صراع الحلفاء.. أوروبا تكتوي بخطة خفض التضخم الأمريكية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي حسمها التدخل الأمريكي وأفضى إلى نصر الحلفاء، دخلت العلاقات الأوروبية الأمريكية منعطفاً جديداً كانت أبرز تجلياته "خطة مارشال"، طبعه التوافق في الرؤى والاستراتيجيات، وكذا في المواقف من القضايا الدولية السياسية والاقتصادية.. 

سبعة عقود مرت على ذلك التماهي المعلن دائماً، في الأمن والسياسة والاقتصاد، إلا أن تناقضات برزت في الآونة الأخيرة كشفت عن تضارب مصالح اقتصادية بين الحليفين، خصوصاً بعد جائحة "كورونا" التي رزح الاقتصاد العالمي في نيرها عامين، وتركت ندوبها على كل دول العالم ومنها الولايات المتحدة، التي لجأت لإجراءات كثيرة لتحفيز اقتصادها وخلق مجال استثماري منافس، مع استمرار العملاق الصيني في الصعود.

وتأتي على رأس الإجراءات الأمريكية التي أقلقت الأوربيين، وما تزال، قانون خفض التضخم، وهو عبارة عن خطة مساعدات ضخمة أقرها بايدن في أغسطس 2022، تدعم ما يحمل علامة "صنع في أمريكا" من خلال الحوافز الضريبية لشراء السيارات الكهربائية التي يخشى المصنعون الأوروبيون من آثارها. ويخشى الأوروبيون من أن هذا القانون قد يشكل تهديداً لقطاع الصناعة لديهم، خاصةً في مجال التكنولوجيا. 

مفاوضات

في سبيل رأب الصدع زارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين واشنطن في 10 مارس الجاري، وخلال لقائها الرئيس جو بايدن تم الالتزام بتجنب أي منافسة ضارة في السباق من أجل التحول إلى الطاقة النظيفة.
واتفق بايدن وفون دير لايين في بيان مشترك على "البدء على الفور في التفاوض للتوصل إلى اتفاق بشأن المعادن الاستراتيجية" لانتقال الطاقة.

كما صرح رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، قبل مباحثات مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأن بريطانيا وأمريكا سوف تعملان على تهدئة المخاوف بشأن حزمة بايدن للدعم الأخضر التي تقدر بمليارات الدولارت.

ورحب سوناك، أمس، بالتزام إدارة بايدن الخاصة بالتغلب على التغير المناخي، ولكنه قال إن بريطانيا أثارت مخاوف بشأن إجراءات تتعلق بمعاهدة الحد من التضخم، حسب وكالة" بي إيه ميديا" البريطانية. 
وتهدف الحزمة الأمريكية، التي تقدر قيمتها بـ 430 مليار دولار، إلى جعل الاقتصاد صديقا للبيئة من خلال منح خصم ضريبي من أجل التكنولوجيا الخضراء.

حمائية 

المخاوف الأوروبية لم تتبدد، حيث صرح جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بأن قانون خفض التضخم "لا يحترم" قواعد التجارة الدولية في العديد من جوانبها، وذلك بعد أيام من زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية إلى واشنطن.

وأكد بوريل خلال الدورة النقاشية حول العلاقات عبر الأطلسي في البرلمان الأوروبي مساء الثلاثاء: "من خلال الخطة الأمريكية الكبيرة بشأن المناخ ولخفض التضخم، اعتمدت الولايات المتحدة سياسة حمائية هي الأكثر تشددًا منذ ثلاثينيات القرن الماضي".

وقال: "يجب أن تراعي الحلول دائماً قواعد التجارة الدولية التي دافعنا عنها دائماً ومن الواضح أن ما عرضته الولايات المتحدة في كثير من النقاط لا يحترم" هذه القواعد.

وأضاف أن "الأميركيين يلجأون إلى توفير دعم هائل للقطاعات المتجددة. هذا ليس النموذج الذي يعتمده الأوروبيون.. يجب أن نتجنب أن يكون للقرارات الأمريكية تأثيراً يضر بمصالحنا".

مشروعات

وسعياً لتخفيف آثار القرار الأمريكي، تعهدت بريطانيا  بضخ مبالغ مالية كبيرة في مشروعات تطوير تكنولوجيا حجز وتخزين العوادم الكربونية باعتبارها ساحة للتنافس الاستثماري الدولي، حسب وكالة بلومبرج للأنباء.

وأعلن وزير الخزانة البريطاني جيرمي هانت، اليوم، التزام الحكومة رسميا بضخ 20 مليار جنيه إسترليني (24 مليار دولار) خلال العقدين المقبلين في المشروعات المحلية لحجز وتخزين الكربون باستخدام تكنولوجيا لضخ هذه العوادم تحت الأرض، وهي تكنولوجيا لا تستخدم حالياً على نطاق واسع، مضيفا أن هذه الاستثمارات حيوية لتحقيق هدف بريطانيا في الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية، مع المساهمة في توفير الوظائف الصديقة للبيئة.

وجاء التعهد البريطاني بعد أسبوع من تدشين الدنمارك أول موقع بحري لجمع وتخزين غاز ثاني أكسيد الكربون في الجزء الدنماركي من بحر الشمال اليوم الأربعاء.

وإذا تركنا هذا التدافع الأوروبي الأمريكي جانباً نجد أن الكاسب الأكبر هو المناخ، حيث سيحفز القانون الأمريكي موجةً من تطوير الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الجديدة لتقييد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، ربما تذعن أوروبا لها يوماً.

Email