التغيّر المناخي ينهك مزارعي الأرز في الهند

ت + ت - الحجم الطبيعي

أدت اضطرابات الطقس المستمرة في الهند في السنوات الماضية، واشتدادها هذا العام إلى تغييرات في الخريطة الزراعية، حيث بدأت تحل محاصيل جديدة محل أخرى كانت تعتبر من تقاليد الزراعة في ولايات هندية، فولاية كيرلا، التي كانت تعرف بزراعة الأرز طيلة تاريخها كمحصول رئيسي، ولمرتين في الموسم الواحد، بدأت تدريجياً منذ العام 2008 في التحول إلى محاصيل أخرى، بسبب الأحوال المناخية المضطربة، وارتفاع درجات الحرارة، وعدم ثبات كمة الأمطار الموسمية. لا تعادل المحاصيل الجديدة، مثل القمح، الربحية التي كان يجنيها المزارعون من الأرز، إلا أنه مع تكرار تكبدهم خسائر كبيرة متتالية، خفض القسم الأكبر من المزارعين سقف طموحاتهم من عائدات الزراعة، بالاعتماد على أنواع جديدة غير الأرز بربحية أقل، لكن مضمونة أكثر في تلقي عائدات إيجابية. 

وتحاول ولايات هندية، أبرزها أوتار براديش وبنجاب، تفادي مصير كيرلا في الانتقال من المحاصيل الربحية العالية إلى المتوسطة، ولهذا الغرض اتفقت الجمعيات الزراعية والنقابات على تشكيل مجلس إدارة مخاطر المناخ لإيجاد حل مستدام، فالخسائر تلاحقهم أيضاً، بسبب اضطرابات الطقس، خاصة في العامين الماضيين. 

ومن المتوقع أن يضم هذا المجلس العلماء الزراعيين وخبراء أرصاد و تكنولوجيا، وهي خطوة من شأنها تقديم إرشادات زراعية، وقدرة أكثر علمية على تحليل بيانات الطقس، رغم أن مثل هذه الخطوات لا تقدم حلاً للمزارعين في حل اجتياح فيضانات للحقول الزراعية، وتعد هذه التحديات عقبة رئيسية أمام استراتيجية الهند الزراعية وطموحاتها في أن تصبح سلة غذاء العالم، خاصة بعد أن عززت من مكانتها عقب تعثر إمدادات الزراعة من أوكرانيا وروسيا إثر اندلاع الحرب هناك. 

موسم 2023 

هذا العام أدت موجات الحرارة القياسية إلى خفض إنتاج القمح بنسبة 3 في المئة، كما أن مساحات كبيرة كانت مخصصة لزراعة الأرز تعرضت للتلف، بسبب نقص هطول الأمطار بشكل لم تشهده الهند منذ 7 سنوات، ولم يكن الوقت في صالح المزارعين في استبدال الأرز بمحصول آخر، كما أن تربة الأرز ما زالت رطبة رغم قلة الأمطار، ولا تناسب تحولاً سريعاً نحو محاصيل، تتطلب تربة جافة، مثل القمح وأنواع الحبوب الأخرى. 

وتحاول الحكومة الهندية الحد من الخسائر، خاصة في ولايات شرق الهند، وهي المصدر الرئيسي لإنتاج الأرز، فقامت بتوفير معدات متطورة تساعد في تحقيق توازن في الري، وتقليص الخسائر، على أن يتم وضع خطة محكمة للعام المقبل «مشروع 2023»، لإعادة هيكلة خريطة الزراعة في الهند. 

مجلس مناخي 

بحسب دراسة أجراها مجلس الطاقة والبيئة والمياه فإن أكثر من 75 في المئة من مناطق الهند معرضة للتأثر بالمناخ القاسي، وتشير تقديرات الخبراء إلى أن تغير المناخ قد يقلل من الإنتاجية الزراعية العالمية بنسبة 17 في المئة بحلول عام 2050. لذلك قام نائب رئيس مجلس إدارة السياسة الاقتصادية والتخطيط في ولاية البنجاب سونيل جوبتا بوضع قائمة مقترحات قام بإرسالها لكبار المزارعين والمسؤولين في أنحاء الهند حتى يتم تطبيقها، وذلك بتشكيل مجلس إدارة المخاطر للتخطيط بشكل أفضل وأشمل للعام المقبل، بالتعاون مع الحكومة.

يقول سونيل جوبتا في إحاطة عامة: «يجب أن يبدأ المزارعون في الترويج لممارسات الزراعة المتكاملة المستدامة، التي يمكن أن تتيح زيادة تنوع المحاصيل من المحاصيل الأساسية إلى المحاصيل عالية القيمة والفواكه الاستوائية والخضراوات، وأهمها البطاطس والطماطم والبصل، ويمكن أن توفر الزراعة المتكاملة مع تضمين منتجات الألبان والدواجن وتربية النحل ومصايد الأسماك وزراعة الفطر غذاء إضافياً عالي الطاقة دون التأثير على إنتاج الحبوب الغذائية». 

وأوضح جوبتا أن هناك أربعة طرق مستدامة يمكن للمزارعين، من خلالها إنتاج المزيد من الغذاء والتكيف مع تغير المناخ: 

أولاً، يحتاج المزارعون إلى التقيد بالإرشادات الزراعية في المراحل المبكرة من الزراعة. 

ثانياً، دعم الابتكار التكنولوجي وتحفيز رجال الأعمال لتشجيع تطوير الأدوات الزراعية، ودعم الشركات الصغيرة المحلية المساهمة في قطاع الزراعة، مثل الشركات المنتجة للأسمدة.

ثالثاً، تعديل طبيعة الإعانات القائمة حالياً على الأسمدة والطاقة، والتركيز على ناتج الغذاء السنوي لكل هكتار وتدابير صديقة للبيئة.

الرابع والأهم هو البحث والتطوير المعزز لدراسات الأثر ورصد التحولات، التي يخلفها التغير المناخي على أنواع المحاصيل لحماية دخل المزارع والأمن الغذائي والموارد الطبيعية.

Email