في الجزء الثاني من شهادته على عصر القائد المؤسس

محمد القدسي: «الشروق» شاهد على إنجازات وإرث زايد

ت + ت - الحجم الطبيعي

يكمل المستشار الإعلامي، محمد القدسي، الذي رافق المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، طيلة 34 عاماً، غطى خلالها معظم نشاطاته وجولاته، داخل الدولة وخارجها، شهادته على أبرز المواقف والمحطات في مسيرة الإمارات، وقيام الاتحاد، كما يكشف عن رؤية القائد المؤسس في إنتاج أول فيلم تسجيلي للإمارات «الشروق»، الذي يعد شاهداً بالصوت والصورة، على إنجازات الشيخ زايد لدولة الاتحاد، وإرثه الخالد، ولماذا سمي بهذا الاسم، كما يتوقف عند الدور الذي لعبه الشيخ زايد في تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتوجيهات التي كان يتلقاها من الشيخ زايد، بشأن البرامج الشبابية التي قدمها على تلفزيون أبوظبي.

«البيان» التقته، وكان معه الحوار التالي:

كنت أحد أعمدة تلفزيون أبوظبي، اذكر لنا مهامك في هذا الصرح العملاق، وما مراحل تطويره التي عاصرتها؟

كانت بداية العمل يوم 6 أغسطس عام 1969، مع مباشرتي في تلفزيون أبوظبي يوم افتتاحه، من قبل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وكان وقتها ولياً للعهد، وقائداً لقوة دفاع أبوظبي، بمناسبة عيد الجلوس الثالث للمغفور له، الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وكنت قد تعاقدت قبل بدء الإرسال بثلاثة أشهر، مع مدير المحطة البريطاني كيث دانفورد.

حيث وقعت عقداً معه براتب قدره 220 ديناراً بحرينياً شهرياً، أما عملي، فكان في ترجمة نصوص الأخبار التي تصل من وكالة «فيزنيوز» مع الأفلام الخاصة بها يومياً من لندن، على أن أقوم أيضاً بإعداد النشرة ومونتاج أفلامها، ووصلها حسب الترتيب، وفي نهاية المطاف، أقوم بقراءة النشرة من استوديو صغير أبيض وأسود في استوديو التلفزيون، الذي كان يقع في الدور الخامس في عمارة الشيخ سرور بن محمد، بشارع الشيخ حمدان.

مسمى وظيفتي كان مذيعاً ومنتجاً، وكنت العربي الوحيد في المحطة، التي كانت تعتمد على عرض المسلسلات الأجنبية والأفلام الطويلة، وكرة القدم والمصارعة والأفلام الوثائقية، وغيرها مقاس 16 ملليمتر، ومصدرنا الوحيد كان شركة «بي.بي. سي»، ولارتباطي الرئيس بالنشرة الإخبارية، فقد كان لزاماً عليّ أن أنسق مع مصور التلفزيون الوحيد لتصوير أنشطة الشيخ زايد، رحمه الله، اليومية، وما كان أكثرها، إلى جانب الاجتماعات مع المسؤولين والزائرين العرب والأجانب.

وكان من حسن حظي، أن قمت بعد شهرين ونصف الشهر، من افتتاح التلفزيون بتغطية الاجتماع الرابع للمجلس الأعلى للاتحاد التساعي، الذي تم الاتفاق عليه في دبي في شهر فبراير عام 1968، حيث عقد هذا الاجتماع في مصيف أبوظبي يوم 21 أكتوبر عام 1969.

وتم تثبيت الكاميرا داخل القاعة، إلى أن جاء الحكام التسعة، وكان آخر من دخل قاعة الاجتماع، الشيخ زايد، رحمه الله، الذي سألني عن ترتيب تصوير الاجتماع، فأخبرته أنه بعد دخوله القاعة، سيتبعه المصور، ويشغل الكاميرا التي تغطي ساعة ونصف الساعة بالصوت والصورة، ويخرج حيث أقف خارج القاعة، فما كان منه، رحمه الله، إلا أن استغرب هذا، وقال لي إن الاجتماع ليس مغلقاً أو سرياً، وعليك أن تدخل، وتحضر وتكتب ما يجري، لأنك إعلامي، وتوزع الخبر على التلفزيون والإذاعة والوكالات، فتبعته إلى داخل قاعة الاجتماع.

