قراءة في ديوان «زايد» تستجلي ما يجود به من درر تسرد مناقب وإنجازات القائد المؤسّس

زايد ومحمد بن راشد رابطة فريدة وشائجها الشعر والفروسية والمجد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الرابطة الفريدة التي جمعت بين المغفور له الشيخ زايد، رحمه الله، وبين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تستحق أن توثق ويكتب عنها وتستجلى تفاصيلها لأنها تؤرخ لمسيرة قائدين وتوثيق لأحداث وأخبار وطن اشتركا في صياغة أحداثه على مدى تاريخ حياتهما بحيث أصبحا علامة بارزة وبصمة واضحة في تاريخه الوطني.

فيكفي أن يذكر الشيخ زايد لتذكر معه كثير من المواقف والأحداث والسخاء والسجايا الإنسانية التي سطرها طوال حياته، بحيث عرف بها قائداً حكيماً وفذاً على مستوى عالمه العربي الذي لا يزال يتذكر هذا التدفق من الجود والعطاء والمواقف الإنسانية والوطنية والقومية، بحيث تجسدت صورة هذه الشخصية الفذة في عقل الإنسان العربي عامة بكل معاني الخير والعطاء والحكمة والإنسانية.

كما لا يمكن أن يذكر الشيخ محمد في معاصرتنا إلا وتذكر معه كثير من الأحداث والمواقف والأخبار التي رسمت وجسّدت صورته في عقل ووجدان المواطن العربي، ولا يمكن أن يذكرا أو أحدهما دون أن تذكر معهما تلك العلاقة القوية والرابطة المتينة والوشائج الممتدة والعميقة.

ومن أقدر من الشيخ محمد بن راشد أن يصوغ مثل هذه العلاقة بين الطرفين ويستجلي مواقفها التي تشكل تاريخاً عابقاً بينهما بأنفح الذكريات وأعطر المواقف التي نحن في حاجة إلى الوقوف على تفاصيلها ودقائقها التاريخية التي مرت عليها سنوات طويلة ربما نسي البعض شيئاً من هذه التفصيلات والدقائق.

علاقة فريدة

ومن أقدر من الشعر أن يصوغ تفاصيل هذه العلاقة ويؤرّخ لها ويوثقها بصورة أدبية تبقى بجانب تاريخها أدباً يستقر في وجدان المثقّف خاصة والمواطن عامة؛ لأن للشعر دوراً كبيراً في توثيق هذه العلاقة الخاصة والفريدة بين القائدين والتي هي -كما قلنا- جزء من تاريخ الوطن وتوثيق أخباره والتي تقف في صدارة هذا التاريخ لأنها بين زعيمين فريدين شاعرين استطاعا من خلال هذه العلاقة أن يصوغا كثيراً من التفاصيل والمواقف بينهما شعراً خالداً في الذهن والعقل والوجدان..

ومن يدرس قصائد الشيخ محمد بن راشد في الشيخ زايد يخرج بنتيجة واضحة وبصمة ثابتة من أن أشعار الشيخ محمد استطاعت أن ترسم صورة حقيقية للشيخ زايد في كثير من مواقفه في ذهن المتلقي بحيث من يقرأ هذه الأشعار تتجسد في ذهنه ووجدانه صورة واضحة لشخصية الشيخ زايد ومواقفه بحيث يغنيه ذلك التجسيد عن قراءة ما كتب عنه بحيث تجلي تلك الصورة كثيراً من تاريخ وأخبار الشيخ زايد التي عرفها الشاعر الشيخ محمد بن راشد ووقف عليها من خلال علاقته الخاصة به طوال فترة حياته بحيث .

كما يذكر الشيخ محمد في كثير من جلساته أنه ارتبط بالشيخ زايد ارتباطاً وثيقاً وتعرّف عليه عن كثب وبرزت من خلال هذه العلاقة في ذهن الشيخ محمد شخصية الشيخ زايد المحببة له والتي دخلت إلى قلبه ووجدانه وعقله كأعظم شخصية تاريخية عرفها في حياته.. هذه الشخصية التي تقف مع صف القادة التاريخيين الذين خدموا شعوبهم والإنسانية جمعاء، لأن من يقف على خصال وسجايا الشيخ زايد ومواقفه يدرك مدى عظم هذه الشخصية وما قدّمته لشعبها وأمتها من خدمات وما تتمتع به سيرته من مواقف عظيمة تجل عن الحصر بل يعجز اللسان عن وصفها.

فمهما قلنا ومهما كتبنا ومهما وثّقنا من أخبار ومواقف الشيخ زايد تبقى هناك مساحة كبيرة في شخصيته تحتاج إلى مزيد من الإيضاح والتوثيق لأن شخصية ثرية كشخصية الشيخ زايد تحتاج إلى كتّاب وأقلام ومساحات واهتمامات لاستجلاء كثير من دقائقها التي تبهر الذهن والقلب ومن يقف على بعض أقوال الشيخ زايد يدرك سر عظمة هذه الشخصية، فقد بث له موقع تسجيلاً يقول فيه إن بعض الناس قال له إنك تنفق بأكثر مما يدخل عليك فأجاب بأنني قادر على هذا الإنفاق لأن الله يعوضني أكثر مما أنفق.

ويكفي مثل هذا التعليق منه -رحمه الله- لأن يرسم له في ذهن المتلقي صورة واضحة المعالم في جوده وسخائه وثقته في موعود الله بتعويض ما أنفقه من أموال وعطايا.

