تمكين النساء في صعيد مصر

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر الفتيات اللواتي لم يذهبن يوماً إلى المدرسة الأكثر حرماناً في صعيد مصر لاسيما أن غالباً ما ينتهي بهنّ المطاف بالزواج المبكر والعمل في المزارع مع رواتب ضئيلة ويعانيْن من مشكلات صحية متعددة كالحمل المبكر وسوء التغذية.

لم تكن تعرف مريم ابنة الـ 22 عاماً أن راتب والدها المتوفى لا يصلها كل شهر إلى أن تابعت دروساً في محو الأمية، وتعلّمت القراءة والكتابة، حينها بدأت البحث عن الأوراق الناقصة، لتقديمها للجهات المعنية. ومنذ ذلك الوقت، تحصّلت على الراتب شهرياً.

أما فاتن البالغة من العمر 25 عاماً، التي تابعت الدروس ذاتها، اكتشفت أن زوجها يجعلها توقّع على أوراق، من أجل بيع الذهب الخاص بها من دون علمها، وبعد أن تعلمت القراءة، قامت بالطعن بتوقيعها وأكدت أنها حينها لم تكن تعرف القراءة أو الكتابة واسترجعت الذهب.

مريم وفاتن هما بعض من فتيات ونساء كثيرات استفدن من «شبكة مصر للتنمية المتكاملة» أو ما تُعرف بـ «النداء»، مبادرة تهدف إلى تطوير المهارات، وتوفير فرص العمل بشكل مستدام في جنوب صعيد مصر وتحديداً في محافظة قنا، حيث يصل الفقر والبطالة إلى معدلات مرتفعة جداً. مبادرة «النداء» التي حصلت هذا العام على ترخيص يجعل منها «مؤسسة»، ويساعدها في استدامة مشاريعها على المدى الطويل تعتبر جزءاً من برنامج الأمم المتحدة للتنمية تحت مظلة وزارة التعاون الدولي في مصر.

قد تكون مناطق الصعيد من بين المناطق الأكثر فقراً في مصر، كما أنها ما زالت ترزح تحت وقع العادات والتقاليد، التي تُقيّد النساء وتجعل حياتهنّ تقتصر على البيت، والاهتمام بالعائلة، فالعديد من الفتيات في المناطق الريفية في صعيد مصر لم يرتدْن المدرسة أو أجبرن على مغادرة مقاعد الدراسة في سن مبكرة.

فبحسب استطلاع رأي عام 2011 عن الشباب في مصر، تبين أن 6.9% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 29 عاماً لم يذهبوا إلى المدرسة. قد تبدو النسبة صغيرة إلا أنها تُشكل 1.2 مليون مصري من هذه الفئة العمرية. وتُشكل الفتيات النسبة الأكبر من هذه الفئة حيث إن 11 % منهنّ لم يرتدْن المدرسة إطلاقاً أي أربع مرات أكثر من الشباب.

تعتبر الفتيات اللواتي لم يذهبن يوماً إلى المدرسة الأكثر حرماناً في صعيد مصر لا سيما أن غالباً ما ينتهي بهن المطاف بالزواج المبكر والعمل في المزارع مع رواتب ضئيلة ويعانيْن من مشاكل صحية متعددة كالحمل المبكر وسوء التغذية.

وفي محاولة لتغيير واقع حال الفتيات والنساء في الصعيد، ركّزت «النداء» بعضاً من مشاريعها على عاملَين أساسيين: العمل والتعليم.

تخبرنا نجلاء باخوم رياض، مسؤول مكون الخدمات الأساسية في المبادرة بفرع «قنا» أن أحد البرامج في المبادرة، التي انطلقت قبل خمس سنوات يكمن «في تعليم البنات القراءة والكتابة، ضمن دروس محو أمية إضافة إلى تعليمهنّ مهارات حياتية على غرار كيفية اتخاذ القرارات في تربية أولادهنّ وكيفية التعامل مع أزواجهن والاهتمام بمصاريف البيت، ما ينعكس على طموحاتهن وعملهن».

وتضيف رياض أن «مشروع محو الأمية للفتيات وتعليمهنّ المهارات الحياتية والخياطة والتطريز ساعد نحو 600 فتاة تتراوح أعمارهن بين 18 و35 عاماً من القرى الأكثر فقراً حتى الآن»، فبرنامج محو الأمية كما رأينا في الأمثلة، التي ذكرناها بداية المقال، ساعد النساء والفتيات على أخذ زمام الأمور والاعتماد على أنفسهن.

