كيف ننظم أوروبا بطريقة سياسية؟ كيف يمكننا أن نذهب إلى ما هو أبعد من الاتحاد الأوروبي؟

سؤالان طرحهما الرئيس الفرنسي إيما نويل ماكرون في خطاب ألقاه أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ مؤخراً، ليكونا بمثابة دعوة لبناء «مجتمع سياسي أوروبي» يكون أوسع من الاتحاد القائم حالياً.

وربط الرئيس الفرنسي، الرد على هذه الأسئلة الآن، بالتزام أوروبا التاريخي في الحفاظ على الاستقرار في القارة، مؤكدا أن الاعتماد على الاتحاد الأوروبي وحده ليس كافيا.

واليوم، خرج زعماء في أوروبا عن صمتهم بشأن موقفهم من دعوة الرئيس الفرنسي إيما نويل ماكرون، حيث أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس تأييده لفكرة ماكرون، بهدف تعميق العلاقات مع الشركاء من خارج الاتحاد الأوروبي، حسب تعبيره.

واستند ماكرون في دعوته إلى أن عملية الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي تستغرق وقتا طويلا، وغالبا ما تستغرق سنوات إن لم تكن عقودا.

ولا يهدف ماكرون إلى إلغاء عملية توسيع الاتحاد الأوروبي، إنما يرى في المنظمة الجديدة «فضاء جديداً» للتعاون السياسي في مجالات الأمن والدفاع والصحة والاقتصاد والطاقة والنقل والاستثمار في البنية التحتية وحرية الحركة للدول الأوروبية الديمقراطية، كما ستسمح للأمم الأوروبية الديمقراطية التي تؤمن بقيم أوروبا الأساسية، بإيجاد مساحة جديدة للتعاون السياسي وللأمن".

ولا تزال دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بناء «مجتمع سياسي أوروبي» يشمل دولا من خارج الاتحاد، تثير جدلاً واسعاً حول هذه الصيغة، حيث يضعها مراقبون في إطار مناورة لرفع الحرج عن أوروبا، في ظل تمسك أوكرانيا بعضوية الاتحاد لمواجهة التدخل الروسي.

تأييد

ولا يوجد حاليا منتدى يمكن لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي أن يناقشوا فيه القضايا الرئيسية مع دول شريكة مرة أو مرتين في السنة، حسب رأي أولاف شولتس، الذي ألقى اليوم الاثنين خطابا بجامعة كارلوفا "تشارلز" في العاصمة التشيكية براغ، تطرق فيه إلى قضايا الأمن والطاقة وحماية المناخ.

وتعهد المستشار الألماني أولاف شولتس اليوم الاثنين في براغ بدعم توسيع الاتحاد الأوروبي ليشمل 30 إلى 36 عضواً واسقاط حق النقض الذي يهدد بشل المؤسسات.
ولضمان جودة أداء الاتحاد الأوروبي الموسع، اقترح المستشار الالماني، توسيع نطاق تدابير مخالفة القواعد وعدم اقتصارها على انتهاكات سيادة القانون، مثل تلك التي تستهدف المجر وبولندا.

وبعد عشرة أشهر من توليه السلطة خلفاً لأنجيلا ميركل، كشف شولتس في خطاب من براغ عن رؤيته لمستقبل أوروبا بالنظر إلى "تغييرات المرحلة" التي سببها الحرب الروسية الأوكرانية، وهو بذلك يتميز عن الزعيمة السابقة التي تركت عدة مقترحات، قدمتها فرنسا بشكل خاص، بدون رد، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

ودعا الزعيم الاشتراكي الديموقراطي الذي يرأس تحالفاً مؤيداً لأوروبا يضم الخضر والليبراليين، إلى توسيع الاتحاد الأوروبي.

وقال من جمهورية التشيك التي ترأس حاليا الاتحاد الأوروبي "استمرار توسيع الاتحاد الاوروبي في اتجاه الشرق هو مكسب لنا جميعاً".

وتحدث شولتس عن "اتحاد أوروبي من 30 إلى 36 دولة، يختلف عن اتحادنا حالياً".

ويوصف الاشتراكي الديموقراطي بالمدافع الشرس، منذ انتخابه، عن انضمام دول غرب البلقان. وقام بزيارتها واستقبل في برلين قادتها في الأشهر الأخيرة.

وقدمت 4 من البلدان الستة في هذه المنطقة، ترشيحاتها وهي: صربيا والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية وألبانيا واثنان لم يفعلا بعد هما: كوسوفو والبوسنة والهرسك، ومع ذلك، فقد وقعت جميعها اتفاقية الاستقرار والمشاركة مع الاتحاد الأوروبي.

مراجعة القواعد

وباشر الاتحاد الأوروبي المفاوضات لانضمام ألبانيا ومقدونيا الشمالية، وهما دولتان تنتظران الانضمام إلى الاتحاد منذ ثمانية وسبعة عشر عامًا على التوالي، لكن العملية لا تزال طويلة ومحفوفة بالصعوبات.

