من الصين إلى مكة: رحلة ثلاثة أجيال الوجهة واحدة والظروف مختلفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نداء الحج يسمعه المسلمون من كل أنحاء العالم فيتقاطرون أفواجا لزيارة بيت الله الحرام وأداء ركن الحج الأعظم  مقبلين من كل حدب وصوب وافئدتهم تهوي الى مكة أقدس بقاع الأرض قاطبة.

وكغيرهم من مسلمي العالم لا يتوانى مسلمو الصين عن تلبية هذا النداء باذلين كل ما لديهم لتحقيق أمنية ظلوا يستعدون لها سنين طوال.

ويعيش نحو 23 مليون مسلم صينى من عشر أقليات قومية تدين بالاسلام فى منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم ومقاطعة تشينغهاى ومقاطعة  قانسو ومنطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوى وجميعها في شمال غرب الصين ومقاطعة يوننان بالجنوب الغربي وغيرها  من أكثر من 20 مقاطعة ومنطقة ذاتية الحكم وبلدية فى البلاد .

ومنذ انطلاق أول بعثة حج نظمتها الجمعية الاسلامية  الصينية في العام 1955 الى موسم حج عام 2010 طرأت تغييرات كثيرة على رحلة الحجيج إلى مهوى الأفئدة, تغييرات توضحها رحلة ثلاثة  أجيال من عائلة يانغ يان تشي .

من الطريق القديم الوعر الى الطريق الحديث السهل :


يحكي يانغ يان تشي أن أباه يانغ تشينغ جيه, وهو مسلم صيني يبلغ من العمر 85 عاما, قضى أكثر من أسبوع  على الطريق من بلدته إلى السعودية لأداء فريضة الحج, بينما استغرق يانغ الابن 11 ساعة فقط من نقطة البداية ذاتها . وعلى الطريق نفسه قضى جد زوجة يانغ يان تشي ويدعى "ما باي هوا" أكثر من نصف سنة ذهابا وإيابا .

جاءت هذه العائلة المسلمة من محافظة هاييوان بمنطقة نينغشيا. وتوجه الأب  يانغ تشينغ جيه الى السعودية للحج عام 1997 مستقلا  القطار من مدينة يينتشوان حاضرة نينغشيا الى بكين للاستعداد  قبل أسبوع  من موعد الرحلة الجوية, التي استغرقت 12 ساعة  لتحمله إلى بلد المشاعر المقدسة.
ومن عام 1985 الى عام 2004 كان المسلمون الصينيون الذاهبون الى الحج من منطقة نينغشيا يتبعون الأسلوب نفسه الذي اتبعه يانغ الأب , وتغير الحال بين عامي 2005 و2006 إذ أصبح الحجاج يستقلون الحافلات الى مدينة لانتشو حاضرة مقاطعة قانسو أو مدينة أورومتشى حاضرة منطقة شينجيانغ للسفر جوا الى المدينة المنورة وكانت رحلتهم تستغرق يوما واحد على الأقل .
أما في العام 2007 والأعوام  التي تلته فقد شهدت رحلة الحج نقلة نوعية إذ تيسر سفر مسلمي نينغشيا في ناحية المواصلات لأن مدينة يينتشوان أصبحت خامس نقطة  مغادرة لرحلات الطائرات  المستأجرة المباشرة الى الحج في العام نفسه بعد بلدية بكين ومدينة أورومتشى ومدينة كونمينغ حاضرة مقاطعة يوننان ومدينة لانتشو.

ويعد يانغ يان تشي نفسه محظوظا فقد سمع من المعمرين فى قريته ان بعض الحجاج في الماضي كانوا يركبون الحمير الى مدينة لانتشو أولا , ثم يعبرون ممر خهشي ومنطقة شينجيانغ ويمشون آلاف الكيلومترات الى مكة المكرمة وكانت الرحلة تستغرق سنة أو سنتين.

ويتذكر يانغ أن جد زوجته ما باى هوا كان أول حاج من بين أقربائه. واشترك ما باى هوا في فوج الحج المكون من 37 مسلما عام 1956, وتوجه الفوج الى السعودية عن طريق ميانمار والهند مستغرقا نصف سنة ذهابا وايابا.

ونظمت الجمعية الاسلامية  الصينية أول  بعثة من حجاج الصين الى مكة المكرمة لأداء الفريضة على حسابهم الخاص عام 1955 , وفي ذلك الوقت شارك نحو 20 مسلما في فوج الحج الأول . واستأنفت الجمعية تنظيم أفواج الحج عام 1985 بعد التوقف لفترة, واستخدمت الطائرات المدنية  المستأجرة لنقل الحجاج منذ عام 1989, في حين بعثت بالأطباء والمترجمين المرافقين لتقديم الخدمات. ومع مرور السنوات وصل عدد حجاج بيت الله الحرام من مسلمي الصين في عام 2010  إلى 13 ألفا توجهوا إلى السعودية على متن 41 طائرة مدنية مستأجرة لشركة الخطوط الجوية الصينية " تشاينا إيرلاينز " وشركة " تشاينا ساوثرن إيرلاينز " وشركة " تشاينا إيسترن إيرلاينز"   .

