نموذج عالمي يبرز دور البحث والتطوير في تعزيز الاقتصاد الرقمي في الإمارات

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تأتي دولة الإمارات في مراكز متقدمة وفق معظم مؤشرات تقنية المعلومات والاتصالات في المنطقة. وباعتبارها دولة رائدة عالمياً في مجال الحكومة الإلكترونية والتحول الرقمي، نفذت الدولة تحديثات كبيرة في قطاعات حيوية عديدة كالتعليم والرعاية الصحية والطاقة المستدامة والنقل والفضاء وإدارة البيانات، خططت للانتقال إلى الاقتصاد القائم على المعرفة بالاعتماد على التكنولوجيا. وتركز الدولة على متابعة تطوير قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات من خلال ترقية البنية التحتية باستمرار والشراكة مع رواد التكنولوجيا العالميين ورعاية المواهب التقنية في إطار خطة التحول الاقتصادي لمرحلة ما بعد النفط وبناء مستقبل مستدام أكثر سعادة .

لا يخفى على أحد بأن تطور قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات يعتمد بالدرجة الأولى على البحث والتطوير، وقد ضعت الحكومة الإماراتية هذا المجال في مقدمة أولوياتها، بداية بتأسيس مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في عام 1994، مروراً بتنفيذ العديد من المبادرات مثل سياسة حوكمة البحث والتطوير ومجلس الإمارات للبحث والتطوير، وانتهاء بإطلاق الدليل الوطني لقياس الإنفاق على البحث والتطوير في القطاع الحكومي وتأسيس مجلس الأبحاث التقنية الحديثة. وتمتلك دولة الإمارات العديد من مراكز الابتكار المهمة مثل مركز الإمارات لأبحاث السعادة والمركز الوطني لعلوم وتكنولوجيا الفضاء ومركز خليفة للهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية وغيرها، وتركز باستمرار على تعزيز التعاون في مجال البحث والتطوير وتأسيس مراكز دولية مشتركة لتحسين القدرات التقنية.

تشارك جميع القطاعات الاقتصادية بالإمارات في الإنفاق على البحث والتطوير. وبدءاً من عام 2020، تم تخصيص 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي للبحث والتطوير. ومن المتوقع أن يصل الإنفاق إلى 57 مليار درهم بحلول عام 2031 أي أكثر من ضعف الإنفاق في عام 2020 والذي بلغ 21 مليار درهم. وخصصت حكومة أبوظبي 4 مليار درهم لتعزيز البحث والتطوير. كما أنفقت الإمارة 40 مليون درهم إماراتي لتمويل الأبحاث على 53 مشروعاً في ثمانية قطاعات رئيسية في عام 2021.

يجمع الخبراء حول العالم بأن تجربة الصين في مجال ريادة البحث والتطوير مثال رائد يحتذى به، ويمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة الاستفادة منه لتعزيز الابتكار ودفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية. فاستثمارات الصين الكبيرة ضمن القطاعين العام والخاص في البحث والتطوير شهدت ازدهاراً كبيراً بفضل جهود الصين للارتقاء بهذا المجال الحيوي وتعزيز مكانتها في الابتكار على المستوى العالمي، تحديداً في المجال التقني الذي بات يشمل طيفاً من  التقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي والجيل الخامس والحوسبة السحابية تسهم بشكل واضح في تطوير بقية القطاعات وإعادة صياغة مستقبل البشرية.

تمكنت الصين من مجاراة الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص في أبحاث الذكاء الاصطناعي، حيث يواصل الباحثون الصينيون نشر أبحاصهم عن الذكاء الاصطناعي وحققوا براءات اختراع أكثر من باحثي الولايات المتحدة وستصبح الشركات الصينية في وقت قريب رائدة العالم في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي.

