«لكل امرئ من اسمه نصيب».. تلك المقولة الشهيرة التي أطلقها العرب في الماضي ويبدو أن الهندي جامسيت جي تاتا قرر أن يطبقها ولكن على طريقته الخاصة مع ولعه الشديد بتاج محل الأثر الهندي الذي يعد من عجائب الدنيا السبع، قرر أن يكون القصر الذي حلم دوماً بتشييده وتحويله إلى فندق يحمل الاسم ذاته، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن أصبح لدى الهند تاجان، فعندما تسمع شركات السياحة أحد عملائها يقول كلمة تاج، فعلى الفور تقفز الهند إلى أذهانهم ثم يسألونه «تاج أجرا» أم «تاج مومباي».
فخامة وعراقة
عندما تسير في وسط مدينة مومباي والتي تشبه كثيراً وسط مدن باريس ولندن ومدريد وبوينوس أيريس وحتى القاهرة، والذين تم بناؤهم جميعاً علي طراز واحد، أول ما سيلفت نظرك هو ذلك القصر الذي يجمع بين الفخامة والعراقة وتتلألأ أضواؤه في الليل لتهيمن على أي ضوء آخر منبعث من أرجاء المدينة، أما إذا ما قررت التجول بداخل هذا القصر ستشعر فور السير داخل أروقته بعبق التاريخ الذي بقليل من الخيال قد يأخذك إلى عصر الملكية، وسترى خيالات لرواد الفندق مع الرموز التاريخية كالزعيم الشعبي غاندي ونهرو والملك البريطاني جورج والملكة فيكتوريا وغيرهم من الشخصيات التاريخية ومشاهير الأدب والفن والرياضة من كل أنحاء العالم، وذلك بفعل احتفاظ الفندق بإطلالته حتى بعد تعرضه للهجوم الإرهابي الشهير عام 2008 وغلقه لمدة عام كامل من أجل التجديد حتى يعود كما كان وكأن شيئاً لم يحدث له.
خارج بوابات «تاج مومباي» ستجد في الجهة المقابلة بوابة الهند البحرية الأثر الذي تم تشييده عام 1911 لتكون أخر نقطة لليابسة تفصل بين مومباي وبحر العرب، وكأن تلك البوابة هي الحارس الأمين لمبنى تاج العتيق، على بعد أمتار وعندما تعبر الطريق ستجد أمامك متحف «شيفاجي»، والذي كان يسمى في السابق بمتحف «ويلز»، والذي افتتحه الملك جورج عام 1905 ويليه محطة قطار فيكتوريا أقدم محطات قطار مومباي والتي أنشأت عام 1878 ولا تزال حتى الآن مفتوحة في خدمة المسافرين محلياً.
نبذ العنصرية
جاء قرار تاتا ببناء هذا القصر وتحويله إلى فندق لمحاربة فكرة العنصرية داخل بلاده، حيث إن في ذلك الوقت وفي ظل وجود الاحتلال البريطاني كانت معظم فنادق مومباي إن لم يكن جميعها ترفض النزلاء الهنود ويقتصر الأمر فقط على الأوروبيين والبريطانيين، وقرر أن يشيد هذا القصر بارع الجمال والفخامة على الطراز الإنجليزي ليفتح أبوابه دوماً لأي هندي أو حتى أفريقي دون عنصرية أو تمييز.
حسبما ذكر الكاتب والمؤلف الهندي الشهير روسي إم لالا في كتابه «خلق الثروة»، يبدأ الفصل المسمى تاج محل بهذه الكلمات: «في دوائر السفر في العالم، إذا كنت تتحدث عن التاج فقط، فإنهم يسألونك أيهما ؟ «حلم شاه جيهان في تخليد حبه لزوجته أم حلم جامستجي في تخليد حبه لمومباي».
وفقاً لفرانك هاريس الذي سجل حياة جامستجي تاتا رأى الأخير أن مومباي كانت تفشل في توفير وسائل الراحة والكماليات المتاحة في أوروبا وأمريكا. ومما يزيد الطين بلة أن المدينة تعرضت لطاعون رهيب قرر جامستجي إعطاء مومباي فندقاً مذهلاً لن يساعد فقط في استعادة صورتها كمدينة رائعة ولكن أيضاً جذب السياح الأجانب، ولأن جامستجي كان واحداً من كبار رجال الأعمال في مومباي والرجال الأكثر سفراً في عصره، فقد خطط لذلك على نطاق واسع.
