستحيل عادة إثباته، ومع ذلك لا ينتفي النسب إن كان قد سبق بإقرار صريح أو ضمنا، لأن الإقرار بالحق لا يقبل الرجوع فيه، والحق هنا للطفل، حتى وإن أتى بألف دليل على عدم نسبته إليه، فكل ذلك لم يقبله الشارع الحكيم حفاظاً على حق الولد في النسب.

التبني

وأكد أنه لا يجوز لأحد أن يتبنى طفلاً مجهول النسب، فضلاً عن معلومه بموجب الحكم الشرعي، لأن التبني حرام شرعا نهى عنه القرآن نهيا صريحا {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} نعم للمرء أن يكفل اللقيط ويحسن إليه ولكن لا ينسبه لنفسه لما في ذلك من المحاذير الشرعية الكثيرة، فليتنبه المسلم لذلك، ولا تحمله رغبة في فعل الخير أن يفعل الشر الكبير من حيث لا يشعر.

نادية عبد الرزاق:الجهات القانونية تلزم الوالد باستخراج أوراق ثبوتية

المحامية والحقوقية نادية عبد الرزاق عقبت على هذه الحالات إنه بخصوص قصة الشاب سالم من الناحية القانونية عليه أن يلجأ إلى الجهات القانونية المختصة لإلزام والده باستخراج الأوراق الثبوتية اللازمة له أو الاستعانة بإحدى جهات الرعاية الاجتماعية المختصة في الدولة، أما بخصوص نفي الأب لنسب الابن فقد حددت المادة 97 من قانون الأحوال الشخصية الاتحادي رقم 28 لسنة 2005 إجراءات نفي النسب..

ولم تترك للرجل أن يلاعن لنفي النسب متى شاء بل يجب على الرجل أن ينفي نسب الولد عنه خلال سبعة أيام من تاريخ العلم بالولادة شريطة ألا يكون الرجل قد اعترف بأبوته للمولود صراحة أو ضمناً وبعد أن ينفي نسب الولد أمام معارفه وغيرهم عليه أن يقيم دعوى اللعان خلال ثلاثين يوماً من تاريخ علمه بالولادة..

كذلك نصت الماده90/4 من قانون الأحوال الشخصية الاتحادي إذا ثبت النسب شرعاً فلا تسمع الدعوى بنفيه، والمادة 97 من ذات القانون اشترطت الاستعانة بالطرق العلمية في شأن نفي النسب، بشرط ألا يكون قد تم ثبوته قبل ذلك.

جهات مختصة

وأكدت عبد الرزاق أن قصة الشاب التي تم التطرق إليها بالحديث إحدى الحالات الموجودة مع كثير من الحالات المشابهة في الواقع العملي وعليه أن يقصد الجهات المختصة قانوناً كمراكز الشرطة والقضاء ودور الرعاية الاجتماعية المختصة فهو صاحب حق ولديه المستند الذي يثبت بنوته وإنكار الأب أو الأم اللاحق لا أثر له من الناحية القانونية لفوات ميعاده المحدد قانوناً..

وإذا افترضنا جدلاً أنه شخص مجهول النسب وهو ليس كذلك فإن القانون الاتحادي رقم (1) لسنة 2012 قد صدر بخصوص رعاية الأطفال مجهولي النسب ووفر لهم كافة الإجراءات المطلوبة لحمايتهم ورعايتهم وخصص لهم دوراً للرعاية تقوم بمباشرة كافة الإجراءات اللازمة ليعيشوا حياة طبيعية ومستقرة.

إثبات النسب

ولفتت عبد الرزاق أنه من المقرر قانوناً وفقاً لما نصت عليه المادتان 89 و90 من قانون الأحوال الشخصية الاتحادي ـ أن النسب يثبت بالفراش أو بالإقرار أو بالبينة أو بالطرق العلمية إذا ثبت الفراش، «والولد للفراش إذا مضى على عقد الزواج الصحيح أقل مدة الحمل .