أشعار جميلة

ولقد استطاع الشيخ محمد بن راشد كما قلت لمدى قربه من الشيخ زايد أن يجسّد صورته ويستجلي مواقفه لأنه ليس هناك من هو أقدر من الشاعر الشيخ محمد أن يترجم شعراً أفعال وأعمال الشيخ زايد ويرسم صورته، كما أدركها ووقف عليها بنفسه لأن القرب والعلاقة الوثيقة بين الرجلين تعطي مجالاً للشيخ محمد أن يقول عنه ما قاله وأن يرسم له هذه المشاهد الحقيقية التي تبرز الشيخ زايد في صورته التي وقف عليها الشيخ محمد وترجمها إلى أشعار جميلة ومتميزة.

فمدى هذه العلاقة كفيل بأن يولد مثل هذا التجسيد لشخصية الشيخ زايد التي برزت من خلال أشعار الشيخ محمد، الذي كان يقول إن الشيخ زايد خصّه بمرافقته في جميع اجتماعاته ومؤتمراته الخارجية ليس لمجرد الحضور فقط، وإنما لثقة الشيخ زايد في قدرات وإمكانيات الشيخ محمد حيث كان يستشيره ويتعرف على رأيه في كثير من القضايا والأمور المعروضة.

وكان الشيخ محمد حريصاً لمدى هذه الثقة به أن يعرض الرأي الصحيح والمدروس على الشيخ زايد ليتبنّاه في مثل تلك الاجتماعات والمؤتمرات وذلك ما أفاد الشيخ محمد أيضاً طوال فترة حياة الشيخ زايد وحضوره لمثل هذه المنتديات الهامة بحيث شكلت زخماً من المعلومات فإذا ما أقدم على اتخاذ قرار فإن لديه منه حصيلة تاريخية من مواقف وقرارات قضاها بصحبة الشيخ زايد في كثير من القضايا المعروضة..

وكثيراً ما يعبّر الشيخ محمد عن الشيخ زايد بأنه كوالده إذ يتعامل معه على هذا المعنى والنهج الذي يراه فيه، وكان الشيخ زايد في المقابل يتعامل مع الشيخ محمد كولده سواء بسواء، ومعنى ذلك أن سبيل التعامل مفتوح بين الاثنين على مصراعيه من الصراحة والحب والقبول بين الطرفين.

وإنك لتجد هذا المعنى واضحاً في سيل قصائد الشيخ محمد عن الشيخ زايد دون كبير عناء إذ يتضح سيل هذا الحب المتدفق من أول أبيات كل قصيدة إلى آخرها بحيث يخرج القارئ بهذا التأثير من خلال ما نظمه الشيخ محمد من قصائد في الشيخ زايد إذ بقي هذا الحب والتفاني فيه معلماً من معالم قصائده ويكفي أن يكون هذا الحب الصافي والمتدفق نابعاً من مشاعره كابن يمدح أو يتحدث عن والده وتلك أثمن عاطفة في الوجود.

يقول الشيخ محمد:

يا أملنا إن دجى الليل البهيم

ويا ضيانا ويا دوا لجراحنا

أنت قايدنا المقدم والزعيم

وانت يا فرد الزمان جناحنا

من سخا كفك بلادي في نعيم

في مسانا دايم ومصباحنا

نبع سيال

ولقد استطاع الشيخ محمد بن راشد أن يُبرز في هذه القصائد كثيراً من معاني هذا الحب من وجهين: الأول تدفق هذه العاطفة بهذا النبع السيال من الحب والوجدان، بحيث إنك لا يمكن أن تلمس مثل هذا الحب فيما قيل في غير الشيخ زايد أو مما قيل فيه من غيره من الشعراء، إذ تتضح وتتوقد هذه العاطفة في أشعار الشيخ محمد، وتلمسها في كل كلمة وجملة وبيت إلى آخر كل قصيدة، والوجه الثاني: كثرة ما قاله الشيخ محمد من قصائد في الشيخ زايد، إذ تمثل هذه القصائد حصيلة ثمينة من قصائد الشيخ محمد، إذ بلغت 87 قصيدة مختلفة ومتنوعة على مدى عمر الشيخ زايد، وبعد وفاته، رحمه الله، بحيث تعطي هذه القصائد مجالاً لتقرير مدى هذا الحب المتدفق في قلب الشيخ محمد لممدوحه الشيخ زايد.

لأن 87 قصيدة كمّ معتبر من القصائد يبين عن هذا السخاء الشعري والحب النابض فيه لممدوحه طيلة تلك المدة، ولا يزال هذا الحب متأججاً في نفسه إلى هذا الوقت، بحيث تفيض آخر قصائده فيه بحرارة هذا النبض وزخمه دون فتور فيه، ولقد تتبعت من خلال متابعتي قصائد الشيخ محمد ودراستي كثيراً من القصائد التي قيلت من قبله في الشيخ زايد فوجدتها من عيون قصائده وأجملها وأكثرها دفئاً وحرارة وحبّاً وعاطفة، بحيث تلمح ذلك من خلال كل قصائده في هذا المنحى، لأنها تصدر لديه عن عاطفة جيّاشة صادقة، وأكثر ما لفتني في رثائه للشيخ زايد قصيدتان، الأولى نبطية يقول فيها:

ضميت طيفك وكنت انت محل الطيف

محال أني أضم الطيف وآضمّك

لو كان بيني وبينك مثل حد السيف

باحط عنقي ع حد السيف واشمك

يا بوي يا ضيف ع الرحمن وأغلى ضيف

آشوف زولك ولكن ما اقْدَر آلمّك

إلى أن قال:

