أعلنت الصين الخميس تسجيل تراجع إضافي في صادراتها في أغسطس، في آخر مؤشر إلى تباطؤ ثاني أكبر اقتصاد في العالم، في وقت لا تزال الحكومة ترفض إقرار خطة إنعاش.
وفي ما يلي أبرز العقبات التي تعيق تحسّن الوضع الاقتصادي والتدابير التي اتخذتها بكين لتسويتها ورأي خبراء الاقتصاد.
ما هو وضع الاقتصاد؟
ترافق رفع القيود الصحية المفروضة لمكافحة (كوفيد19) في ديسمبر في الصين مع انتعاش تدريجي للنشاط الاقتصادي وعودة الصينيين إلى المطاعم والمراكز التجارية ووسائل النقل المشترك.
غير أن النهوض الاقتصادي المرجو كان أضعف من المتوقع ولم يكن معمماً على كل القطاعات الاقتصادية، ولا سيما القطاع الصناعي الذي ظل يعاني مشكلات.
وتباطأ هذا الانتعاش لاحقاً، وفي ظل التضخم العالمي، وتراجعت أسعار الاستهلاك في الصين خلال يوليو بنسبة 0.3 % على مدى عام، ما أدخل البلد في انكماش مالي يؤشر إلى طلب ضعيف.
أما نسبة بطالة الشباب، فارتفعت إلى مستوى حمل السلطات في يونيو على تعليق نشر الأرقام الشهرية لهذه النسبة، فيما لا تزال بيانات الصادرات والعقارات والاستهلاك، القطاعات الثلاثة التي تشكل تقليدياً محرك النمو في الصين، متعثرة.
ويجعل هذا الوضع من الصعب عملياً تحقيق الهدف السنوي للنمو الذي حددته الحكومة بحوالي 5 %.
كيف يمكن تفسير الوضع؟
يشهد قطاع البناء الذي يعتبر قوام الاقتصاد الصيني ولطاما مثل ربع إجمالي الناتج المحلي في هذا البلد، أزمة غير مسبوقة طالت بصورة خاصة عملاقي التطوير العقاري «إيفرغراند» و«كانتري غاردن». وباتت المجموعتان مهددتين بالإفلاس في ظل ديونهما الطائلة.
وأي إفلاس قد تكون له انعكاسات فادحة على النظام المالي في الصين، فضلاً عن عواقب متعددة مثل عدم إنجاز أعداد من المساكن وانتهاك حقوق العديد من الدائنين والمورّدين وعمليات تسريح موظفين وعدم تمكن آلاف الصينيين من استرجاع أموالهم.
وتزيد هذه الظروف من ريبة الصينيين وتثنيهم عن شراء مساكن جديدة.
من جهة أخرى، يعاني الاقتصاد الصيني من ضعف الطلب العالمي الذي يؤثر على الصادرات، ومن الصعوبات الداخلية التي تكبح إنفاق الأسر.
أي تدابير لتحريك الاقتصاد؟
تعطي بكين الأولوية لاعتماد تدابير حذرة ومحددة الأهداف عوض إقرار خطة إنعاش مكثفة ومكلفة، حرصاً منها على الحفاظ على توازن ماليتها.
وكشفت السلطات في يوليو عن تدابير لتحفيز شراء الأدوات المنزلية والسيارات الكهربائية.
وأقرت بعد ذلك تسهيلات ضريبية للأسر والشركات بهدف دعم الاستهلاك.
وسعياً لتحفيز النشاط، خفض البنك المركزي نسبتي فائدة مرجعيتين على أمل حض البنوك التجارية على منح المزيد من القروض وبمعدلات فائدة أفضل.
غير أن القرارات الأبرز أعلنت الأسبوع الماضي في القطاع العقاري.
ففي سعيها لإنعاش هذا القطاع، قامت عدة مدن كبرى مثل بكين وشنغهاي وكانتون بخفض معاييرها من أجل الحصول على قرض لقاء رهن عقاري.
كما سمحت للذين يشترون أول مسكن لهم بمعاودة التفاوض على نسب الفوائد على قروضهم.
هل تكون هذه التدابير كافية؟
يشكك العديد من خبراء الاقتصاد في جدوى التدابير المتخذة. وحذر مكتب غافيكال دراغونوميكس بأن «الاقتصاد لن ينهض إن لم تتحسن السوق العقارية».
والمشكلة برأي المحلل أرتور بوداغيان المتخصص في الاقتصاد الصيني لحساب مكتب «بي سي إيه»، أن الأسر تتردد في الاقتراض والشراء رغم أن نسب الفوائد على القروض لقاء رهن عقاري في أدنى مستوياتها منذ 14 عاماً.
وهو يرى أن خفض معدلات الفائدة لن يغير الوضع بصورة جوهرية لأن الأسر تتوقع الآن تراجعاً كبيراً في أسعار المساكن.
وبصورة عامة، يبقى الوضع الاقتصادي وعدم اليقين حياله العقبة الرئيسية بوجه انتعاش الاستهلاك.
وهذا ما يحمل الأسر بحسب المحللة ماغي وي من بنك «غولدمان ساكس» للأعمال، على إعطاء الأفضلية للادخار على حساب الإنفاق أو الاستثمار.
أي توصيات يمكن تقديمها؟
يجمع خبراء الاقتصاد على التوصية باعتماد «خطة إنعاش» حقيقية.
وسبق أن واجهت الصين ظروفاً شبيهة في أواخر العقد الأول من الألفية، حين أدت الأزمة المالية العالمية إلى إضعاف الاقتصاد الصيني، فاستثمرت أربعة آلاف مليار يوان (510 مليارات يورو بسعر الصرف الآلي) سعياً لتحفيز النشاط.
وأتاحت خطة الإنعاش الواسعة النطاق في ذلك الحين تطوير البنى التحتية من طرقات ومطارات وخطوط قطار سريع وغيرها، لكنها أدت كذلك إلى إقرار مشاريع غير مفيدة وزادت المديونية.
وتبدي السلطات حالياً تحفظاً على اتباع نهج مماثل في ظل تدهور مالية الحكومات المحلية بعد ثلاث سنوات من الأزمة الصحية والإنفاق الطائل في إطار خطة «صفر كوفيد».
والرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي جعل من خفض المديونية إحدى أولوياته منذ وصوله إلى السلطة، هو من أشد معارضي الإنفاق الطائل.