يمثل المعلم عصب العملية التعليمية والتربوية واداة نجاحها، ومهما حدث من تطور علمي وفكري وما استجد من تكنولوجيا ومخترعات معاصرة فسيظل المعلم عنصرا فاعلا لا غنى عنه في هذه العملية، فرسالته سامية عرفت المجتمعات والشعوب أهميتها على مر العصور. ومع مكانته تلك يبقى لزاما عليه في ضوء مواكبة الاساليب الفعالة لادارة الصف الدراسي تغيير دوره الكلاسيكي التقليدي القائم على دور الشارح والملقن وتكرار معلومات حفظها لا شك على مر الأيام والشهور والأعوام الى دور معاصر تقتضيه اساليب التدريس الفعال من تخطيط وابتكار مواقف فاعلة واطلاع على جديد مصادر معرفة اليوم التي تتماشى ومتطلبات مادته. ترى.. هل معلمونا داخل جدران مدارسنا وفي ظل ثورة المعلومات المتفجرة يطبقون اساليب فعالة لادارة الصف الدراسي في ضوء مناهج متخمة بالحقائق والمعلومات والتفاصيل وتدعو للحفظ اكثر مما تدعو الى التفكير فأدت الى ضعف الخيال وخمول الذهن وغير ذلك من وسائل تعليمية اخرى. يقول عدنان كزارة موجه اللغة العربية بتعليمية دبي: تتمحور اساليب التدريس الفعال حول المتعلم،وتنظم العملية التربوية تنظيما يعتمد في المقام الاول على نشاط المتعلم ودوره الفاعل في الموقف الصفي، فهو الذي ينتج المعرفة ويخوض التجربة ويمر بالخبرة، ومن خلال ذلك كله يمارس المهارات العقلية من تكفير واستدلال واستنتاج وتعليل وتفسير وكذلك المهارات الادائية العملية في ظل اشراف مخطط للمعلم وتوجيه تربوي يضمن حسن استثمار قدرات المتعلم وصقل مواهبه والارتقاء بكفاياته فيكون مثل المعلم مثل المزارع الذي يتعهد النبتة بالرعاية ويوفر الشروط الملائمة لنموها الذاتي. ومما تقدم فان اساليب التدريس الفعال على اختلاف اشكالها تركز على التعلم الذاتي اي ممارسة المتعلم لعملية التعلم بجهده الذاتي فاعلا لا منفعلا كما كان في اساليب التعليم القائمة على التلقين والتلقي وتابع كزارة قائلا: ان هذه الرؤية تنطلق من واقع التفجر المعرفي الذي يشهده كوكبنا وعالمنا المعاصر حيث بات من الضروري تسليح المتعلم بأدوات تمكنه من التعامل بيسر مع الكم الهائل من المعلومات التي تزداد يوما بعد يوم وكذلك التقنيات التي ما تنفك في تطور مستمر، وهذا لا يتأتى الا بتزويد المتعلم بمهارات التعلم التي تفتح الباب امامه على مصراعيه لينهل من مصادر المعرفة الثرة دونما توقف. وعلى امتداد مسيرة حياته تطبيقا للقاعدة الذهبية «العلم من المهد الى اللحد». استعداد نفسي وعن تطبيق اساليب التدريس الفعال في مدارسنا اكد ان فلسفة الاساليب اقلت على المعلم تغيير دوره التقليدي القائم على كونه محور العملية التربوية، وسحبت كثيرا من امتيازاته كمصدر وحيد للمعرفة يحتكرها ويلقنها.. ولما كان من الصعب ان يتخلى المرء بسرعة عما ألفه واعتاده، كان تبني هذه الاساليب من قبل المعلمين قليلا وبطيئا، يحتاج في البداية الى تغيير في العقلية واستعداد نفسي لقبول الادوار الجديدة في العملية التربوية مشيرا الى ان اغلب معلمينا قد تأقلم مع دور الشارح والمفسر والملقن والمملي، رغم ما يكلفه هذا من جهد صوتي وعضلي لكنه يريحه من حيث التخطيط والتنظيم اذ يكفيه ان يكرر المعلومات التي حفظها عن ظهر قلب على مر الشهور والسنين، بينما تتطلب الادوار الجديدة التي تقتضيها اساليب التدريس الفعال ان يخطط وينظم ويقود ويهيئ الاجواء ويبتكر المواقف ويوجه الى مصادر المعرفة ويتقن التعامل معها وباختصار ان يتحول من كونه الممثل الذي يلعب دور البطولة الى كونه المخرج الذي يحرك الممثلين، ولا يخفى ان الممثلين هنا هم المتعلمون، وشتان بين جهد الممثل المحدود ودور المخرج الشامل. واوضح كزارة ان هذا لا يعني ان مدارسنا خالية تماما من اساليب التدريس الفعال، انما يعني ان هذه