يا وين زايد ومن للضيف من للسيف

راس الرجال الكبار وفاتني ضمّك

عظيم في الناس مثلك سيدي ما شيف

في طيب نفسك وفي صبرك وفي عزمك

يا رب أسألك عنا الصبر والتخفيف

وان تسكنه في الجنان ويشمله حلمك

والثانية بالعربية الفصحى وهذه من أروع قصائد الشاعر يقول فيها:

زلزل الأرض مصاب العربِ

وتلاقى شرقها بالمغربِ

وغدا عاليها سافلها

فهي في حزنٍ وأمرٍ عجبِ

ورعودٍ وبروقٍ حفلت

بظلامٍ وبليلٍ مرعبِ

إلى أن قال:

نم قرير العين بعد التعبِ

يا أبي الأكبر من بعد أبي

أنت ما كنت لشعبي قائداً

بل زعيماً لجميع العربِ

وقد صدّر الشاعر الشيخ محمد الديوان بأحد أبياتها:

لم يكن زايد فينا واحداً
بل هو الأمة حين النّوبِ

وأجمل أبياتها هذا البيت الذي يقول فيه:

مَلَكــاً كُنـــتَ لنَــا لا مَلِكَـاً

فـــي تُقَـى شيــخٍ وأخلاقِ نَبـــي

واعتمل في ذهني حينها بيت للشاعر نزار قباني في رثاء والده يقول فيه:

أمات أبوك ضلال أن لا يموت أبي

ففي البيت منه روائح ربٍ وذكرى نبي

صفات وسجايا

فقارنت بين البيتين مقارنة دقيقة، حيث جاء الشاعر نزار بقوله «وذكرى نبي»، وذلك لا شك استعمال جيد وجميل، ويبين عن المعنى المقصود من شاعر كبير، وهذه القصيدة تعد من أجمل وأفضل قصائد الشاعر نزار، ولكنني حين أقارن بين البيتين أجد أن بيت الشيخ محمد تميز عن بيت الشاعر نزار، فإن الشيخ محمد ذكر أخلاق نبي، لأن أخلاق الأنبياء متميزة، وعلى درجة من العلو الذي لا تدانيه أخلاق غيرهم من سائر البشر.

فدقة اختيار الشيخ محمد معانيه جعلته يرسم صورة أخلاق الشيخ زايد بهذه الصورة التي ذكرها في هذا البيت، والتي تتفوق على ما أورده الشاعر نزار قباني في بيته الآنف الذكر، ويكفي هذا في الدلالة على قوة وعمق اختيار الشيخ محمد لمعاني كلمات قصائده ودلالتها التي تميز بها في شعره سواء النبطي أم الفصيح، فالشيخ محمد شاعر نبطي من الطراز الأول، ومن الصف المتقدم في فنّه الذي برز فيه واشتهر به، وأنتج فيه كثيراً من جميل قصائده وروائعه، بحيث برز في الساحة شاعراً نبطياً متميزاً لا يجارى له مضمار ولا يشق له غبار.

كما أنه برز بالقدر ذاته على أنه شاعر فصيح متمكن له القصائد الجميلة والمتميزة في هذا المعنى، ربما لا يقل عن شعره النبطي الذي توضحت من خلاله قدرات الشيخ محمد، بحيث برز فيه كأحد أهم شعرائه على المستوى المحلي والخليجي، وإن كان ذلك لا يمنع من أن أعتبر الشيخ محمد شاعراً نبطياً وفصيحاً مع بعضهما، بحيث لا يقلل الشعر النبطي من شعر سموه الفصيح، وإنما يتكامل النمطان مع بعضهما، لينتجا لدينا شاعراً بمواصفات متطابقة ومتميزة في الشعر النبطي والفصيح معاً.

وتلك قدرة فائقة بأن يتميز الشاعر في كلا الفنّين بذات القدر والإمكانية، بحيث إذا نظرت إليه من خلال شعره النبطي وجدته شاعراً نبطياً متميزاً ورائداً في فنه، وإذا نظرت إليه كشاعر فصيح وجدته شاعراً فصيحاً متميزاً ورائداً في فنه، لأن الملاحظ أن الشاعر إما أن يكون نبطياً أو فصيحاً، وقلما تجد من يجمع بين هذين الفنين إلا القلة النادرة من الشعراء، أما الذي يتميز في أحد الفنين ويبرز فيه ويكون تميزه في الفن الآخر ليس بذات القدرة والإمكانية، أي بمعنى أنك تنظر إليه كشاعر في أحد الفنين فقط، وذلك ما لا ينطبق على حال الشيخ محمد بن راشد الذي تميز في كلا الفنين.

وبرز فيهما كشاعر رائد ومتمكن وقادر على إنتاج الدرر الثمينة من شعره، لا أقول ذلك مجاملة له، وإنما من خلال تخصصي في دراسة كثير من أشعاره، واطلاع متعمق فيها والوقوف على محاسنها، فأنا لا شك من المعجبين بقصائد الشيخ محمد إعجاباً كبيراً، سواء في نبطيه أو فصيحه، وللشاعر في مقدمة الديوان قصيدة رائعة في الشيخ زايد.

وهي قصيدة حديثة جمع فيها كثيراً من خصاله ومواقفه، وتحدث فيها بإسهاب كبير عنه، إذ بلغت مدى واسعاً من الأبيات، حيث تجاوزت الثمانين بيتاً، جمع خلالها كثيراً من الصفات والسجايا للشيخ زايد، بحيث غدت هذه القصيدة صورة واضحة لهذه الشخصية العظيمة التي عاصرنا إنجازاتها.

