الشعبوية اليمين المتطرف يصعد والاتحاد الأوروبي على المحك

ت + ت - الحجم الطبيعي

نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في إيطاليا الأسبوع الماضي، والتي حقق فيها اليمين المتطرف بزعامة جورجيا ميلوني انتصاراً تاريخياً، بمثابة حلقة جديدة في زحف أحزاب اليمين في أوروبا، بدعم من عديد الأسباب الرئيسية.

بينها استمرار الأزمة الأوكرانية وكذا تصاعد الضغوطات بشأن ملف الهجرة واللجوء، جنباً إلى جنب والإشكاليات الاقتصادية (وأبرزها نقص إمدادات الطاقة) الناجمة عن جملة التطورات الأخيرة التي شهدتها القارة، في وقتٍ يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات مفصلية.

ومع فوز ميلوني - التي من المقرر أن تكون على رأس أكثر الحكومات يمينية في إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية - تتصاعد مخاوف المؤسسات الأوروبية إزاء تقدم أحزاب اليمين وما يحمله ذلك التقدم من مُهددات لسياسات الاتحاد الداخلية والخارجية ومواقفه إزاء عديد من القضايا الرئيسية، بما في ذلك الأزمة في أوكرانيا.

وتدور تساؤلات واسعة حول مدى ذلك الزحف اليميني وفرص أحزاب اليمين في بلدان أخرى، وكذا تساؤلات حول مصير الاتحاد الأوروبي الذي بات على المحك في ضوء تصاعد التحديات التي تواجهه في خطٍ متوازٍ مع صعود تلك الأحزاب بما تحمله من أفكار شعبوية متشددة.

ومع تعدد أسباب جنوح صناديق الاقتراع في أوروبا إلى اليمين أخيراً، فإن تبعات ذلك الصعود لا تتوقف عند حد التأثيرات الداخلية بالنسبة للدول الأعضاء مثل إيطاليا وقبلها السويد، بل إن نتائج وتأثيرات هذا الصعود تمتد إلى الاتحاد ككل وعلاقاته الخارجية.

موازين القوى

هذا ما يؤكده المحلل السياسي المختص في الشؤون الأوروبية من بروكسل، محمد رجائي بركات، الذي يعتقد بأن «صعود اليمين المتطرف وتولي الحكم في بعض حكومات الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي من شأنه أن يحدث نوعاً من الخلل في موازين القوى داخل مؤسسات الاتحاد، وهذا يؤثر سلباً على سياسات الاتحاد بشكل عام».

ويقول في تصريحات لـ «البيان» إن «زحف اليمين المتطرف في أوروبا يثير القلق لدى المسؤولين في مؤسسات الاتحاد ولدى عديد من الدول الأعضاء، لا سيما بعد نجاح حزب ميلوني في إيطاليا.

والتي يأتي فوزها بالانتخابات في إطار موجة صعود اليمين المتطرف في عديد من الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، وهو ما سيكون له تأثيرات كبيرة على عديد من الملفات الداخلية والخارجية، من بينها ملف الهجرة، وهو ما يبرز بقوة في موقف ميلوني».

ويشير المحلل السياسي المختص في الشؤون الأوروبية، إلى أن «ما يثير الخوف أيضاً هو أن الحكومة الإيطالية القادمة ستجد حلفاء لها داخل حكومات الدول الأعضاء، لا سيما في هولندا والمجر.. في المجر على سبيل المثال فإن رئيس الوزراء المجري لديه خلافات عميقة مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي في أكثر من ملف».

وطبقاً لبركات، إن زحف اليمين المتطرف في إيطاليا والسويد والنمسا وفرنسا من شأنها أن يزيد حضور هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة داخل المجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي، في وقت لم تؤثر فيه حتى اللحظة بشكل كبير مشاركة بعض الأحزاب اليمينية في الحكم ببعض الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي على مواقف الاتحاد إزاء عدد من الملفات، من بينها الحرب في أوكرانيا على سبيل المثال.

لكن بركات يلفت في الوقت نفسه إلى دور النواحي الأيدلوجية والفكرية المحركة لسياسات الأحزاب اليمينية، وهو ما ينعكس على موقفها من موسكو، وكذلك موقفها في بعض القضايا المرتبطة بمنطقة الشرق الأوسط.

وجاء فوز ميلوني - بعد انتصارات أخيرة حققتها أحزاب اليمين في أوروبا- معبراً عن اتجاه متصاعد بين مواطني الاتحاد الأوروبي لجهة الشعبوية، بما له من انعكاسات على عقيدة الاتحاد الأوروبي.