الاساليب تنفذ على قلة مثل اسلوب التعلم التعاوني والتعلم بالاستقصاء والتعلم بالاكتشاف واسلوب الندوة، وهي لا تشمل المواقف الصفية برمتها بل تقتصر على بعض المواقف وربما على جزء من الموقف الصفي الواحد. واستطرد قائلا: هناك عائق موضوعي يحول دون تعميم هذه الاساليب هو طبيعة المناهج التي لم تعمم بحيث تستجيب لاساليب التعليم الفعال، فهي مناهج حشوية تركز على الجانب المعرفي ولا تولي الجوانب المهارية والعملية المعتمدة على اكتساب الخبرة لا اكسابها الاهمية المطلوبة، يضاف الى ذلك ان المدرسة التقليدية ووسائط تعليمها من سبورة وغرف مغلقة ونظام تقويمها المستند الى الاختبارات التحصيلية الكتابية كقاض لا تستأنف احكامه مسئولة بشكل كبير عن شيوع الاساليب التقليدية في التدريس بديلا عن اساليب التدريس الفعال. واضاف: من هنا وجب اعادة النظر في مدارسنا من حيث البناء وتنظيم المرافق وحجرات الدراسة وعدد الطلاب في كل حجرة، وكذلك تطوير ادوات القياس والتقويم اي مجمل عناصر المنهج بالمفهوم الحديث للمنهج وذلك لتوفير البيئة الطبيعية لاساليب التدريس الفعال. ما لا يدرك كله لا يترك جله وتابع قائلا: ولرب قائل: انك تعقد المسألة وتشترط امور تعرف مسبقا ان تحقيقها يحتاج الى أمد طويل. وهو اعتراض وجيه ولكن! ما لا يدرك كله لا يترك جله. وحسبي ان اشير الى ان تعميم الحاسوب وربط مدارسنا بشبكة الانترنت، وهو امر مطبق في كثير من المدارس يختصر الكثير من المراحل على طريق الاخذ باساليب التدريس الفعال، ذلك ان التعامل مع الحاسوب ولا سيما في برامجه الهادفة التي احسن خدمتها واعدادها يسهم اسهاما فعالا في التدريب على التعلم الذاتي جوهر اساليب التدريس الفعال ومؤداها كلها. واختتم كزارة قائلا: ثمة سؤال يطرح نفسه ويتحمس له الكثيرون، ألم تكن اساليب التدريس القديمة اكثر فاعلية مما سميناه باساليب التدريس الفعال؟ الم تكن فعالة في حد ذاتها وقد تخرج على يديها نخبة من مفكري العالم العربي وقادته، والجواب: ان في هذا الطرح مغالطة كبيرة لأن المسئول الأكبر عن تميز تلك النخبة من ابناء الامة الواقع الذاتي الى التعلم والرغبة الجارفة في نفوسهم لتلقف العلوم ونهب المعرفة من أي مصدر جاءت. ولعل كثيرا من كتابات اولئك الافذاذ كانت توجه النقد اللاذع لاساليب التدريس التلقينية وتنعي عليها تحنيطها للفكر وصبه في قوالب جامدة. كما ان كثيرا من اولئك الاعلام كانت لهم اليد الطولى، في الثورة على أساليب التدريس القديمة والتمهيد لظهور المدرسة الجديدة بمناهجها الحديثة او التي كانت حديثة حتى وقت قريب، لكن سنة التطور تقتضي الآن اعادة النظر في المدرسة الحالية التي استنفذت اغراضها و اصبحت مدعوة لتطوير اساليبها وطرق تدريسها مواكبة لزمن تتسارع خطواته حتى تقطع الانفاس دون اللحاق به مؤكدا ان ما نشكوه اليوم في مدارسنا من نقص للدافعية لدى طلابنا مرده ـ في نظري ـ عقم اساليب التدريس واعتمادها الى حد كبير على دور المعلم الذي لم يعد يجد آذانا صاغية عند طلابه، فقد استهوتهم التقنيات وملأت عليهم السمع والبصر والفؤاد، فاذا ما اراد المعلم استمالتهم اليه او استعادة سحره السابق، ما عليه الا ان يطور اساليبه ويغير من مزايا التقنيات ويتبنى افكار الديمقراطية والتشاركية والعمل التعاوني اي المكونات الاساسية للتدريس الفعال. تعزيز السلوك واكد سعيد صقر مدرس الجغرافيا ان ادراك المعلم للاساليب الفعالة لادارة الصف الدراسي وممارسته لها من اهم عوامل نجاح العملية التعليمية، معرفا الادارة الصفية بأنها مجموعة من الانشطة التي يمارسها المعلم في غرفة الصف ويسعى من خلالها الى تعزيز السلوك المرغوب فيه لدى الطلاب والغاء السلوك غير المرغوب فيه لديهم واكسابهم اتجاهات ايجابية