وأخذت مكاني على كرسي خلف الحكام، أسمع وأرى وأكتب، وأنا مندهش من هذا الحرص، الذي رأيته لأول مرة من مسؤول كبير في مقام الشيخ زايد، رحمه الله، على أهمية دور الإعلام في الأحداث السياسية، مهما كان نوعها وأهميتها.

كلمة الافتتاح، ألقاها المغفور له الشيخ خالد بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة في ذلك الوقت، تناول فيها قدرة الإمارات التسع على إقامة اتحاد قوي، وأن انسحاب بريطانيا لن يضرنا، لأننا أسرة واحدة، وسيكون الاتحاد انطلاقة لتقدم شعبنا ورعايته وتعويضه عما فات، وكنت ألاحظ ابتسامة عريضة تملأ وجه الشيخ زايد، وهو يستمع لهذه الكلمة.

كان هذا الحدث، بمثابة بداية حقيقية لخطواتي الإعلامية في تلفزيون أبوظبي، حيث بدأت بمتابعة نشاط وتحركات وجولات الشيخ زايد، رحمه الله، في عملية بناء أبوظبي، ومن ثم إقامة الاتحاد.

وقد تم تكليفي بمتابعة كافة الاجتماعات الخاصة بقيام الاتحاد، وعلى أي مستوى، مروراً باجتماعات اللجان الفرعية، ولجنة إعداد الدستور المؤقت، وتغطية المؤتمرات الخارجية التي حضرها الشيخ زايد، رحمه الله.

من المعالم البارزة في طبيعة عملي في هذه المرحلة، انفرادي بعمل عدد من الأفلام التسجيلية، بناء على طلب من الشيخ زايد، رحمه الله، مثل فيلم «الغوص» و«مواقع الآثار» و«مزارع العين» و«السدود المائية» و«الجزر النائية».

وفي هذه المرحلة، التي أسميها مرحلة التأسيس والانطلاق، كان لي ظهور نشط من خلال التغطية الإعلامية الكاملة للاجتماع التاريخي في الجميرا، يوم 2 ديسمبر عام 1971، وإعلاني قيام الاتحاد.

كنت أحد المسؤولين عن إنجاز برامج تسجيلية عن المشاريع التنموية التي تنجزها الإمارات في عهد المغفور له، الشيخ زايد؟، هل من الممكن تسليط الضوء عن هذه الأفلام وطرق إنجازها وكيف كانت تتم؟

أطول وأول جولة اتحادية قام بها الشيخ زايد، رحمه الله، كانت عام 1973، وامتدت 37 يوماً، لم يترك مكاناً إلا زاره، ومشروعاً إلا تفقده، بصحبة إخوانه الحكام، وبعد ملاحظته عدداً من المراسلين والمصورين الأجانب يرافقوننا في تغطية جولاته، سألني، لماذا لا يقدم لهم تلفزيون أبوظبي ما يحتاجون إليه؟، فأجبته بعدم إمكان ذلك، وبدا مؤكداً أن هذا الأمر بقي في ذهنه، إذ ما إن انتهت الجولة وعاد لأبوظبي، أبلغني الأخ علي الشرفا مدير ديوان رئيس الدولة، بطلب الشيخ زايد، أن ينتج الديوان شريطاً عن دولة الإمارات، وأعطاه عنوان «الشروق»، في دلالة إلى أن الاتحاد كان بمثابة الشمس التي أشرقت على دولة الإمارات.

وكانت توجيهاته تدور حول تسليط الضوء على الإنجازات والمشاريع التنموية التي كانت تتم وفق رؤيته لدولة الإمارات، وخلال ثلاثة أسابيع، رافقت فريق استوديو هامبورغ، وتم التصوير كاملاً، ولحقت بهم بعد شهر لتسجيل تعليقي عليه. وكان رحمه الله، مسروراً لمشاهدته في قصر البحر، ويعد الفيلم شاهداً على إنجازات الشيخ زايد لدولة الاتحاد، وإرثه الخالد.