وفي 2021، استحوذت الصين على خُمس استثمارات القطاع الخاص في الذكاء الاصطناعي عالمياً، ووصلت قيمة الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي التي تم تأسيسها في الصين إلى 17 مليار دولار، وهو تطور واعد تركز عليه دولة الإمارات التي  حققت المركز الأول على المستوى العالمي في توفير أفضل نظام إيكولوجي للشركات الناشئة ورواد الأعمال في عام 2022 متجاوزة بذلك العديد من الدول الرائدة عالمياً. وأشاد مؤسسو الشركات في الإمارات بالاستراتيجيات التي تنفذها الحكومة الإماراتية وسياسات التمكين والنظام الإيكولوجي المحلي الذي يساعد الشركات الناشئة على تحقيق الازدهار.

الصين في المرتبة الأولى عالمياً في تقنيات الجيل الخامس التي باتت الشريان الرئيسي المغذي لتنمية وتطوير أعمال وخدمات سائر القطاعات والصناعات. وتُعتبر الصين اليوم مركزاً لأكبر بنية تحتية للهاتف المحمول من الجيل الخامس. وبدءاً من عام 2021، تم تركيب 1.43 مليون محطة أساسية من الجيل الخامس في الصين أي 60% من إجمالي محطات الجيل الخامس عالمياً، مما ساهم في تعزيز دور النظام الإيكولوجي وتطوير شبكات الجيل الخامس حول العالم. ومن المعروف أن الصين لم تكتفي بريادة الجيل الخامس فحسب، بل تستهدف قيادة الجيل القادم، حيث أعلنت عن استراتيجية الجيل السادس قبل اعتماد المعايير اللازمة له كما كان الحال في نشر الجيل الخامس عام 2019.

وكشف تقرير نشرته وكالة نيكاي اليابانية أن الصين حققت المركز الأول في طلبات اختراع الجيل السادس بنسبة 40.3% من الطلبات على المستوى العالمي، متقدمة على الولايات المتحدة التي بلغت نسبة الطلبات التي قدمتها 35.2%. وأعلن معهد بيربل ماونتن لاباراتوريز الذي تشرف عليه الحكومة الصينية في وقت سابق من العام الحالي أنه حقق إرسالاً لاسلكياً من الجيل السادس وصلت سرعته إلى 206.25 جيجابت في الثانية لأول مرة في المختبر.

تتبنى العديد من الشركات الخاصة في الصين نهج البحث والتطوير. مثال ذلك شركة هواوي الصينية التي استثمرت في 2021 في البحث والتطوير مايزيد عن  22.4 مليار دولار، أي ما يعادل 22.4% من إيراداتها لهذا العام. ووصلت نفقات البحث والتطوير على مدار الأعوام العشرة الماضية إلى أكثر من 132.5 مليار دولار. وحققت المرتبة الثانية على لائحة الاتحاد الأوروبي للاستثمار في البحث والتطوير الصناعي لعام 2021. وبلغ عدد موظفي البحث والتطوير لدى هواوي 107.000 موظف، أي ما يعادل 54.8% من إجمالي موظفيها. وتمتلك هواوي اليوم أكبر محفظة لبراءات الاختراع على المستوى العالمي، حيث نالت أكثر من 110.000 براءة اختراع في أكثر من 45.000 عائلة من براءات الاختراع في 2021.

في الجيل الخامس، حققت هواوي مكانة رائدة عالمياً بفضل استثمار أكثر من 600 مليون دولار في أبحاث الجيل الخامس بين عامي 2009 و2013 ، تبعها 1.4 مليار دولار في تطوير منتجات الجيل الخامس بين عامي 2017 و2018. وحازت شبكاتها للوصول اللاسلكي من الجيل الخامس المركز الأول للعام الثالث على التوالي وفقاً لتقرير شركة جلوبال داتا للنصف الثاني من عام 2021. وبدأت الشركة أعمال البحث والتطوير للجيل السادس في 2019 وأعلن الرئيس الدوري لمجلس إدارتها العام الماضي أنها تخطط لإطلاق شبكات الجيل السادس في عام 2030.