وتعرفنا إلى خصالها ومعانيها الكريمة، من خلال ما شاهدناه من مواقفه وتصرفاته في كثير من الأمور، يبدؤها الشاعر بأنه ذكر الشيخ زايد، وعند ذكره بدأت صورة الوقت الماضي الذي عاشه معه ترجع إلى مخيلته كأحدث ما تكون الصورة.

ذكَرتْ زايدْ وإبتدىَ الوَقتْ يرجَعْ

وشافتْ عيوني بوَجهْ زايدْ مِناها

وأجمل أبياته فيها قوله:

حتى الحجر عن إسم زايد تسمّع

له يشهد التاريخ أنه فتاها

عطاء متجدد

سمع عنه الحجر لفرط شهرته وشجاعته، وشهد له التاريخ أنه فتى الشجاعة وناسب قوله فتى لفظ الشجاعة، لأن الشجاعة تحتاج إلى قوة الفتى وقدرته، ثم ينتقل في أبيات تالية للحديث عن كرمه وجوده، ويجعل منه الشاعر نفعاً للناس دائماً وأبداً، فما حدث منه يوماً ضرر للغير مطلقاً، وإنما هو خير كله نافع لهم وحيد بفعل الخير، وبمستوى ما يقدمه للناس من هذا العطاء المتجدد، يقول الشيخ محمد:

وإذا تضِرْ النَّاسْ هوُ بَسْ ينفَعْ

نفسِهْ وحيدِهْ بفعلها ومِستواها

النَّاسْ تاخذْ مِنهْ مايومْ تِدفَعْ

وإذا عطاها رَدْ تالي وعطاها

يذكر الشاعر أن الشيخ زايد يعطي بصمت دون ضجيج بعكس الغيم الذي يقرقع فيه الرعد، قبل أن ينزل ماؤه على الأرض في مواسم معينة من السنة، وبعض المواسم ينقطع الغيث والحيا ويصاب الناس بالجفاف، لكن عطاء زايد مستمر طيلة المواسم كلها بلا انقطاع، يقول الشيخ محمد:

وبينِهْ وبينْ الغيمْ رعدٍ تقَرقَعْ

يعطي بِصَمتْ وهيهْ ترعِدْ بماها

ولها مواسِمْ بعضْ الأعوامْ تِقطَعْ

وزايدْ بلا موسمْ يمينِهْ بسخاها

ويقف الشيخ زايد من حاجات الناس، كما يذكر الشاعر موقف المفرج لكرباتهم، إذا ضاقت عليهم الدنيا، وشحّت في وجوههم الأيام، يكفي الناس حاجاتهم ومتطلباتهم الحياتية، يقول الشيخ محمد:

وإنْ ضاقتْ الدِّنيا علىَ النَّاسْ وسَّعْ

وإنْ شحَّتْ الأيَّامْ زايدْ كفاها

لا تهمه الدنيا في شيء، فلم يترك لنفسه أن يتمتع بمظاهر نعيمها ومتعها، وهي لا شك متاحة له لو أراد، ولم تكن الأموال لديه غاية بل وسيلة يراها لتحقيق سعادة الناس ورفاهيتهم، ولا شك أن تلك غاية بعيدة من السخاء والتجرد فيه، بحيث يكون وفاء حوائج الناس غاية لدى الإنسان المقتدر، وأن الأموال في ذلك وسيلة لتحقيق هذه الغاية المبتغاة دون أن تكون في حد ذاتها مطلباً، يقول الشاعر:

ماهَمِّتِهْ الدِّنيا وبها ما تِمِتَّعْ

والأموالْ مَبْ غايِهْ وسيِلهْ يراها

عين الشاعر

وأوضح ما يحدد صورة الشيخ زايد في عين الشاعر هو تأسيسه للاتحاد، حيث وحد هذه الإمارات المتفرقة، وسلك بها عقداً من الوحدة والتآلف على الخير، عندما دعا الإمارات قادةً ومحكومين إلى هذا الاتحاد في سنة 1971م، إذ وقع عقد الخير وأمضاه مع إخوانه الحكام المؤسسين، يقول الشاعر:

هوُ للتِّوَحدْ في الإماراتْ يجمعْ

يومٍ بلادهْ لإتِّحادِهْ دعاها

في واحدْ وسبعينْ بالخيرْ وَقَّعْ

علىَ عهودٍ بالرِّجولِةْ رعاها

صنَعْ وطنْ مهيوبْ مافيهْ مطمَعْ

لِهْ جيشْ يحمي حدودها مَعْ سماها

ويذكر أنه ساهر على مصلحة شعبه يحرم عينه لذة النوم، إذ إن وقته مليء بالأعمال والمسؤوليات الجسام، ولم يكتفِ، رحمه الله، بما حققه من وحدة الإمارات، وإنما تطلع إلى أن يتحد الخليج عامة، فقام بدعوة الحكام لهذا الاتحاد الخليجي، فعقد لتحقيق ذلك اجتماعاً في أبوظبي لتحقيق هذا الغرض المهم، وذلك إشارة من الشاعر إلى أول اجتماع لمجلس التعاون الخليجي يعقد بأبوظبي:

النَّاسْ لهْ تتبَعْ ولأمرَهْ إتِّسَمَّعْ

عينِهْ ما تِشبَعْ لأجلنا منْ كراها

وأمستْ لنا دانهْ منْ النُّورْ تلمَعْ

وغَلَبْ شعاعْ الشَّمسْ ساطِي سناها

ومنْ بعدْ توحيدهْ لدارَهْ تِطَلَّعْ

صوبْ الخليجْ وللجزيرهْ ودَعاها

وفي بوظبي لأهلْ السياساتْ جَمَّعْ

قَصدِهْ يوحِّدها وتوصَلْ رجاها

ويذكر الشاعر وقفته الشامخة أثناء غزو العراق للكويت، وتصريحه في ذلك الوقت بأن الكويت دولة حرة مستقلة، ولا بد من أن ترجع إلى أصحابها:

ويومٍ غزا صدَّامْ الكويتْ وأتْبَعْ

جيشهْ إلىَ الخَفجي بشَرَّهْ نواها

والنَّاسْ في محنِهْ وقَفْ ماتزعزعْ

والحَربْ مشتدِّهْ وتطحَنْ رحاها

وقالْ بصريحْ اللفظْ لابِدْ ترجَعْ

الكويتْ حرَّهْ مستقِلِّهْ لحْماها

ويذكر اهتمام الشيخ زايد بالزراعة، فقد قام بجهد كبير في ذلك، فزرع الصحراء حتى غدت من بعد أن كانت جرداء جنة خضراء يفوح ترابها برائحة المسك، يقول الشاعر:

ومنْ عقبْ صحرا وسْطَها اللالْ يلمَعْ

غدَتْ لنا جنِّهْ ومسك ٍ ثراها

زايدْ نقَلها مِ البداوَهْ وطَوَّعْ

رمولها ومنْ فيضْ جودهْ حياها

قصيدة جميلة

ويستمر الشاعر على هذا المنوال من توثيق سجايا الشيخ زايد ومعانيه الكريمة ويختمها بأن زايد ليس إنساناً جاء الحياة وودعها كبقية الآخرين، لكنه في يقينه بأن زايد حكاية يفتخر بها كل من رواها وتحدث عنها، تبهر سيرته ويعطر تاريخه بالمفاخر مثل الكواكب في أفق السماء

زايدْ ماهوُ شخصٍ لفانا وودَّعْ

زايدْ حكايِهْ يفتخِرْ منْ رواها

معجزْ كتابِهْ يشبَهْ الفَجْرْ وأنصَعْ

يبهِرْ كتابِهْ وسيرتِهْ وما حواها

وتاريخْ عاطرْ بالمفاخرْ مِشَبَّعْ

مثلْ الكواكِبْ في عوالي سماها

ولقد استطاع الشاعر الشيخ محمد بن راشد أن يلخص كثيراً من معاني الشيخ زايد وسجاياه وخصاله في هذه القصيدة الجميلة والمعبرة، حيث غدت تجسيداً لصورته وما يتمتع به من هذه القيم والمبادئ والخصال، حيث جعلت القارئ يقرأ هذه السجايا قراءة نابضة بالزخم والحياة والتناغم، حيث يمكنني أن أعدّ هذه القصيدة من أجمل قصائده جميعاً وأرقها وأحلاها وأعمقها وأبعدها مدى في الحديث عن معاني وصفات الشيخ زايد.

حيث تغنيك عن قراءة سيرة هذه الشخصية في كتب أخرى، إذ تكفيك هذه الجولة الجميلة والحية في شخصية الشيخ زايد ومعانيه ومواقفه من خلال هذه القصيدة لتكوّن فكرة عامة عنه في كثير من الجوانب والمجالات. ولو أراد الكاتب أو المطلع أن يكتب سيرة ويرسم صورة لهذه الشخصية من خلال ما أورده الشاعر في قصيدته لاستطاع بكل يسر وسهولة وتمكن، إذ لم يترك الشيخ محمد مجالاً أو منحى من مجالات أو مناحي الشيخ زايد إلا ورسمه في تلك الصورة من الجمال والتميز والريادة الشعرية التي تعطي السبق والتمكن:

الخَلقْ في عهدِهْ منْ الخيرْ ترتَعْ

حتىَّ البهايمْ م ِ العطا ما نساها

بأنهارْ عَشرٍ منْ أياديهْ تِنَبَعْ

ويفيضْ منْ عَشرْ الأصابِعْ عطاها

مايعتريهْ الضَّعفْ أوْ يومْ يخضَعْ

إذا العَرَبْ خوفْ وتخاذِلْ عراها

عون وسند

والشيخ زايد رحمه الله لم يقصر مع العرب والمسلمين جميعاً فقد كان لهم عوناً وسنداً، حيث لبى كثيراً من متطلبات الحياة في بلدانهم بشكل ملفت للنظر، فأينما ذهبت وجالت عينك وجدت له كثيراً من هذه المكارم والمفاخر منتشرة في كل مكان تشير بأصابع العرفان والرضى إلى ما فعله وقدمه الشيخ زايد رحمه الله.. لقد كان قريباً من الشعوب يتلمّس حاجاتهم ويلبي كثيراً من متطلباتهم بأشكال مختلفة، بنى المساجد والمساكن والمستشفيات والمدارس وشق الطرق وبنى السدود إلى غير ذلك من حاجات الحياة.

حيث غدا الشيخ زايد الشخصية العربية الأهم على مستوى القادة التاريخيين الذين سطروا بحروف من نور صفحات تاريخهم، والذي بات لا يختلف اثنان عليه سواء في وطنه أو أوطان العروبة جمعاء. ويكفي أن يسجل اسم هذه الشخصية على معلم إعادة بناء سد مأرب العظيم الذي بقي منذ تاريخ انهياره إلى أن أقام صرحه الشيخ زايد ثانيةً.