خاض تلفزيون أبوظبي مرحلة جديدة، تمثلت في «الإرسال الفضائي»، سلط لنا الضوء على هذه التجربة؟، وما البرامج التي كانت تذاع في ذلك الوقت؟

بداية الإرسال الملون كانت عام 1976، حين تم تدشين الموقع الجديد، وهو الحالي، بزيارة مباركة للشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، تجول فيه في كافة أقسامه واستوديوهاته، وكان يضحك وهو يشاهد تصوير مسلسل محلي بعنوان (الحيري في السوق) في الاستوديو.

وبدأت السياسة الجديدة في تطوير وتنويع البرامج محلياً وخارجياً، مع تعزيز الأجهزة الفنية بالأحدث في سوق الإعلام، كذلك الأمر بالنسبة لشريحة الأخبار، حيث اتسعت دائرة الوكالات العربية والأجنبية، التي توصلنا معها لزيادة مساحة المعلومة الإخبارية، لتشمل كافة أنحاء العالم، مع بداية اعتماد التواصل الإخباري المباشر عبر الأقمار الصناعية. وقد رافق هذه الطفرة، تطوير الشاشة، من خلال وجوه جديدة لها خبرتها وحضورها الإعلامي.

غير أن الإرسال الفضائي المباشر بثاً واستقبالاً مباشراً، بدأ عام 2005، بفضل الخطة التي وضعت من قبل في إعداد شريحة منوعة من البرامج التي تم إنتاجها، والمسلسلات المحلية، وعشرات الأشرطة التسجيلية حول الجزر وتشجير الصحراء ومواقع الآثار، إلى جانب تغطية التقلبات السياسية في الخليج والوطن العربي وأقاليم أخرى في أوروبا والعالم، وما زال تلفزيون الإمارات العربية المتحدة في أبوظبي، يتابع تواصله الفضائي محلياً وعالمياً، من خلال قنواته المتنوعة، ما بين الرياضة والدراما والمنوعات والتراث والتعليم والأسرة.

بعد انقضاء كل هذه العقود مع القائد المؤسس، الشيخ زايد، عدت إلى «بدايات» عملك مع قناة "الإمارات"، كيف ذلك؟

في محاولة لتوثيق صفحات من التاريخ الحديث للإمارات، ممثلة بصورة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، خططت ونفذت برنامج أطلقت عليه "بدايات"، التقيت في حلقاته الـ 50 شخصيات مرت أو عاشت في الإمارات قبل 40 إلى 50 سنة.

ومن حسن حظي، أن من اختارهم مواطناً أو عربياً أو بريطانياً أو فرنسياً أو هندياً، كانت لهم صلة بالشيخ زايد بطريقة أو بأخرى. وكان من ضيوف البرنامج، صحافي مصري، إلى جانب أول مذيعة في التلفزيون من مصر، والمهندس البريطاني الذي أشرف على تصدير أول شحنة نفط، وأول مواطن تسلم إدارة ميناء زايد، وأول موزع للأدوية وصل البلاد وفي جيبه 4 دولارات، ويملك حاليا مشفى كبيراً.

لك تجربة مع برامج الشباب، بتوجيهات من الشيخ زايد، رحمه الله، "نصائح وإرشادات إلى أبنائنا"، اسرد لنا هذه التجربة، وكيف تلقاها الشباب؟

بعد أداء اليمين الدستورية للحكومة الثانية للشيخ مكتوم بن راشد، رحمه الله، في الحديقة الخارجية لقصر المشرف في أبوظبي، نهاية أكتوبر 1976، وكنت أتولى نقلها للتلفزيون على الهواء مباشرة، فوجئت بوزير الإعلام، الشيخ أحمد بن حامد، آنذاك، يشير لي، وكان يجلس قرب الشيخ زايد، رحمه الله، على بساط، وقال لي، اسمع يا محمد، ما يريده الوالد زايد، فقلت أمرك، طال عمرك، فقال لي، من الغد أريدك تقديم برنامج في التلفزيون، تتكلم فيه عن الدراسة والكسل والتقصير والغياب والرسوب والتدخين ورفيق السوء والسهر ليلاً أمام التلفزيون، وغيرها.