الحج ضمن الأفواج :

قال يانغ يان تشى " معظم أفراد بعثتنا الى الحج معمرون, وإن لم يكونوا ضمن بعثة حجاج  فمن الصعب أن يحققوا أمنيتهم بأنفسهم " .    وكان يانغ يان تشى ضمن فوج الحجيج عام 2009 حينما انتشر وباء انفلونزا " ايه اتش 1 ان  1" في أنحاء العالم. وشعر يانغ وقتها بالقلق خوفا من أن تلغى الرحلة. لكن الحظ حالفه ليحقق أمنيته أخيرا, فقد وفرت الصين لقاح الانفلونزا مجانا في العام نفسه لـ  12.7 ألف حاج من 27 مقاطعة ومنطقة وبلدية ورافقهم فريق طبي مؤلف من  40 طبيبا  بالاضافة  الى 150 عاملا  وخبيرا. وأعدت هيئة الفحص والحجر الصحى للدخول والخروج بمنطقة شينجيانغ "سجلات الصحة الالكترونية " للمسلمين المشتركين فى الفحص الصحى لتقديم الارشادات الصحية لهم .

وقال نائب رئيس الجمعية الاسلامية  بمقاطعة قانسو ما يو تشنغ الذي رأس فوج حجاج الصين لفرع مقاطعة قانسو إلى السعودية سبع مرات, ان كثيرا من المسلمين المحليين يأتون من الأرياف  ومن مناطق نائية,  وتنقصهم بعض معارف السفر, وبعضهم بمقدورهم قراءة القرآن الكريم لكنهم لا يفهمون العربية ولا يستطيعون التحدث بها ومن الصعب عليهم ان  يتبادلوا الحديث مع الأجانب .  ومع الرحلة التي تستمر أكثر من شهر من المحتمل ان يواجه هؤلاء مشكلات عند زيارة الطبيب وفي الاقامة والأكل والمواصلات وغيرها .
وذكر يانغ يان تشى انهم تلقوا تدريبات نظمتها  الجمعية الاسلامية المحلية في منطقة نينغشيا حول العادات والتقاليد السعودية وتعلموا  جملا  بسيطة باللغة العربية لإلقاء التحية كما وزعت الجمعية  )) دليل أعمال الحج (( لكل أفراد بعثة الحج قبل سفرهم .  

وجرت نفس الأعمال  فى فرع  مقاطعة قانسو أيضا. وبعثت الفروع  والجمعية الاسلامية  الصينية عاملين مرافقين لتقديم الخدمات والمساعدة فيما يتعلق بالترجمة وتوفير المواصلات  والحصول على الغذاء والاقامة والعلاج  , فضلا عن الترتيبات الأمنية  للحجاج .

وبينما  رافق عاملان  فقط فوج الحج في عام 1989 , تجاوز عدد العاملين المرافقين المئة في الوقت الحالي, وبينهم متخرجون فى معهد العلوم  الإسلامية  الصيني من المجيدين للغة العربية والعارفين بعلوم الدين.

وأنشأت الجمعية الاسلامية  الصينية مكتب الحج عام 2006 الذي يشرف على امور الحج بما فيها الحصول على جوازات السفر وطلب التأشيرات للحجاج بصورة موحدة ما حقق فعالية ملحوظة في تيسير المعاملات  الرسمية للحجاج .

وبعد وصول افواج الحجيج إلى السعودية, يقوم العاملون فى سفارة الصين هناك بزيارة الحجاج الصينيين لتعليمهم التقاليد السعودية ولوائح الحج. وتنشر السفارة معلومات الحج فى حينه وتنسق مع الحكومة  السعودية فى بعض الشؤون .

توفر الامكانات والاستطاعة  لمزيد من المسلمين الصينيين لأداء فريضة الحج:

أدى أكثر من 100 ألف مسلم صينى فريضة الحج من عام 1955 حتى عام  2008,  واتجه 12.7 ألف و13 ألف مسلم صينى الى مكة لأداء الفريضة فى عامى 2009 و2010 على التوالى.

وأفاد ما يو تشنغ بأن المسلمين كان عليهم في الماضي جمع المال لعشرات السنين للتمكن من أداء الركن الخامس من أركان الإسلام  ,  أما الآن  فيستطيع كثيرون منهم تحمل نفقات الحج .

وفي عام 2010 سلم كل حاج من فرع  مقاطعة قانسو 29.8 ألف يوان ) دولار أمريكى واحد يساوى نحو 6.6 يوان (  لدفع نفقات الرحلة الجوية فقط. ودفع كل فرد إجمالا  نحو 60 ألف يوان شملت شراء التذاكر والنفقات الأخرى .

وقال تيان شى فو, وهو فلاح  من قرية شيانغتشيوان بمدينة دينغشى فى مقاطعة قانسو, انه لتحقيق أمنيته الغالية زرع  مع زوجته البطاطس على مساحة 10 مو ) هكتار واحد يساوى نحو 15 مو ( من الحقول وأدارا دكان مستلزمات يومية فى مركز البلدة, ووفرا نحو 30 ألف يوان سنويا , ما مكنهما من السفر الى السعودية والحج في عام 2010.

وأضاف تيان شى فو ان مدينة دينغشى كانت معروفة بفقرها فى الماضى, "لكن اتيحت لنا فرصة تحقيق أمنيتنا بعد تحسن الظروف المعيشية حاليا ".
 

 

Email