وجمع من خلاله سيول المياه المتدفقة لزراعة الأرض وخدمة أهلها إلى كثير غير ذلك من الإنشاءات والعمران الذي زخرت به مدن العرب وقراهم، والذي يشهد لهذه الشخصية على ما قامت به وما قدمته من خير وكرم وسخاء وعطاء والذي لا شك تميزت به في دنيا الناس بشكل ملفت للذهن والعين والضمير:

يقول الشيخ محمد:

طاير السعد سجّل لاتمل القصيد

عن كبار المفاخر والعطايا الحسان

لليمن كان زايد بالمكارم يفيد

مثلما كان تبّع في جديم الزمان

بانيٍ سدّ مأرب باعثه من جديد

عقب ما كان ماضي في سواليف كان

ويتفاعل الشيخ زايد رحمه الله بصدق وإخلاص مع قضايا الأمة ونكباتها. وكم كان مؤلماً له أن يراها تكتوي بنار هذه الظروف، فكان يقوم بدور الناصح والمعلم والقائد والباذل من جهده وفكره وماله ومقدراته في سبيل تقوية جانب الأمة ومصالحة الأشقاء فيها.

وكان من أجل ذلك أطلق عليه لقب حكيم العرب، وذلك ما لم يحظ زعيم غيره بمثل هذا اللقب الجميل والمعبر عن حقيقة هذه الشخصية ومواقفها العظيمة.. وأكثر ما كان يؤلمه ويقض مضجعه وضع الشعب الفلسطيني وما يتعرض له من ظلم وويلات.

فقد كان رحمه الله في مستوى هذا الحدث بوقفاته الشامخة والمؤثرة مع الشعب الفلسطيني في كل أزماته. وقد أرخ الشيخ محمد لذلك في قصيدته التالية التي تحمل وقفة الشيخ زايد مع أبناء القدس ودعوة الشعوب العربية للصمود في وجه هذا العدوان الغادر حماية للمسجد الأقصى وحفاظاً على قدسيته.

فقد كانت للشيخ محمد في هذا الديوان قصيدة رائعة قوية مؤثرة بالغة التأثير تفور من حرارة عاطفتها، وذلك عندما اشتد الظرف بأهل القدس من جراء العدوان الإسرائيلي عليهم نظمها الشيخ محمد بن راشد حيث يقول فيها:

شاهدت وجوه العد

الي دمهم بارد

نفسي للأقصى فدا

وين النبي ساجد

وينعي على المسلمين عددهم الكبير وضعف تأثيرهم في مجرى الأحداث

مليار متعدّدا

ويعوزنا واحد

ويتمنى لو أن المسلمين أخذوا بكلمة الشيخ زايد ولبوا نداءه في الصمود في وجه العدوان والذود عن حياض الأقصى:

كـلمـة شـرف تشهدا

كـم قـالـها زايــد

مـا نـتـرك المسجـدا

وعـن حقّـنـا نْجاهـِد

إلى أن يقول:

زايد يعرف الجدا

سيروا ورا القائد

درة ثمينة

ويبين من خلال هذه القصيدة مدى سبر الشيخ محمد بن راشد لخصال الشيخ زايد وإلمامه بقيمه ومبادئه وصفاته وسجاياه بحيث صاغ فيه هذه الدرة الثمينة من القصائد النبطية التي ستبقى طويلاً في ذهن المتلقي، والتي لم يتسنَ لشاعر قبله أو معاصر له بأن يأتي في وصف الشيخ زايد بمثل ما أتى به الشيخ محمد بن راشد عنه في هذه القصيدة الغراء ذات النفس الطويل التي وصلت إلى أكثر من 80 بيتاً،.

فالمطولات من القصائد نفس شعري للشعراء المتمكنين الذين لا يقدر عليه غيرهم من الشعراء العاديين إذ يتاح للشاعر من خلالها أن يقول كثيراً مما يريد قوله ويصوغ فيها جماً من المعلومات والمعارف بحيث يعطي القارئ مجالاً لأن يجول فيما ينقله ويرويه في جانب الممدوح من معلومات ويصوغه من سجايا وخصال،.

كما حدث للشاعر الشيخ محمد بن راشد في هذه القصيدة الغراء التي روى فيها جماً من المعلومات ورسم فيها صفات وسجايا الشيخ زايد بما يتسنى للقارئ لأن يطلع على مميزات هذه الشخصية ومواقفها ويكون فكرة عامة عنها وذلك ربما ما لا يتاح للشاعر في القصائد العادية وتعتبر المطولات.

بالإضافة إلى ذلك اختباراً لقدرة الشاعر وإمكانيته اللغوية والشعرية والمعرفية، وقد نجح الشاعر الشيخ محمد في هذه القصيدة المطولة، وفي غيرها من مطولاته سواء أكانت في الشيخ زايد، رحمه الله، أو في غيره ذلك من القصائد.

ولقد أحسن الشاعر صنعاً، إذ جمع هذه القصائد كلها في ديوان واحد ليكون تحت يد القارئ مجموعاً ليجول خلاله في معالم شخصية الشيخ زايد وصفاته، فيما نظمه عنه الشيخ محمد بن راشد لأن بعض القصائد التي قيلت من قبل الشاعر في الشيخ زايد مر عليها زمن طويل وربما هي غير متوفرة لكل قارئ ولكن جمعها في ديوان واحد أتاح للمتتبع الإطلاع عليها جميعاً في مكان واحد وتجواله فيها معاً بحيث تعطيه مجالاً للمقارنة والدراسة والتعرف إلى ميزات الممدوح.