هواوي مثال واضح على أهمية التركيز على البحث والتطوير الذي لم يسهم في ثبات الشركة في وجه التحديات فحسب، بل ساهم في تنويع أعمالها بتأسيس وحدات أعمال جديدة كالطاقة الرقمية التي تعتمد على إلكترونيات الطاقة لتطوير الطاقة النظيفة وتمكين التحول الرقمي في قطاع الطاقة وتعزيز جهود حيادية الكربون للارتقاء بقطاع الطاقة. وطورت السركة أعمال الحوسبة السحابية "هواوي كلاود" التي توفر منصة أساسية لتحقيق التحول الرقمي في شركات ومؤسسات الإنترنت، وتُعتبر اليوم موفر الخدمات السحابية الأكبر نمواً في العالم.

وتماشياً مع نهج الحكومة الصينية لرعاية الشركات الناشئة، أطلقت هواوي العام الماضي مبادرة "سبارك" لدعم الشركات الناشئة في المنطقة كجزء من برنامج "واحة هواوي للسحابة" الذي تم إطلاقه في سبتمبر 2021 وأعلنت من خلاله أنها تخطط لاستثمار 15 مليون دولار على مدار 3 أعوام لدعم المؤسسات التقنية وتنمية الأنظمة الإيكولوجية في الشرق الأوسط. كما أعلنت الشركة في 2019 عن أنها ستستثمر 1.5 مليون دولار في برنامج المطورين حتى عام 2024 لدعم 5 ملايين مطور وتمكينهم من ابتكار الجيل القادم من التطبيقات والحلول الذكية. وخصصت مسابقة هواوي للتطبيقات التي تم إطلاقها في الشهر الماضي أكثر من 1 مليون دولار أمريكي من أموال الجائزة لتشجيع المطورين على تصميم نظام إيكولوجي ذكي يربط جميع التطبيقات، وتضمنت إطلاق مسابقة أفضل تطبيق عربي تستهدف تشجيع المطورين العرب على تصميم تطبيقات مخصصة للمتحدثين باللغة العربية.

ساهمت الابتكارات التقنية في تمكين الصين من مواجهة الحملة التي يشنها الغرب بقيادة الولايات المتحدة تحمل طابعاً جيوسياساً بإجماع الخبراء والمحللين العالميين، وتهدف إلى عزل الشركات الصينية وكبح جماحها لريادة سوق التكنولوجيا العالمي. وساهم القطاعين العام والخاص في الصين في مواجهة هذه التحديات من خلال السعي لتحقيق الاكتفاء التقني الذاتي ، لا سيما في مجال أشباه الموصلات الهام جداً، حيث تُعتبر الصين أكبر مستورد للرقائق الإلكترونية عالمياً. وشهد العام الماضي تراجع الواردات الصينية من الدارات المتكاملة بنسبة 9.6% في الربع الأول من عام 2022 مقارنة بالعام الماضي وفقاً لبيانات الجمارك الصينية بفضل التركيز على نهج الاكتفاء الذاتي في مجال أشباه الموصلات.

لا شك بأن البحث والتطوير بات عماد الابتكار وأهم فروعه الابتكار التقني. ولا شك بأن السباقين في هذا المجال سيجنون ثمار جهودهم ضمن مجالات عديدة، وستكون لهم الأولوية في صياغة مستقبل مستدام ومشرق لشعوبهم. وبالعودة لدولة الإمارات التي حققت مكانة مهمة في الاقتصاد العالمي بفضل الرؤية الاستراتيجية لقيادة الدولة وإسهامات القطاع الخاص، وتواصل اتخاذ إجراءات ملموسة لتنمية اقتصادها الرقمي بالاعتماد على التقنيات الرقمية، فالفرصة سانحة لتحقيق مزيد من الازدهار وتوفير العديد من الفرص لمجتمعات الأعمال والأفراد من خلال التعاون بين القطاعين العام والخاص، والاستفادة من تجارب الدول الرائدة في البحث والتطوير الذي لطالماً آتى أكله على طريق تحقيق رؤية البلاد للتنمية الاجتماعية والاقتصادية وبناء الاقتصاد الرقمي المستدام القائم على المعرفة لتكون الامارات الأكثر تطوراً والأسعد على مستوى العالم.

Email