العرب وأوروبا.. شراكة استراتيجية ومصالح متبادلة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الحرب دائرة في أوكرانيا وصداها يدوي حول العالم، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط التي تواجه دولها تحديات وفرصاً متفاوتة ناجمة عن تبعات ونتائج الحرب الراهنة، وانعكاساتها على مختلف القطاعات. الأزمة الراهنة نبهت إلى ثغرة في السياسات الأوروبية المتبعة في سياق الاعتماد على الغاز الروسي، ودفعت بموازاة ذلك إلى معطيات جديدة تقود إلى فتح آفاق جديدة للعلاقات مع دول المنطقة. 

الرؤية الأوروبية الجديدة في فتح آفاق مع دول المنطقة العربية تأتي بناءً على مقاربات سياسية واقتصادية مختلفة في سياق جملة المتغيرات التي تشهدها العلاقات الدولية منذ زلزال الرابع والعشرين من شهر فبراير الماضي المتمثل في العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

الأسابيع القليلة الماضية بشكل خاص كانت زاخرة بالتفاصيل المؤكدة على إعادة تموضع منطقة الشرق الأوسط بشكل جديد غير الاتجاهات الاستراتيجية الراهنة للسياسات الخارجية الغربية. وقد عبّرت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة العربية السعودية أخيراً وقمة جدة عن تلك الاتجاهات، وموقع دول الشرق الأوسط في قلب السياسة الخارجية الأمريكية والغربية كلاعب رئيسي ومؤثر بشكل كبير في النسق الدولي في ظل حالة السيولة السياسية الراهنة.

تزامن ذلك مع اتصالات وزيارات ولقاءات مختلفة، تحمل في دلالاتها نذر مرحلة جديدة من العلاقات العربية الأوروبية بالاستفادة من دروس حرب أوكرانيا. وقد حملت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى فرنسا أخيراً، وزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى اليونان وفرنسا، والجولة الأوروبية التي أجراها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والتي شملت ألمانيا وصربيا وفرنسا، دلالات تصب في هذا السياق، لا سيما لجهة توقيت تلك الزيارات.

دور عربي مركزي

يعتبر المحلل السياسي الإيطالي، ماسيميليانو بوكوليني، أن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى فرنسا والجولة الأوروبية لكل من ولي العهد السعودي والرئيس المصري «دليل على الدور المركزي الجديد لدول الخليج والشرق الأوسط في السياسات العالمية»، لاسيما لجهة توقيت تلك الزيارات المهمة في وقت تواجه فيه أوروبا تحديات مفصلية.

ويشير المحلل الأوروبي في تصريحات خاصة لـ«البيان» إلى اعتراف الرئيس الأمريكي جو بايدن بهذا الدور (العربي) بالفعل خلال زيارته للمملكة العربية السعودية، مشيراً إلى عديد من العوامل التي تؤكد استراتيجية العلاقات العربية الأوروبية، بالتطبيق على بلاده التي هي على سبيل المثال تحتاج الآن إلى الغاز المصري ولتنفيذ المشاريع التي تمتلكها شركة إيني في مصر مثلما تحتاج فرنسا للنفط من الخليج.

يقول بوكوليني: «تعترف أوروبا أيضاً باستقرار هذه الدول وقياداتها الحكيمة. أنا متأكد من أنه في المستقبل ستكون هناك آفاق واسعة للتعاون بين الدول الأوروبية والإمارات بشكل خاص». ويشير إلى أن الإمارات والسعودية هما شريكان تاريخيان لأوروبا.

ولا يعتقد المحلل الإيطالي بأن هناك أية دولة يمكن أن تهدد العلاقات بين أوروبا والدول العربية.

وتنطلق العلاقات العربية الأوروبية من أساس المصالح المشتركة. في الوقت الذي لم تبدِ فيه عديد من الدول مواقف داعمة لأي من أطراف الصراع الراهن، متمسكة بمصالحها المتوازنة مع الشرق والغرب ضمن ردّات الفعل والتعليقات على العملية الروسية في أوكرانيا.

تغيرات تدريجية

وطبقاً لدبلوماسي أوروبي سبق وأن عمل في منطقة الشرق الأوسط كسفير لبلاده بعدد من الدول، فإنه في الوقت الحالي (على المدى القصير) يُمكن أن يكون هناك بعض التغيرات الطفيفة التي تطرأ على السياسات الخارجية الغربية إزاء قضايا وملفات منطقة الشرق الأوسط، لجهة رفع مستوى العلاقات مع دول المنطقة وزيادة التنسيق حول الملفات الأساسية، لا سيما ملفات الطاقة.

لكنه في الوقت نفسه يقول إن مدى تطور العلاقات يتوقف جزء منه على «حجم إدراك النتائج السلبية للحرب الدائرة في أوكرانيا، بما في ذلك الآثار المؤذية جزئياً للعقوبات المفروضة على روسيا أيضاً».

ويعتقد الدبلوماسي الأوروبي، الذي رفض ذكر اسمه، بأن «التغيرات العميقة في مستقبل العلاقات (على المدى الطويل) عادة ما تستغرق وقتاً ليتم تنفيذها، وتكون مقبولة سياسياً على نحو واسع من جميع الأطراف»، وذلك كنتيجة مباشرة للتطورات الراهنة.

وتبزغ رغبة الاتحاد الأوروبي عموماً من أجل زيادة حضوره في المنطقة، لا سيما في منطقة الخليج، في ظل التغيرات الحتمية في استراتيجية الطاقة بعد الخلل الذي كشفته الحرب الروسية الأوكرانية. إضافة إلى الملفات الأمنية وملف الهجرة واللجوء والعلاقات الثنائية، وغيرها من الملفات محل الاهتمام المشترك بين دول المنطقة والاتحاد الأوروبي.

تبعات اقتصادية

من لندن، يتحدث الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لـ«البيان»، عن الطاقة كأبرز المحددات الأساسية التي يتحدد بناءً عليها مستقبل العلاقات العربية الأوروبية، لا سيما وأن «العملية الروسية في أوكرانيا قد أبرزت الخلل الكبير الذي تعاني منه السياسة الأوروبية في سياق الاعتماد على روسيا، يدعم ذلك البحث عن مصادر بديلة، من بينها دول الشرق الأوسط».

ويتابع: «رأينا في بدايات هذا العام - قبل العملية الروسية - إغلاق جميع المفاعلات النووية للطاقة في ألمانيا والاتجاه نحو الاعتماد بشكل أكبر على الغاز وحتى النفط من روسيا.. دول اليورو تعتمد اعتماداً كبيراً على موسكو في تأمين احتياجاتها من الطاقة، وبشكل خاص كل من ألمانيا وإيطاليا.. ما حدث أخيراً أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة للاتحاد الأوروبي والمشكلات التي نراها اليوم بسبب ذلك الاعتماد».

ويشير إلى أن هذه اللحظة كانت كاشفة وفاصلة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي أدرك حتمية البحث عن حلول لهذه الأزمة وتنويع مصادر الطاقة في القارة الأوروبية، وهذا له تأثير مباشر على الدول العربية، بشكل خاص الدول المنتجة للنفط وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يرسم أفقاً خاصة للعلاقات الأوروبية بدول منطقة الشرق الأوسط.

Email