وتنمية ميولهم ورغباتهم الخيرة وصقل مواهبهم وتوفير الشروط والظروف اللازمة للتعلم الرشيد الفعال مشيرا الى ان أهمية الادارة الصفية تأتي من كون عملية التعليم الصفي عملية تشكيل ايجابية بين المعلم وطلابه ويتم ذلك عن طريق التفاعل الصفي ومن خلال انشطة منظمة ومحددة تتطلب ظروفا وشروطا مناسبة تعمل الادارة الصفية على تهيئتها، وعلى قدر نجاح الادارة الصفية يأتي المردود التعليمي ونجاح وتطور العملية التعليمية. وتابع صقر قائلا: ان الادارة الصفية الفعالة هي التي تراعي استخدام الاساليب التربوية المعاصرة وتسعى الى كل ما هو جديد وحديث في مجال التطبيق التربوي السليم ومنها ما هو متعلق بتنظيم عملية التفاعل الصفي او المهام المتعلقة باثارة الدافعية للتعلم والتي تشمل استثارة انتباه الطلاب باستمرار واستثارة الدافعية الداخلية للتعلم لدى الطالب بمساعدته على انجاز عمله واختيار هدفه والأخذ باساليب الحفز الخارجي لاثارة دافعية التعلم لدى الطالب ومنها التشجيع واستخدام الاساليب والطرق التعليمية المختلفة واستخدام الثواب والعقاب استخداما رشيدا. واوضح ان الاساليب التربوية المعاصرة اجدى من الاساليب القديمة لان الاتجاهات التربوية المعاصرة تؤكد على أهمية التعلم الذاتي لما يتسم به من خصائص وسمات تجعل المتعلم محور العملية التعليمية وبذلك تحقق الاهداف التربوية المرغوبة في المجالات المعرفية والمهارية والوجدانية وهذه الجوانب تتحقق من خلال الاساليب التقليدية القديمة. وعن المردود العلمي والثقافي لابنائنا الطلاب بين الامس واليوم اكد ان الفارق كبير حيث التطور العلمي وثورة المعلومات التي شهدها العقد الاخير من القرن الماضي وتنوع اساليب التعلم الذاتي بالحاسوب الذي اسهم في تقديم الخبرات على مستويات متعددة وما انفك يشهد الحاسوب تطورا يوميا لا سيما بعد انتشار انظمة المعلومات العديدة والاتصالات وشبكة الانترنت مما يؤكد ان الحاسوب سيلعب دورا بارزا في تشكيل عقول المستقبل. القدرة على التطبيق ويقول عبدالله الاسمر مدرس التاريخ: ليس من الضرورة ان يكون كل حامل لمؤهل تربوي ناجح في تطبيق ما تعلمه في الميدان الذي يعمل به وبالتالي يكون اكثر قدرة في عملية النجاح من المعلم غير الحامل لمؤهل تربوي مثله، ومن هنا استطيع ان اقسم المعلمين الى الفئات الاتية من حيث القدرة في التعامل مع طلاب في المرحلة الثانوية مثلا، فالصنف الاول هو الذي درس الى جانب تخصصه موادا تربوية تعينه في تطبيق عمله بشكل ناجح في ادارة الفصل ويستطيع ان يستخدم هذه الدراسة بشكل مناسب يعينه في ايصال ما يريده، والصنف الثاني هو الذي درس التربية ايضا ولكنه مع الاسف لا يستطيع التعامل مع طلابه ورغم ذلك نجده غير قادر على ادارة الصف او توصيل معلومة يريدها لهم وهذا ليس عيبا في المادة ولكنه قد يكون عيبا في المدرس أو اسلوب التطبيق. وتابع الاسمر قائلا: اما الصنف الثالث فهم المعلمون الذين لا يحملون مؤهلا تربويا الى جانب تخصصهم ولكنهم استطاعوا من خلال تجربتهم العلمية والدراسية التكيف مع طلابهم واشعارهم بأهمية الحصة والموضوع باتباع اساليب تربوية ناجحة جدا حصلوا عليها من خلال تجاربهم، فيما يكون هم الصنف الرابع ايصال المعلومة بأية طريقة وعمل واجبهم، وهنا ينتهي دورهم، مؤكدا ان هؤلاء قلة في مجتمع المعلمين موضحا ان العيب ليس في الاساليب التربوية القديمة والحديثة وانما العيب في القدرة على تطبيقها وكيفية ذلك. واشار الى ان عملية التطبيق تلك تحتاج الى طرفين هما المعلم والطالب، فلو قارنا طلاب الامس باليوم فسنجد ان هناك فرقا شاسعا من حيث حب العلم والالتزام بقوانين المدرسة واحترام المعلم والزملاء في الفصل واسلوب تعامل الطالب مع معلمه وغير ذلك. تحقيق: يحيى عطية