وتشرح لنا رياض أن الفتيات والنساء اللواتي ينهين برنامج محو الأمية ينتقلن إلى مركز التدريب المهني، حيث غالباً ما يتعلّمن التطريز والخياطة من أجل حثهن على العمل لاحقاً لجني لقمة العيش وإطلاق مشاريعهن الخاصة. كما تتضمن هذه التدريبات العديد من المهارات الحياتية مثل الصحة والتغذية، وإدارة المشاريع الصغيرة، والمهارات الاجتماعية.

وتشدد رياض على أن هذه النشاطات مستدامة بفضل الشراكات، التي تبرمها «النداء» مع المنظمات الأهلية المحلية، التي تتولى متابعة النساء والفتيات بعد انتهاء البرنامج والعمل على أن يستفيد أكبر عدد منهن من فرصة تغيير حياتهن.

من ضمن مشاريع «النداء» أيضاً، نجد المنتجات الحرفية التي تساعد النساء على بيع منتجاتها والحصول على بعض الأموال، ما يجعلهن مساهمات أساسيات في مدخول المنزل.

وتخبرنا رياض أن هذه المنتجات الحرفية اليدوية يتمّ جمعها من نحو 20 قرية في صعيد مصر مثل قنا والأقصر وسوهاج، مضيفة «تتنوع هذه الحرف اليدوية من الخيامية والطرمة والفوانيس والضغط على النحاس والصدف في خطوة لمساعدة النساء وإنما أيضاً لإحياء تراث الحرف اليدوية».

وتشرح أن أكثر من 300 امرأة يشاركن في صنع هذه المنتجات، وتشير رياض إلى أن «النداء» «توفّر بدل نقل للنساء اللواتي يتابعن التدريب على الحرفيات ومن ثم تبدأ النساء بتصميم منتجاتهن بحيث نوفّر لهم المواد الخام وحصة من ثمن كل قطعة». وتضيف أن «بعض النساء يعملن في المشاغل الخاصة بنا وبعضهن من منازلهن، كما أننا نتعامل مع الجمعيات الأهلية في القرى، حيث نسلّمها، متى تنتهي مدة برامجنا، الأدوات والماكينات لإدارة المشاغل وضمان الاستمرارية».

تشرح لنا رياض أنه «في المجتمع الصعيدي، المرأة يقتصر دورها على داخل البيت، لذلك أردنا أيضاً تمكينها اقتصادياً لأنه متى عملت، أصبحت تجني الأموال وتستطيع شراء ما تريده.

كما بات لها كيان ووجود ومتساوية مع زوجها، لأنها أيضاً شريكة أساسية». وتتابع «نساعدها على اتخاذ القرارات وإطلاق مشروع خاص بها حتى نسهم في تمكينها الاجتماعي. ووجدنا أن حتى الأزواج بدأوا يشعرون بالتغيير الحاصل مع نسائهم».

وبالحديث عن الرجال الذين غالباً ما هم من المحافظين في صعيد مصر، أشارت رياض أن طرق تنفيذ المشاريع الخاصة بالنساء أسهمت في تقبّلهم لها. وتشرح لنا قائلة: «لعبنا على نقطتين أساسيتين. أولاً الفتيات لا يبتعدن عن القرية.

وبالتالي بدا الأمر أشبه بذهابهن عند الجيران. أما النقطة الثانية، فهي استغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فكلما شعر الرجل أن المرأة تساعده اقتصادياً وفي أمور البيت، كلما كان الوضع أفضل». وتشير أيضاً أن فكرة منح الفتيات بدل انتقال لمتابعة حصص محو الأمية أو التدريب كان مشجعاً أيضاً ما أسهم في تقبّل المشروع من الجميع.

تمكين النساء لا سيما في المناطق الأكثر فقراً من مصر هو الهم الشاغل لمبادرة «النداء»، التي عملت وتعمل منذ سنوات على منح أكبر عدد من النساء فرصة التغيير وأخذ زمام أمور حياتهنّ، أكان لتطورها الشخصي أم للمشاركة الفاعلة في مصاريف البيت.

* كاتبة متخصصة بالقضايا االاجتماعية

 

 

Email