الأمر الذي يرسخ بدوره من زحف أحزاب اليمين المتطرف. فقد سبقها تحالف المعارضة اليميني في السويد بتحقيق انتصارات لافتة، فضلاً عن ما شهدته فرنسا، فبرغم خسارة مارين لوبان أمام الرئيس مانويل ماكرون، إلا أن أنصار تيار اليمين يشعر بالارتياح بشكل أو بآخر لما حققته من نسب تصويتية إنما تعكس زحف اليمين بشكل قوي في أوروبا.

إشكالية حقيقية

وفي تحليل أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور طارق فهمي، فإن «صعود اليمين المتطرف في إيطاليا يمثل إشكالية حقيقية أمام الدول الأوروبية، وهو ما يفسر ردود الأفعال الواسعة في القارة العجوز على نتائج الانتخابات التي أجريت أخيراً.. لكن بشكل عام، فإنه من المبكر القول بأن النموذج الإيطالي قابل للتكرار بهذا الشكل، نظراً لخصوصية المشهد السياسي هناك».

ويلفت إلى أن الحكومة الإيطالية الجديدة أمام اختبار عسير في الاستمرار والتعامل مع السياسات الإيطالية والإيطالية الأوروبية في البرلمان الأوروبي.

مشيراً في تصريحات لـ «البيان» من القاهرة، إلى أن «نجاح اليمين في إيطاليا يشكل تحدياً كبيراً أمام اليمين الأوروبي عموماً، لا سيما في فرنسا بعد أن تمكنت لوبان من الوصول إلى جولة ثانية في الانتخابات الرئاسية التي خسرت فيها أمام الرئيس إيمانويل ماكرون».

تمتد حالة القلق إلى عديد من الدول الأوروبية، من بينها النمسا وهولندا وغيرهما، وسط مخاوف من صعود اليمين وارتباطه كذلك بصعود تيارات اليمين في أمريكا الجنوبية، بما يمثل إشكالية أمام الاتحاد الأوروبي، لا سيما في تلك الفترة الدقيقة التي يواجه فيه الاتحاد تحديات خاصة في ضوء تبعات الأزمة الأوكرانية، طبقاً لفهمي.

ويرى أستاذ العلاقات الدولية، أن زحف اليمين في أوروبا مرتبط بأمرين رئيسيين، الأمر الأول هو استمرار الحرب في أوكرانيا، والثاني مرتبط بوجود بيئة حاضنة لليمين المتطرف في أوروبا بأكملها. ويلفت في الوقت نفسه إلى تقارير إعلامية أوروبية تناولت هذا الزحف اليميني وقالت إن الاتحاد الأوروبي أمام إعصار جديد يهدد استقراره في توقيت خطير.

كما يرجح هذا الصعود المتنامي لأحزاب اليمين في أوروبا كفة النزعات القومية التي تستغلها تلك الأحزاب، بما يلقي بمزيد من التحديات على كاهل الاتحاد الأوروبي في فترة حبلى بالتحديات والصعوبات ربما غير المسبوقة بهذا الشكل. كما يعكس صعود تلك الأحزاب أزمة الديمقراطية في أوروبا لصالح اليمين الشعبوي.

أسباب الصعود

الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشؤون الأوروبية، نزار الجليدي، يقول لـ «البيان» إنه من المعلوم بأن تقدم اليمين المتطرف في أوروبا بصفة عامة بات عملة صعبة منذ فترة طويلة، فهو قاب قوسين في فرنسا، ووصل في السويد أخيراً، والآن يصل في إيطاليا.

ويعتقد بأن عاملين رئيسيين عززا هذا الصعود، أولهما ارتدادات الحرب في أوكرانيا، والثاني تدفق الهجرة اللامشروط إلى الدفة الجنوبية، موضحاً أن روما لم تعرف ركوداً اقتصادياً.

كما شهدته هذه السنة، كما لم تعرف غلاء في المعيشة مثلما شهدته هذا العام (التضخم مرشح للوصول إلى نسبة 8%).

ويتابع: اليمين المتطرف في إيطاليا كان ضد الحرب في أوكرانيا كما كان ضد الحرب في ليبيا.. وتشهد إيطاليا - جراء تبعات الحرب في أوكرانيا - أزمة طاقة، حيث تعتبر روما الممر الأول، وكانت تحصل من خلال ذلك على مغانم كثيرة، والآن تعاني عجزاً تجارياً كبيراً وغلاء في المعيشة، جبناً إلى جنب وأفواج الهجرة، ما شكل فرصة لصعود اليمين.

تقدم اليمين في إيطاليا «ليس صكاً على بياض» كما يقول الجيلدي، إذ يعتبر أن ذلك التقدم «ظرفي؛ بالنظر إلى طبيعة الحياة السياسية في إيطاليا وما تشهده من اهتزازات».

Email