ولم يثبت عدم إمكان التلاقي بين الزوجين و يثبت نسب المولود في الوطء بشبهه إذا ولد لأقل مدة الحمل من تاريخ الوطوء يثبت نسب كل مولود إلى أمه من تاريخ الولادة وإذا ثبت النسب شرعاً فلا تسمع الدعوى بنفيه.

وطالبت عبد الرزاق بضرورة وجود جهات أو لجان متخصصة لاتخاذ القرارات الفورية في تلك الحالات الاستثنائية لحماية هؤلاء الشباب من الانحراف وتأمين مستقبلهم الدراسي والمهني.

حماية

ونوهت عبد الرزاق بأن مشروع القانون الاتحادي حول حقوق الطفل يتضمن مظلة حماية واسعة لحقوق الطفل وعقوبات رادعة أقرها بخصوص إهمال الأبناء أو تعريضهم للخطر أو تمييزهم بكافة الأشكال المختلفة.

مشروع قانون الطفل في الإمارات يحميه من الاستغلال والإهمال

نص مشروع قانون الطفل في الإمارات، على حماية الطفل من كل مظاهر الإهمال والاستغلال وسوء المعاملة، ومن أي عنف بدني ونفسي يتجاوز المتعارف عليه شرعاً وقانوناً كحق للوالدين ومن في حكمهم في تأديب أبنائهم، (وأكد النص على عدم الإخلال بحق الوالدين في تربية أبنائهم لحفظ حقوق الوالدين ومن في حكمهم في التأديب) .

وحظر القانون القائم على رعاية الطفل، تعريضه للنبذ أو التشرد أو الإهمال أو اعتياد تركه دون رقابة أو متابعة أو التخلي عن إرشاده وتوجيهه أو عدم القيام على شؤونه أو عدم إلحاقه بإحدى المؤسسات التعليمية أو تركه في حالة انقطاعه عن التعليم بدون موجب خلال مرحلة التعليم الإلزامي، مشيرا الى أن العديد من المؤسسات في انتظار صدور القانون حتى يكون رادعا ويضع حدا لمزيد من مثل هذه الحالات.

حقوق كاملة

مواد مشروع قانون حماية الطفل تضمنت حصوله على كافة حقوقه ومنها حق التعليم، بحيث حظرت على القائم على رعاية الطفل تعريضه للنبذ أو تركه في حالة تشرد، أو إهمال أو اعتياد تركه دون رقابة، أو متابعة، أو التخلي عن إرشاده، وتوجيهه أو السهر على شؤونه، أو رفض إلحاقه بإحدى المؤسسات التعليمية، أو تركه حال انقطاعه عن التعليم من دون موجب خلال مرحلة التعليم الإلزامي.

عقوبات رادعة تتضمن السجن والغرامة على الأهل المهملين

أكدت موزة الشومي، مديرة إدارة الطفل في وزارة الشؤون الاجتماعية، أن قانون الطفل، الذي رفعه المجلس الوطني الاتحادي إلى مجلس الوزراء، يجيز توقيع عقوبات على الأهالي، في حال ثبت أنهم أهملوا رعاية أبنائهم، وأنه يعالج 16 مادة لم تتناولها الاتفاقات الدولية..

وأنه يتضمن عقوبات بالحبس والغرامة المالية التي لا تقل عن 5000 درهم على والدي الطفل وكل من له سلطة عليه الذين يمتنعون عن استخراج وثائق ثبوتية لأبنائهم، أو يتسببون بانقطاعهم عن التعليم لأي أسباب.

ولفتت الشومي إلى أن حالات من الأطفال والشباب يعانون من عدم استخراج أوراق ثبوتية لهم ويلجأون إلى الجهات المختصة بعد سنوات طويلة وبعد تفاقم المشكلة وحتى الوقت الحاضر لا يوجد ما يجرم امتناع الآباء والأمهات عن استخراج الأوراق الثبوتية..