وذلك ما لا يمكن أن يكون لولا جمع الشيخ محمد لهذه القصائد مع بعضها ونشرها في هذا الديوان المتميز فكل من أراد أن يعرف عن الشيخ زايد من منظور شعري ومن خلال نظرة شاعر مجيد فالديوان بكامل قصائده متاح له أن يقرأه ويعمل فكره فيه، وهذه إحدى فوائد الجمع والتوثيق إذ يتيح مجالاً للتعرف إلى الموضوع المطروح من خلال هذه القصائد المنشورة معاً.

والدعوة عامة لجميع المثقفين والباحثين لأن يدرسوا هذا المنتج الشعري والأدبي ويكتبوا عنه لأنه فرصة ثمينة متاحة للحديث عنه من قبل المهتمين من جمهور المطلعين والمثقفين في الإمارات ليثروا مادة هذه الشخصية التي نجلها ونكبرها ونتفانى في حبها ونتغنى بذكرها والإشادة بها دائماً وأبداً لأنها جزء من كياننا الذي عشنا فترة من العمر في ظل رعايته واهتمامه فكان لنا قائداً وزعيماً وأباً رحيماً خلدناه في أعماقنا حياً وميتاً رحمه الله.

حب متدفق

وحديث الشاعر عن الشيخ زايد حديث العارف القريب من هذه الشخصية قرباً يؤهله أن يقول فيه ويمدحه بما هو مطلع عليه فيه خاصة وأنه شاعر يملك أدوات الشعر ويمتلك ناصيته وذلك من جهتين أولاً لكونه قريباً منه ويعلم من خصاله وصفاته وقيمه ما يمكنه من الحديث عنه والإشادة به، ثانياً لأنه شاعر استطاع أن يصوغ مثل هذه الدرر الكريمة في قائده وزعيمه ورفيق دربه منذ يفاعة سنه وحتى وفاة هذا القائد رحمه الله.

وللشيخ محمد قصائد متبادلة مع الشيخ زايد بن سلطان، إذ يعتبر الشيخ زايد شاعراً مجيداً له قصائد جميلة ومتميزة في كثير من المناحي والفنون، وقد تضمن الديوان شيئاً من هذا الغرض.

وفي مقدمة الديوان يسطر الشيخ محمد أبياتاً جميلة تبين عن حب متدفق للشيخ زايد في قلب الشاعر بحيث يبقى الشاعر كل ليلة مستظلاً باسمه من هجير فراقه ويبقى الممدوح رحمه الله حاضراً في قلب الشاعر في كل ليلة، حيث يرتسم وحده في شعوره دون غيره من الناس، ويذوب الشاعر في خضم هذا الشعور الذي يتصور فيه أنه يتلمس يده ويحمله في عينه وليس ذلك بغريب عليه لأنه كما يذكر أبوه وخاله وشيخ جميع العصور.

أسْتِظِل باسْمْ زايِدْ كِلْ ليلِهْ

وكِلْ ليلِهْ في مَنَامي لِهْ حُضُورْ

يا اسِمْ زايدْ لَوْ لزايدْ وسيلِهْ

لوُ دقيقَه بَسْ وحدِهْ في الشِّعُورْ

ألْمَسْ إيْدينِهْ وفي عيني أشيلِهْ

هوُ أبويهْ وخاليْ وشيخْ العصورْ

وهناك قصيدة متميزة حواها الديوان هي بعنوان «سيرة المجد» ألقاها الشيخ محمد بن راشد في مناسبة تكريم الشيخ زايد بشخصية العام الإسلامية لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم وقصتها أن الشيخ محمد أراد أن يقول قصيدة بهذه المناسبة وكان وقتها في طريقه مع بعض أصدقائه إلى العمرة فحاول في الطائرة أن يقول شيئاً بهذه المناسبة.

لكنه لم يوفق لأن الحدث كما يقول أكبر من أن يصوغه الشاعر في قصيدة، وعند دخول الشاعر إلى رحاب البيت الحرام وبدء طوافه حول الكعبة تفجرت ينابيع الشعر لديه بالبيت الأول ثم الذي يليه ثم الذي بعده ولم يكن الشاعر يحمل قلماً معه ليسجل ما تجود به قريحته لذلك وحتى لا ينسى الأبيات طلب من بعض مرافقيه من أصدقائه أن يحفظ كل منهم بيتاً من أبياته التي أملاها شفاهة بحيث أكمل الشاعر في طوافه ومسعاه كثيراً من أبيات القصيدة وفي الطائرة أكمل بقيتها وبذلك أضحت هذه القصيدة مباركة لولادتها في الحرم المبارك وكانت أبياتها متميزة على درجة من الوجدان والإيمان.

يبدؤها الشاعر بسجوده لله تعالى إذعاناً وإيماناً بعلو شأنه وقدرته وخلع ما يتسمى به من عز الملك والسلطان حيث رجفت يده من فرط خوفه منه تعالى.

