تقارير «البيان »:
النيجر.. خيارات فرنسية «محدودة ومتناقضة»
يواجه الحضور الفرنسي في القارة السمراء ضربات قاصمة، ومتتالية، آخرها كان الانقلاب في النيجر، بما يحمله من دلالات شديدة الخطورة لباريس، التي بدأت محادثات سحب سريع لعدد من قواتها المتمركزة بالبلاد، في خطوة أثارت تساؤلات كثيرة حول ما إن كانت فرنسا قد سلمت بالأمر الواقع من عدمه، ومدى انعكاسات ذلك على الأوضاع في وسط وغرب القارة؟
يأتي ذلك في وقت تواجه باريس، التي تنشر 1500 جندي لمواجهة المتطرفين في البلاد، «خيارات محدودة ومتناقضة» في آن واحد، فيما يخص موقفها في النيجر، حيث المصالح الفرنسية المتشابكة هناك، لاسيما الاقتصادية.
بحسب مراقبين، يدفع ذلك المأزق الفرنسي إلى إعادة مراجعة شاملة للسياسة الخارجية الفرنسية في القارة الأفريقية، مبنية على أساس من الواقعية السياسية، في ضوء ما أظهرته الخطابات الشعبوية ببلدان أفريقية، من تنامي الخطاب الرافض للسياسات الفرنسية فيها، وسط مطالب بعلاقات تعاونية قوامها المصالح المشتركة.
من باريس، يصرح الكاتب والباحث السياسي، علي المرعبي، لـ«البيان» أن الأحداث التي تشهدها أفريقيا، لاسيما مع انقلاب النيجر، تحتم على فرنسا تبني سياسة واقعية في علاقاتها الخارجية مع دول القارة، وأن تراعي تلك السياسة كثيراً من الجوانب التي يفرضها المشهد الراهن، وأن تدرك أن تدخلها - خصوصاً التدخل العسكري إن حدث - ينعكس سلباً على مصالحها هناك، على اعتبار أن المشاعر الوطنية في أفريقيا تتحرك تجاه اعتبار ذلك عدواناً وعودة للاستعمار بصيغة عسكرية.
ويوضح أنه كان من الطبيعي أن تتحرك فرنسا بشكل سريع وواسع النطاق رداً على ما حدث في النيجر، خصوصاً أنه يأتي في ظل تراجع الدور الفرنسي في القارة في السنوات الأخيرة، وخسارة عديد من الحلفاء، علاوة على أهمية النيجر بالنسبة لفرنسا على مستويات مختلفة، لاسيما اقتصادياً، في وقت تعتمد باريس على إمدادات اليورانيوم إلى محطات الطاقة لتوليد الكهرباء.
وينوه إلى أنه بينما لا تزال الأمور غير واضحة، حول كيفية سير الأوضاع في المستقبل القريب فيما يتعلق بأحداث النيجر، إلا أن ذلك بلا شك لا يخدم ذلك كله السياسات الغربية والأمريكية، خصوصاً مع تبعات حرب أوكرانيا وما تفرضه من تحديات وضغوطات.
يأتي ذلك فيما ينظر محللون إلى المحادثات الجارية بين الجيش الفرنسي وقادة الانقلاب في النيجر لسحب معدات وطواقم من القاعدة العسكرية الفرنسية في نيامي، بوصفه خطوة قد تعكس اتجاه باريس لرفع الراية البيضاء، والاعتراف بالأمر الواقع في مجمل التطورات بأفريقيا. بينما آخرون لا يرون إمكانية الاستسلام الفرنسي، لاسيما في ضوء مصالح فرنسا والغرب عموماً، وخشية تحول المنطقة إلى ساحة للنفوذ الروسي.
وتخضع نيامي إلى عقوبات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي تستهدف الضغط على العسكريين لعودة الرئيس بازوم إلى السلطة، في وقت تؤيد فرنسا دعمها الكامل لتلك الخطوات، والعسكرية منها.
ويقول عضو حزب النهضة الفرنسي، زيد العظم، إن أولوية فرنسا تتمثل في إعادة بازوم، كون سمعتها مهددة بشكل كبير إذا لم تدعم حلفاءها وشركاءها، كما تتخوف باريس من تحول القارة إلى قاعدة عسكرية روسية، أو انتعاش الجماعات الإرهابية، والعودة لأجواء ما قبل «عملية برخان 2014».
ويضيف لـ«البيان»: «الأولوية تتمثل في استعادة النظام الشرعي في النيجر، وإعادة العمل على تواجد عسكري أوروبي - أمريكي يمنع تحويل أفريقيا إلى حديقة خلفية لروسيا، وانتشار التنظيمات الإرهابية»، مشدداً على أن «ما سوف ينتج عنه الوضع في النيجر، من شأنه أن يرسم ملامح القارة السمراء في السنوات المقبلة».