وهو ما تم تداركه في قانون الطفل، الذي تضمن مواد تلزم كل من والدي الطفل أو القائمين عليه باستخراج الأوراق التي تثبت واقعة ميلاده وجنسيته وكافة الأوراق الثبوتية الأخرى الخاصة به طبقا للقوانين السارية في الدولة، منوهة بأن القانون سيقضى نهائيا على حالات إهمال مستقبلاً خاصة في ظل تجاوب الإعلام في نشر العقوبات التي يحصل عليها الآباء والأمهات المهملون.

إهمال انتقامي متعمد يذهب ضحيته الأبناء

أوضحت الكندي أن صعوبة الحالات تكمن في قسوتها وتداخل أكثر من جهة في الأمر، كذلك تشابك العلاقات وعدم وجود أي أدلة على أقوال الذين يلجأون إلى الشرطة، وهو ما يتطلب البحث والتحري حتى يتم التوصل إلى الحقيقة وتقديم المساعدة اللازمة لهم..

وأن بعض الحالات تعاني من إهمال انتقامي متعمد عبر ترك الآباء والأمهات أطفالاً في عمر الزهور تحت مسؤولية الخدم، بل وعدم القيام بواجباتهم العادية في استخراج أوراق لهم..

مشيرة إلى أن بعض الحالات لا تمتلك شهادة ميلاد وأن هذا الأمر يؤثر سلبا وينعكس بطريقة خطيرة على المجتمع، خاصة في ظل وجود بشر يبحثون عن حياتهم ويتجنبون نظرات المحيطين بهم واستفساراتهم التي لا تنتهي، والتي لا يتمكنون في أغلب الأحوال من الرد عليها أو التكيف معها.

وأضافت: بما أن للوالدين حقاً على الأولاد، فكذلك للأولاد حق على الوالدين، وكما أن الله - عز وجل - أمرنا ببر الوالدين، فكذلك أمرنا بالإحسان إلى الأولاد، فالإحسان إليهم والحرص على تربيتهم أداء للأمانة، وإهمالهم والتقصير في حقوقهم غش وخيانة، لافتة إلى أن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة أمرت بالإحسان إلى الأولاد وأداء الأمانة إليهم، محذرة من إهمالهم والتقصير في حقوقهم.

ظهور هذه الحالات يعود إلى الفساد الأخلاقي وغياب الوازع الديني

قالت المحامية نادية عبد الرزق إن أسباب ظهور ووجود مثل هذه الحالات يرجع إلى الفساد الأخلاقي و غياب الوازع الديني وتهاون بعض الشباب و لشابات في إقامة علاقات غير مشروعه خارج نطاق الزواج أو الارتباط، إضافة إلى تدني الوعي عند المرأة وغياب دور الأسرة والوالدين والتفكك الأسري وغياب التوعية داخل الأسرة.

وأضافت: كوني عضواً في جمعية الإمارات لحقوق الإنسان ولدى مكتبي اتفاقية تعاون قانوني مع الجمعية لتقديم المساعدات القانونية للحالات الإنسانية المختلفة التي تلجأ إليها ورعايتها وتوجيهها ..

فقد ورد إلينا بعض الحالات المشابهة، منها على سبيل المثال قضية فتاة من أبوين مختلفي الجنسية وكانا مقيمين في الدولة منذ فترة ونشبت الخلافات بين الأب والأم بعد مرور عدة سنوات من قيام العلاقة الزوجية قام الأب على اثرها بتقديم طلب للمحكمة بمنع ابنته من السفر وحجز جواز سفرها، وبعد مرور فترة زمنية توفيت الأم واختفى الأب وبقيت الابنة في الدولة لا معيل لها..

ولم تتمكن من استكمال تعليمها أو استخراج أوراق ثبوتيه لعدم وجود جواز السفر لديها واحتضنتها إحدى الأسر وقمنا بمساعدتها وإرشادها من الناحية القانونية لاسترجاع وتجديد جواز سفرها.

Email