«باخموت» معركة لها ما بعدها

«حي الطائرة » آخر معقل استولت عليه قوات «فاغنر » في باخموت | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ديسمبر الماضي، قدّم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، للكونغرس الأمريكي، «علم معركة» وقعه المدافعون عن مدينة باخموت، في إشارة إلى أهمية المدينة، الأمر الذي يساعد كييف على طلب المزيد من التسليح الغربي.

الآن، ثمة خريطة عسكرية جديدة. ولا شك أن تضارب الأنباء حول سقوط المدينة، لا يغير شيئاً في حقيقة أن المدينة باتت بيد الروس، إذ إن الحديث عن بقاء مقاتلين في مبنيين على أطراف مدينة، لا يعني شيئاً من الناحية العسكرية.

لكن الحديث عن أهمية ودلالات سقوط المدينة من الناحية الاستراتيجية، يمكن أن يكون أكثر جدارة بالبحث والنقاش.

فهل صحيح أن خسارة المدينة لن تؤثر لا على مجريات الحرب ولا على معنويات الجانبين الأوكراني والروسي سلباً وإيجاباً، على التوالي؟ وهل هي ورقة رابحة في يد روسيا في أي مفاوضات سلام محتملة، إذا أخذنا بصحة ما سربته صحف أمريكية من أن دولاً بينها بولندا تدعو سراً الرئيس الأوكراني لإنهاء الحرب حتى على حساب استقالته، وفقاً لما نقلت إذاعة مونت كارلو الدولية عن بعض محلليها؟

 

هدف ثمين

بعض المحللين يعتبرون أن باخموت ليست على تلك الأهمية بالنسبة للروس لكي يدفعوا ثمناً باهظاً في القوات والذخيرة، من أجل السيطرة عليها. هذا الرأي يتعامل مع المدينة كهدف أخير، ويتجاهل حقيقة أن حرب الروس ميدانياً تستهدف ما تبقى من إقليم دونباس، ما يعني أهم مدينتين متبقيتين، وهما سلافيانسك وكراماتورك، وهذا لا يتحقق إلا بتجاوز محطة باخموت، بغض النظر عن الوقت الذي يحتاجه ذلك.

لذلك يتفق محللون من الاتجاهين على أن معركة باخموت لها ما بعدها، وربما ما بعدها أكبر وأخطر. قناة «روسيا اليوم» تنقل عن الخبير إيفان كوزلوف قوله، إن السيطرة على أرتيوموفسك (الاسم السوفييتي لباخموت) قد تؤدي إلى زيادة حدة القتال في اتجاهات أخرى، بمعنى أن إنهاء «مسألة باخموت» يتيح لقوات الجانبين العمل في اتجاهات أخرى. ويرى خبراء في الغرب، وحتى روسيا، أن الانتهاء من معركة باخموت سيتيح للقوات الأوكرانية التركيز والتفرغ لهجومها المضاد الذي يكثر الحديث عنه منذ شهور. هذا الرأي أيده قائد كتيبة فوستوك الروسية ألكسندر خوداكوفسكي، الذي قال إنه بعد خسارة باخموت يمكن القول إن العد التنازلي للهجوم المضاد قد بدأ.

لكن الخبير العسكري الروسي فلاديسلاف شوريغين، يرى الأمر من زاوية أخرى، معتبراً أن القوات المسلحة الأوكرانية «تآكلت بشدة» بشرياً وتسليحياً، في دفاعها عن أرتيوموفسك (باخموت)، على مدى 225 يوماً.

 

معركة استنزاف

ويذهب الخبير العسكري العميد ناجي الزعبي في الاتجاه نفسه بقوله، إن «باخموت» استنزفت إمدادات الأسلحة الأوروبية والأمريكية، معتبراً كذلك أن سقوط باخموت قد حسم معركة الدونباس، حيث إن «خطوط الدفاع الأوكرانية باتت مفككة وعاجزة»، وفقاً لوكالة «سبوتنيك».

بالمقابل، يرى تقرير في «نيويورك تايمز»، أن السيطرة على باخموت لن يساعد موسكو بالضرورة في تحقيق هدفها بالسيطرة على منطقة دونباس كاملة، موضحاً أن القوات الأوكرانية أجهدت نظيرتها الروسية واخترقت دفاعاتها. واستشهدت بتصريح لأولكسندر سيرسكي، القائد العسكري الشرقي لأوكرانيا الذي قال إن الهدف الجديد يتمثل في تطويق المدينة «تطويقاً تكتيكياً»، ومواصلة قصف القوات الروسية المتمركزة داخل المدينة.

ونقلت قناة «الحرة» الأمريكية عن محللين عسكريين اعتقادهم بأنه إذا استمرت موسكو في إرسال تعزيزات للدفاع عن المدينة، فقد يضعف ذلك قدرتها على صد «الهجوم مضاد».

على أية حال، تكشفت الحرب عن حقيقة مهمة، أن من يديرها قادة سياسيون وعسكريون، وليست أهواء المحللين التي لا تغير شيئاً على الأرض، ولا شك في أن التطورات الميدانية هي التي ستتحدث في قادمات الأيام.

Email