في 1 نوفمبر 1898 بدأ الجميع في العمل على قدم وساق لتنفيذ التصميم المعماري المبدع والذي قام به الثنائي سيتارام خانديرو وفيديا ميرزا على طراز بريطاني يضاحي القصر الحاكم في لندن واستغرق تشييده خمس سنوات حتى تم افتتاحه عام 1903 وسط ذهول من القادة والنخبة السياسية الهنود والبريطانيين.أصبح فندق تاج مقر لاجتماعات العديد من الرموز والنخبة مثل الزعيم العظيم المهاتما غاندي وجاهار لال نهرو وساروجيني نايدو ومحمد علي جناح وخان عبد الغفار خان وسردار باتل هنا ويتشاورون حول الخطوات التالية التي يجب اتخاذها لحركة الحرية، وذلك مع قرار تاتا بعدم تقاضي روبية واحدة منهم نظير إقامتهم كنوع من المشاركة في الحركة الوطنية لتحرير الهند.
كما التقى العديد من الأمراء الهنود في تاج قبل الاستقلال واتفقوا على التخلي عن حقوقهم في ولاياتهم حتى تصبح الهند دولة ذات سيادة ولهذا السبب تسمى الغرفة التي التقيا فيها غرفة الأمراء، كما ألقيت كلمة وداع اللورد مونتباتن في فندق تاج.
كان تاج أول عنوان لأجيال من الملوك والرؤساء والمندوبين والفنانين والمشاهير من جميع أنحاء العالم نيل أرمسترونغ، سومرست موغام، ف. س. نايبول، سيدني شيلدون، ألفريد هيتشكوك، جون لينون، زوبين ميهتا، ميك جاغر، أوبرا وينفري، باراك أوباما، هيلاري كلينتون وجاستن ترودو.
المقر الدائم
وحتى الآن تاج مومباي يعد المقر الدائم لكل الوفود الدبلوماسية ورؤساء الدول ومقر التقاء رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بالنخب ورؤساء الولايات واجتماعات الحكومة وحتى المعارضة لقب فندق تاج باسم «بيت الأوائل» من فتح أول شريط مرخص (بار الميناء) وأول ديسكو ليكون أول مبنى في الهند أن تكون علامة تجارية تحتوي غرفة الأرشيف في تاج، على قوائم منذ عام 1911 إلى الصور الفوتوغرافية والشهادات والرسائل التي كتبها ساروجيني نايدو (جعلت تاج منزلها لعدة سنوات) إلى نهرو وخان عبدالغفار خان وصور الملكة إليزابيث التي توجت إمبراطورة الهند عندما زارتها دلهي دوربار، ومناضلون من أجل الحرية مما يجعل الفندق متحفاً متكاملاً وليس فندق فقط.
أزمة «كورونا»
قصر تاج محل لم يغلق أبداً منذ بداية جائحة «كورونا» العالمية الشيء الوحيد الذي تغير هو أن الفندق بدأ يستقبل أطباء وعاملين آخرين في مجال الرعاية الصحية كضيوف دائمين.
وفي تصريح خاص لمدير عام الفندق تالجيندار سينغ قال: «كان علينا التكيف بسرعة بمجرد أن بدأ الوباء وغادر ضيوفنا الدائمين، تقدمنا لتقديم المساعدة للأطباء وغيرهم من العاملين في مجال الرعاية الصحية وهذا هو الحال مع فنادقنا في مدن متعددة، لذلك لم يكن هناك إغلاق للفنادق واستمررنا في العمل مما يعني أيضاً أننا تعلمنا بسرعة كيفية الإجراءات اللازمة لتأمين النزلاء والضيوف». وأضاف «لقد تمكنا من فهم المتطلبات الجديدة، والتحديات الجديدة، وبهذا الفهم، كانت قدرتنا على التحلي بالمرونة واتخاذ القرارات وتغيير سياستنا تلقائية خاصة وأن معظم الاجتماعات الهامة والوفود الدبلوماسية تكون في فندق تاج».
أوضح سينغ أنه بينما كانت فنادق تاج في عدة أماكن موطناً للأطباء والعاملين في مجال الرعاية الصحية لم يتم استخدام أي من الفنادق في أي وقت كمستشفى مؤقت مع العلم أنه يتم عمل اختبار «كورونا» بشكل دوري لطاقم العمل وحتى السائقين المسؤولين عن نقل النزلاء من وإلى الفندق.
ويضيف سينغ أنه تم وضع شروط خاصة لتطهير الأمتعة يتضمن ذلك عدم المرونة للضيوف الذين يقولون إن أمتعتهم تحتوي على أشياء هامة أو باهظة الثمن، وتابع «نحن بحاجة إلى توعية الضيوف بأن الفيروس لا يفرق بين الأمتعة باهظة الثمن وغير المكلفة يتم اتباع الحزم الهادئ لضمان الحفاظ على معاييرنا المحددة. في هذا الوقت، تعتبر السلامة في صميم وظائفنا لأنه من دون الأمان لا يمكننا خلق الثقة ومن دون الثقة لا يمكننا التميز والمحافظة على تاريخ الفندق».