إعادة التشجير.. ترياق الحرائق والتغير المناخي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بدءاً من غابات الأمازون، مروراً بتركيا، ووصولاً إلى أوروبا، أسهمت حرائق الغابات التي تُعزى غالباً إلى التغير المناخي، في فقدان العالم ملايين الهكتارات من المساحات الخضراء، وسط تكلفة باهظة للخسائر البيئية الناجمة جراء ذلك.

وفي سياق تواصل الجهود العالمية من أجل الحد من آثار التغير المناخي تولي عديد من الدول اهتماماً واسعاً بالآليات التعويضية المتبعة لإعادة التشجير، باعتبارها جزءاً مُهماً من مواجهة الأزمة، بينما تلف عدة عوائق تلك الجهود البيئية. 

تقرير أممي سابق سجلّ خسارة 10 ملايين هكتار سنوياً من الغابات حول العالم، وقد كان المعدل في العام 2015 يصل إلى 16 مليون هكتار. وتشير بيانات وإحصاءات منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، إلى أن العالم فقد منذ العام 1990 ما يزيد على 420 مليون هكتار من الغابات.

وتستحوذ قارة أفريقيا على النصيب الأكبر من الخسائر في العقد الممتد من 2010 وحتى 2020. بينما يحذر خبراء الأمم المتحدة من زيادة تواتر حرائق الغابات وشدتها، مع زيادة عالمية في الحرائق الشديدة بنسبة تصل إلى 14 % بحلول عام 2030، و30 % مع نهاية عام 2050 و50 % بحلول عام 2100، حسب ما ورد في تقرير جديد لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وGrid-Arendal وهو مركز اتصالات بيئية غير ربحي.

 

مهمة الأشجار

مستشار برنامج المناخ العالمي وأمين اتحاد خبراء البيئة العرب، مجدي علام، يقول: إن الأشجار هي مصدر مهم للكلوروفيل، المسؤول عن عملية التركيب الضوئي في النباتات، لتمتص النباتات أكاسيد الكربون من الجو وتنتج الأوكسجين ومواد سكرية وغذائية مختلفة مثل النشا، وبالتالي فإن النباتات والأشجار تمثل الرئة الرئيسية لامتصاص الملوثات من الجو، بما يسهم بشكل أساسي في التصدي للتغير المناخي أو التكيف مع الأزمة.

ويلفت الخبير البيئي في تصريحات لـ «البيان» من العاصمة المصرية، إلى أن «الغطاء الأخضر يعتبر في الوقت نفسه أكبر حزام لحماية الكائنات الحية بشكل عام، من الحشرات والطيور وحتى الحيوانات»، وهو عنصر مهم في تحقيق التوازن البيئي، علاوة على دور الأشجار في تثبيت التربة والمساهمة في عدم الانجراف، فبدون السياج الشجري من الممكن أن يتم فقدان نحو ربع المساحات المزروعة.

ويشدد على أن الأسيجة الشجرية من العوامل المساعدة على حماية التربة من التآكل والتصحر، موضحاً أن ثمة ثلاث ظواهر أساسية مرتبطة بالتغير المناخي، وهي (ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والتصحر) ويمكن من خلال التوسع في زراعة الأشجار المساهمة في الحد من تلك الظواهر، وبالتالي فثمة حاجة ماسة للتوسع في زراعة الأشجار والتشديد على قوانين وضوابط زراعتها وعدم قطعها إلا بموافقة الجهات المختصة.

ويلفت علام في الوقت نفسه إلى فقدان العالم نسبة كبيرة من المساحات المزروعة، بالنظر إلى حرائق الغابات وآثارها الواسعة، ويعتقد في الوقت نفسه بأن تعويض تلك الخسائر ليس أمراً سهلاً، إذ قد يتم تعويضها بشكل جزئي وليس كلياً، لاعتبارات أن زراعة هذه الكمية من الأشجار من جديد تستغرق وقتاً طويلاً حتى نموها.

ويُبرز الخبير البيئي في الوقت نفسه مبادرات عربية مُهمة في سياق زراعة الأشجار وزيادة المساحات المزروعة، من بينها مبادرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لزراعة مليارات الأشجار، ومبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لزراعة 100 مليون شجرة، إضافة إلى مستهدفات دولة الإمارات في 2030، ومبادرات الأحزمة الخضراء في العالم العربي.

وطبقاً لدراسة سابقة نشرتها مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن زراعة مليار هكتار (ما يعادل 500 مليار شجرة) مع زيادة بنسبة 25% للغابات، يمكن أن يقود إلى إزالة نحو ثلثي الملوثات الكربونية الناجمة عن النشاط البشري منذ بدايات القرن التاسع عشر.

 

إعادة التشجير

ويشير الخبير البيئي ماهر عزازي، إلى أن عمليات إعادة التشجير المشار إليها هي وسيلة فعّالة من أجل تعويض ما تم فقدانه من مساحات خضراء لأسباب مختلفة من بينها الحرائق على عدة سنوات. يتم من خلال تلك العملية زراعة الأماكن التي دُمرت تماماً وفق خطة زمنية تتناسب مع نوع النباتات والأشجار المزروعة، والمدّة الزمنية لنمو كل نوع على حدة «لكن ذلك قطعاً يستغرق وقتاً طويلاً نسبياً من أجل التعويض الكامل».

ويشدد على أنه بالنسبة للغابات فإنها قادرة على «التعويض الذاتي» لأنه غالباً ما تنمو فيها الأشجار والنباتات طبيعياً في الأماكن المتواجدة بها، لكن هذه المسألة أيضاً تستغرق وقتاً أطول، لافتاً إلى أهمية زراعة الأشجار كإحدى السبل الرئيسية في مواجهة التغير المناخي وآثاره الخطيرة.

ويردف الخبير بالتغيرات المناخية في تصريحاته لـ «البيان» قائلاً: «في عمليات إعادة التشجير يتم تقسيم الأراضي إلى مساحات متباينة، على حسب نوع كل مجموعة أشجار ونباتات، ويكون لكل مساحة خطة مختلفة، ومدد زمنية على حسب نوعها وكذا على حسب الإمكانات المتوفرة وخطط الدول والإدارة المهيمنة على عملية إعادة التشجير». 

 

التكيف

ويؤكد رئيس وحدة التغير المناخي السابق بوزارة البيئة في مصر، خبير المناخ الدكتور السيد صبري، أهمية التشجير كحل أساسي ضمن حلول التكيف مع التغير المناخي والحد من آثاره حول العالم، مشدداً على أن تعويض المساحات المزروعة التي فُقدت خلال السنوات الماضية حول العالم مُهمة ضرورية في هذا السياق.

ويلفت الخبير المصري في تصريحات لـ «البيان» من القاهرة، إلى أن هناك أسباباً مختلفة لتآكل المساحات المزروعة والأشجار، من بينها الكوارث المختلفة مثل الحرائق، بما يتطلب وجود خُطط لتعويض تلك المساحات بأشجار جديدة «صحيح أنها تستغرق وقتاً أطول وجهداً، إلا أنه حل لا بديل عنه للتكيف مع التغير المناخي».

ومن بين أبرز الأسباب أيضاً -بخلاف الكوارث- ما يتعلق بالنشاط البشري في قطع الأشجار والغابات لاستخدام الأخشاب في أغراض الصناعة المختلفة، بما يتطلب وجود خُطط مسبقة لزراعة أشجار بديلة ضمن إدارة الغابات، حتى لا يحدث أي خلل في المنظومة.

Email