عام الخير.. عام الشراكة المجتمعية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يوجد مهمة للاتصال الحكومي، أسمى من غرس القيم النبيلة في نفوس المواطنين، والقيم والأخلاق هي جوهر الثقافة والوعي الذي يحدد عمق العلاقات الاجتماعية في كل بلد، وقدرة هذا البلد على دفع مسيرة التطور القيمي، الذي يشكل أساس أي تطور في القطاعات المادية الأخرى، وكذلك يحدد هويتها ويحفظ لها مكانتها بين الأمم في كل الأزمان، وفي زمن تتوق فيه الأمم للخير والسلام والتعاون والشراكة لدفع مسيرة التنمية العادلة والشاملة.

إن مهمة الاتصال الحكومي في دولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص، المساهمة في تحويل السياسات التنموية والثقافية العامة إلى مهارات وخبرات وممارسات يومية واعية ومدركة لاتجاهاتها، وإلى التزام مشترك تجاه الوطن، يمارسه الأفراد بشكل ملموس في حياتهم اليومية، وكذلك استخدام المنطق العلمي في تعريف الناس بأهمية مشاركتهم في خدمة المصلحة العامة، وما يترتب على هذه المشاركة من نتائج إيجابية.

 فكما هو معروف، لا يوجد قانون يفرض على الأشخاص التطوع أو الشعور بالمسؤولية الذاتية تجاه محيطهم، أو على تنمية قيم الانتماء للوطن، فكل هذه القيم تنميها وتعززها البيئة الحاضنة للفرد، وتبلورها الثقافة التي يشكل الاتصال بين المؤسسة والفرد، أهم عوامل وأدوات بنائها.

إن وجودنا في دولة تبذل كل ما بوسعها لتحقيق أمن مواطنيها وسعادتهم والارتقاء بمستوى حياتهم وقيمهم الاجتماعية، يضفي على الاتصال الحكومي سمات تميزه عن غيره في أي بلد آخر، فعندما تسبق القيادة، المواطن نحو المبادرة لما فيه خير هذا المواطن، يكتسب الاتصال الحكومي مصداقيته وقدرته على الوصول إلى أوسع قاعدة من المواطنين، ما يؤهل وحدات ومؤسسات الاتصال أن تكون شريكاً فاعلاً في التوجهات الرسمية.

في بداية هذا العام 2017، أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بأن يكون عامنا الجديد هو عام الخير، وحدد لهذا المفهوم ثلاثة محاور، هي المسؤولية الاجتماعية في مؤسسات القطاع الخاص، التطوع، وخدمة الوطن.

وهنا، لا بد من الحديث عن دور الاتصال الحكومي في بناء شراكة مجتمعية فاعلة وإيجابية، تدعم هذه المحاور وتنقلها من النظرية إلى التطبيق.

إننا لا نغفل الدور الفاعل لشركات القطاع الخاص في دعم جهود التنمية بكافة صورها ومساهمتها في تنمية المجتمع، وهو ما يعرف باسم المسؤولية الاجتماعية للشركات، التي عرفها «مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة»، بأنها «الالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً، والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية، والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع المحلي، والمجتمع ككل».

نلاحظ أن كلمة «التصرف أخلاقياً»، التي وردت في التعريف، تشير إلى أن هذه المسؤولية طوعية وليست إلزامية، والاتصال هو الأقدر على توجيه هذه الشركات نحو مسؤولياتها والتذكير بواجباتها، ويستخدم المنطق العلمي في شرح أهمية المسؤولية الاجتماعية لنمو الشركات ذاتها، وتعزيز التواصل والثقة بينها وبين كافة الفئات المجتمعية، الذين يشكلون قاعدة عملائها ومستهلكي منتجاتها.

الأمر ذاته ينطبق على المحور الثاني من محاور عام الخير، وهو التطوع، فمهمة الاتصال الحكومي ومؤسسات الإعلام في الدولة، غرس مبدأ وفكر التطوع وتوعية المجتمع بأهمية العمل التطوعي ونشر ثقافته وقيمه، وتعزيزها من خلال الممارسات والسلوكيات الفردية والمجتمعية، والتعريف بالتجارب الناجحة في هذا السياق، ابتداء بالتجربة الإماراتية، وصولاً إلى التجارب العالمية، لتوضيح أهمية التطوع وانعكاسه على تقدم المجتمعات وتطورها.

وعندما نتحدث عن الشراكة المجتمعية للأفراد والمؤسسات في دعم التوجهات التنموية للدول، وفي تخفيض تكاليف التنمية، فلن نجد صورة توضح هذه الشراكة أكثر من التطوع والمسؤولية الاجتماعية.

أما المحور الثالث لعام الخير، خدمة الوطن، فيشمل كل ما يقوم به الأفراد من سلوكيات تترك آثارها في بلدانهم ومجتمعاتهم، وتشمل مجموع القيم والمبادئ والأخلاقيات للأفراد في إطار ممارساتهم الاجتماعية.

خدمة الوطن، هي الإطار الشامل للوحة جميلة الصور والألوان والمعاني، أي الإطار الشامل لهوية الأمة التي تناولنا سبل حفظها وتنميتها في الدورة السابقة من المنتدى الدولي للاتصال الحكومي التي انعقدت في عام 2016.

إن أولويات الاتصال الحكومي خلال المرحلة القادمة، أن يستجيب للتحديات التي تطرحها مسيرة التنمية، وفي مقدمها حشد الجهود المجتمعية وتنظيمها، لتشكل مورداً حيوياً للسياسات التنموية الرسمية، كل فرد وكل مؤسسة وشركة، لديهم أدوار محددة تنتظرهم في هذا المجال، ومهمتنا، بالشراكة مع الإعلام ووحدات الاتصال في كل هيئة حكومية وشبه حكومية، أن نكون محور الشراكة المجتمعية ورعاتها ومنتجي ثقافتها ووعيها، فهكذا تتقدم الأمم.

*  رئيس مجلس الشارقة للإعلام

Email