ويكون اسمه "نصائح وإرشادات إلى أبنائنا"، فقلت حاضر طويل العمر، وغداً أقدمه الساعة السابعة وعشر دقائق، بعد أخبارنا المحلية، وبعد حوالي شهر، كنت أنقل من العين مباشرة، المهرجان الزراعي بحضوره، وعندما وصل مكاني، حيث أعلق على إنتاج العين، ابتسم وقال.. أحسنت. وإذا بالشيخ مبارك بن محمد، وزير الداخلية آنذاك، وكان يسير خلفه، يوضح لي أن كلمة "أحسنت"، هي لتقديمك البرنامج كما طلبه منك الوالد زايد.

احتفت دولة الإمارات باليوم الوطني لشعب الكويت الشقيق، ماذا تحمل ذاكرتك عن زيارة الشيخ زايد للكويت في عام 1991؟

كان استقبالاً رائعاً للشيخ زايد، رحمه الله، في الكويت، عند زيارته للتهنئة بتحريرها في يناير 1991، إن كان من قبل أميرها الشيخ جابر الأحمد، وحكومته، أو شعب الكويت الشقيق، وقام رحمه الله، بلقاء قواتنا المسلحة التي كانت أول قوة عربية استعدت للمشاركة في تحريرها، وتكريماً لدور الإمارات قائداً وجيشاً وشعباً، أفرد البيت الوطني الكويتي جناحاً خاصاً للإمارات.

وقال يوسف العميري رئيس بيت الكويت للأعمال الوطنية، إن الكويت وتاريخها، لن ينسوا وقفة زايد مع الكويت بالرجال والمال، وفتح بلاده أمام شعبنا، ولن ننسى أنه أمر برفع علم الكويت فوق جميع مدارس الإمارات، لذا، ليس جديداً علينا أن نرفع علم الكويت في سمائنا في يومها الوطني.

دور محوري للشيخ زايد في تأسيس «مجلس التعاون»

كُلف المستشار الإعلامي، محمد القدسي، بتغطية نشاطات مجلس التعاون، الذي انطلق في مايو 1980، واستمر بعدها في تقديم مزيد من الأفلام التسجيلية عن المجلس، ورافق الشيخ زايد، في أسفاره إلى بعض الدول الخليجية، ومؤتمرات القمة، وعن هذه الجولات، والدور الذي لعبه الشيخ زايد في تأسيس مجلس التعاون، يقول القدسي: للحقيقة والتاريخ، كان الشيخ زايد، والشيخ جابر الأحمد الصباح، أمير الكويت، رحمهما الله، محوراً رئيساً في قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث بحثا الفكرة لأول مرة في أبوظبي عام 1976.

وتابع القائدان اتصالاتهما حول الموضوع في أكثر من مناسبة، إلى أن دعا الشيخ زايد، رحمه الله، إخوانه إلى اجتماع على هامش القمة الإسلامية، التي عقدت في الطائف عام 1980، واتفقوا على ضرورة وجود تعاون وثيق بين دولهم لمواجهة التحديات التي كانت تواجه الخليج العربي، إلى جانب العمل على تقدم ورخاء دولهم.

وبعد اجتماعات لوزراء الخارجية في مسقط والرياض في فبراير، جاء اجتماع القمة في أبوظبي، الذي ترأسه الشيخ زايد، طيب الله ثراه، يوم 25 مايو 1981، ليعلن عن تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

ولم تكن هذه المبادرة الوحيدة في فكر الشيخ زايد، رحمه الله، إذ إنه تابع مسيرة إصلاح الصف العربي، لمواجهة ما يهدد الأمن القومي العربي، ومن هنا، جاءت مبادرته في القمة العربية في الأردن عام 1982، بضرورة المصالحة مع مصر، بعد القطيعة معها بسبب اتفاق كامب ديفيد، إلى جانب دعم لبنان والفلسطينيين، إزاء اعتداءات إسرائيل، وتعزيز العلاقات مع الدول العربية في شمال أفريقيا.

Email