يقول الشيخ محمد:

سجدت باسمك الهي عالي الشان

يا الواحد الفرد نظره منك تغنيني

وسجد لعزه جلالك جسمي الفاني

وخلعت عز الملوك ورجفت ايديني

ويستمر في مناجاته وهو في رحاب الحرم مناجاة إيمانية تنخلع لها القلوب ويذوب لها الوجدان:

طال اشتياقي وصوت الحق ناداني

وانا اتبع الصوت في همس يناجيني

لك جيت ساعي الى مكه بوجداني

يا مالك الملك بالرحمه تلاقيني

وكانت مصابيح مكه نور رباني

كان الملايك محيطه بالمصليني

طفت وسعيت وبكى في الليل ولهاني

قلب اذا يقال الله واكبر ايليني

فيض من النور حياني واحياني

يا خالق النورانته بس تهديني

ووقفت والليل يشهد طول حرماني

انظر لحالي الهي لا تخليني

في مهبط الوحي والتنزيل فاجاني

شعور ما ينوصف ما زال يشجيني

وداد زايد

ويستغرق الشاعر في هذا التصوف الإيماني ويندمج معه إلى درجة الذوبان وفجأة يسمع صوت الأذان يتردد بين أرجاء الحرم فقام يلبي النداء ويصلي ويسجد ويدعو في سجوده لاثنين عزيزين عليه هما الشيخ راشد والده الذي وصاه بالتمسك بالدين وأبوه الشيخ زايد الذي يغطيه فضله وإحسانه، ومن هنا يبدأ حديثه في هذه القصيدة عن الشيخ زايد الذي حثه على مدحه داع جاءه يتمثل في محبته له تلك التي تسري في شرايينه وتتعمّق في خلاياه يقول الشاعر الشيخ محمد:

وفجأه انتبهت ومنادي الحق ناداني

ولبيت داعي الى ربي يناديني

وفي سجدتي راجي عفو وغفراني

دعيت لاثنين دايم حبهم ديني

ابويه راشد لذي بالدين وصاني

وابويه زايد لذي فضله مغطيني

وانا على مدح زايد داعي جاني

اسمه الموده وحب في شراييني

ويصف بأن وداد زايد راسخ في كيانه لا يتزعزع وأنه بالنسبة له قصيده وكل أبياته وألحانه وأنه والده الذي لا يرضى بأن يشرك معه شخصاً آخر غيره وأنه عيونه التي يرى الحياة بها، ثم أردف بأنه أخوه وصديقه وعضده وعزمه ودليله الذي يجديه ويدله على الطريق، وأنه الناس كلهم ودنياه وما كان وأنه كل تكوينه أي أنه بالنسبة له كل شيء في حياته فلم يترك الشاعر شيئاً لم يقله فيه:

وزايد وداده بنى في القلب بنياني

وزايد قصيدي وابياتي وتلحيني

وزايد ابوي الذي ما ارضى معه ثاني

وزايد عيوني وشوفي الي يدليني

وزايد اخويه وصديقي وكل خلاني

وزايد عضيدي وعزمي ومن يجديني

وزايد هو الناس والدنيا وما كاني

وزايد وزايدى وزايد كل تكويني

وما هي يا ترى الضريبة التي يؤديها الشاعر لهذا الشخص الذي ملك عليه إحساسه وصوره بأنه دنياه وحياته فضريبة ذلك أن جعل الشاعر نفسه وأولاده وأعوانه كلهم فداء له وعادة ما يفدي الإنسان بنفسه من أجل محبوب له ولكن الشاعر هنا جمع مع النفس الأولاد والأعوان ليزيد من قيمة هذا الفداء الذي قدمه له:

افديه بالروح واولادي واعواني

وافديه بالعمر لي باقي من سنيني

وعنده أن الناس في عصرنا لو وزنوا مع زايد بميزان واحد لرجحهم وزاد عليهم جميعهم وهذا مما يتأكد عنده دون تردد في قوله:

لو يوزنون الخلق مع زايد بميزاني

زايد على الناس راجح في الموازيني

وقد يتغير الناس في حياتهم وتتبدل ظروف الدهر من حال لحال لكن زايد في نظر الشاعر شهم ثابت لا يتغير ولا يتبدل لأن معدنه صاف كالذهب، يقول الشاعر:

يتلون الدهر باشكال والواني

وتتبدل الناس كجلود الثعابيني

وزايد مثل ما عرفته شهم ما لاني

معدنه صافي الذهب ما فيه تلويني

ذرى المجد

ويستغرب الشاعر من كثرة هذه الصفات والخصال فيه، والتي تميزه عن غيره من الناس ويخاطب سيرة المجد التي هي منطبقة على حال الشيخ زايد إن كانت رأت في مسيرتها شخصاً بمثل هذه الصفات يزيد زينه ومعروفه على المعروف والزين كله ويجعله الشاعر عنواناً لهذه السيرة العطرة «سيرة المجد» ويكفيها كما يقول، إن يكون زايد عنواناً من أكبر عناوينها، يقول الشيخ محمد:

يا سيره المجد هل شاهدتي انساني

يزيد زينه ومعروفه على الزيني

ويا سيره المجد ما تبغين عنواني

يكفيك زايد عن كبار العناويني

وعنده أن تاريخ زايد واضح لا يحتاج إلى أدلة وبراهين ويكفيه أن يكون له في ذرا المجد رايات ونياشين تعرف به وتشير إليه، يقول الشيخ محمد:

وتاريخ زايد فلا يحتاج برهاني

له في ذرا المجد رايات ونياشيني

لقد تجولنا بك أخي القارئ في قصائد هذا الديوان التي بلغت 87 قصيدة نظمت في حب الشيخ زايد والحديث عنه أرخ الشاعر بها كثيراً من صفات وخصال الشيخ زايد النادرة التي تبهر العقل والقلب معاً جمعها الشاعر في هذا الديوان،.

ولا شك أنها ستسد ثغرة في المكتبة الشعرية الإماراتية وستكون مادة جميلة وغنية في موضوعها تتيح للباحثين مجالاً للاطلاع والتفاعل والكتابة عنها، وبذلك أرجو أن أكون قد ساهمت بهذا الجهد في قراءة شيء من هذه القصائد التي وردت في هذا الديوان والحديث عنها بشكل يفيد القراء.

Email