وفي رأي شولتس، يجب أن تتطور قواعد العمل حكماً في التشكيلة المستقبلية، لأن أوكرانيا ليست لوكسمبورغ ولا تنظر البرتغال إلى تحديات العالم كما مقدونيا الشمالية، وبالتالي رأى أن "حيث الإجماع اليوم مطلوب (في الاتحاد الاوروبي) فإن خطر أن تمنع دولة واحدة كل الدول الأخرى من التقدم من خلال استخدام الفيتو يزداد مع كل عضوية جديدة".

لذلك، اقترح شولتس  الانتقال  تدريجياً إلى اتخاذ القرارات بالأكثرية في السياسة الخارجية المشتركة ولكن أيضاً في مجالات أخرى مثل سياسة الضرائب"، بدون أن يخفي أن "لذلك تداعيات أيضاً على ألمانيا".

وفي اعتقاده، أن "التمسك بمبدأ الإجماع لا يصلح إلا عندما يكون الضغط للتحرك ضعيفاً. ولكن الوضع لم يعد كذلك بالنظر إلى تغييرات المرحلة" التي سببها الغزو الروسي لأوكرانيا.

ووعد شولتس بالسعي لتحصل كرواتيا ورومانيا وبلغاريا على انضمامها المنتظر منذ فترة طويلة إلى منطقة شنغن لحرية التنقل. وهو "التزام شخصي" رحب به الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس.

ويريد شولتس الذي أطلق استثمارات ضخمة في الجيش الألماني، معالجة "التقلص غير المنسق للقوات المسلحة الأوروبية وميزانيات الدفاع" الذي كشفه الغزو الروسي.

وأشار إلى ضرورة وجود تعاون أكبر بين الشركات الأوروبية في مشاريع التسلح والتصنيع المشترك والمشتريات.

وكرر شولتس دعمه لاقتراح إيمانويل ماكرون بتشكيل "مجموعة سياسية أوروبية".

وتعهد المستشار الألماني بمناقشة موضوعات مركزية تهم قارة أوروبا ككل مثل: الأمن والطاقة والمناخ والاتصال، مرة أو مرتين في السنة.

التزام

وعلى الرغم من أن التضافر أمر مهم جدا بالنسبة لألمانيا، بيد انه ليس بديلا عن التوسيع المرتقب للاتحاد الأوروبي... لأننا، كما يقول شولتس "ملتزمون بكلمتنا مع المرشحين للانضمام لدينا - مع دول غرب البلقان منذ ما يقرب من 20 عاما".

ويرى الرئيس الفرنسي أنها "منظمة أوروبية جديدة" تسمح بضم المرشحين لعضوية الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى المملكة المتحدة وسويسرا والنروج.

واقترح ماكرون إنشاء مثل هذا التكتل لتحسين التعاون مع الشركاء الذين لن يتم قبولهم في الاتحاد الأوروبي في المستقبل المنظور أو الذين لا يريدون ذلك.

وأشار ماكرون في ذلك على وجه التحديد إلى أوكرانيا، التي أصبحت مؤخرا مرشحا رسميا لعضوية الاتحاد الأوروبي، ولكن وفقا لقواعد الاتحاد الحالية فإنه من المرجح ألا تحصل على العضوية إلا العقد المقبل على أقرب تقدير.

لا تتخلّوا عنا

وربما تكون فكرة بناء مجموعة سياسية أوروبية، جزءا من خطة إصلاح منظومة الاتحاد، لكن طرحها في هذا الوقت، بحسب مراقبين، يهدف إلى إيجاد مخرج لرفض طلب أوكرانيا بالانضمام للاتحاد الأوروبي، وربما تكون مناورة في إطار خطة غير قابلة للتطبيق.

وأراد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن يستفيد من «إجراء خاص» يتيح لبلاده الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

ولم تثمر الرسالة القوية التي وجهها زيلينسكي إلى الاتحاد الأوروبي، خلال خطاب عبر الفيديو تم بثه في مقر البرلمان الأوروبي ببروكسل، جدد فيه طلب بلاده الاستفادة من هذا الإجراء الخاص يسمح لها بالانضمام سريعا إلى التكتل؛ إذ لم يخرج الترحيب الذي تلقاه من نواب أوروبيين ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، من إطار «التعاطف» من دون بحث صيغة للاستجابة لطلب زيلينسكي، خاصة أن دول الاتحاد أوحت إليها قبل الحرب أنها ستقف إلى جانبها.

وكان رؤساء ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي هي التشيك ولاتفيا وليتوانيا وبلغاريا وإستونيا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا، دعوا في رسالة مفتوحة إلى بدء محادثات انضمام أوكرانيا بصورة فورية.