كيف ابتلع «الناتو» فكرة الاستقلال الأمني الأوروبي؟

زعماء دول الناتو في قمة مدريد | أ.ب

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل نهاية ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، توترت العلاقات بين دلو حلف شمال الأطلسي (ناتو) على خلفية مطالبة ترامب للأعضاء بزيادة مساهماتهم المالية في الحلف إلى 2 في المئة من الدخل الوطني، وعلى إثرها حدثت مشاحنات بين دول الحلف وتفاقمت حين أبرم ترامب صفقة مع تركيا قامت الأخيرة بموجبها بشن عملية عسكرية في شمال سوريا.

حينها احتجت دول أوروبية على ترهل حلف الناتو وغياب الانسجام بين أعضائها، فارتفع منسوب الحديث الأوروبي عن ضرورة تشكيل قوة دفاع أوروبية مستقلة عن الناتو، تتولى حماية أوروبا من أي تهديدات. وأطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تصريحه الشهير حينها أن حلف الناتو «ميت سريرياً».

فكرة تشكيل قوة دفاع أوروبية مستقلة فكرة فرنسية في الأساس، ونادراً ما تفاعلت معها ألمانيا إيجابياً في العلن. وحين تصاعدت التوترات حول استخراج الغاز شرقي المتوسط بين تركيا وقبرص واليونان، عاين الفرنسيون كيف أن حلف الناتو يفتقد للانسجام بمرور الوقت وتتعارض مصالح بعض أعضائه بشدة، كما في حالة اليونان وتركيا. و

في يوليو 2020 تحدث ماكرون بوضوح وهو يقف بجانب نظيره القبرصي نيكوس أناستاسيادس: «في هذا الجزء من البحر المتوسط، الذي يعتبر حيوياً لبلدينا.. تعد قضايا الطاقة والأمن جوهرية. الأمر يتعلق بصراع على النفوذ لا سيما من جانب تركيا وروسيا اللتين تؤكدان وجودهما أكثر فأكثر وفي مواجهة ذلك لا يفعل الاتحاد الأوروبي حتى الآن شيئاً يذكر».

لكن رياحاً شديدة هبت وكسرت سفينة الدفاع الأوروبية وهي في المهد. فقد أدت الحرب في أوكرانيا إلى البحث عن مظلة دفاعية جاهزة حيث لا وقت للتفكير في بناء مظلة عسكرية جديدة، فكان الثمن هو نهاية التفكير بالقوة الأوروبية الموحدة.

واليوم، قررت دول حلف شمال الأطلسي خلال قمة مدريد تعزيز وجودها العسكري على أبواب روسيا وإطلاق آلية التوسيع لضم السويد وفنلندا، في خطوة اعتبرتها موسكو «عدائية» و«مزعزعة للاستقرار». وأعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ عند افتتاح النقاشات التي يشارك فيها كل قادة الحلف حتى الخميس أن الحلف «في لحظة محورية» من تاريخه.

خلال هذه القمة التي اعتمد خلالها الحلف خريطة طريق استراتيجية جديدة بعد مراجعة تلك المعتمدة منذ 2010 للمرة الأولى، ندد قادة الحلف بـ«الوحشية المروعة» التي تمارسها روسيا في أوكرانيا وتعهدوا بتقديم المزيد من الدعم لكييف.

تعليقاً على دور الأطلسي في أوروبا، تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن «نحن على الموعد وسنثبت أن حلف الأطلسي ضروري أكثر من أي وقت مضى» معلناً عن تعزيز الوجود العسكري الأميركي في كل أنحاء أوروبا وخصوصا في دول البلطيق.

في هذا الإطار، يرى جيسون دبليو. ديفيدسون، الزميل غير المقيم بـ«المجلس الأطلسي» وأستاذ العلوم السياسية بجامعة ماري واشنطن، إنه في ظل هذه الحقيقة، ليس من المرجح أن يصبح هدف الاتحاد الأوروبي في تحقيق الاستقلال الاستراتيجي أمرا واقعا في المستقبل القريب.

وكتب ديفيدسون في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية أنه كان من قبيل الصواب في الأيام الأولى التي أعقبت انطلاق الحرب في أوكرانيا، أن يتوقع المرء أن توفر الحرب الزخم الضروري للاتحاد الأوروبي ليحقق استقلاله الاستراتيجي أخيراً.

وعلى مدار الأشهر التالية، صار من الواضح أنه ليس من المرجح أن يؤتي الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي ثماره في المستقبل القريب، فقد زادت الحرب من المخاطر، وأوضحت الخطر الذي ينطوي عليه تشكيل بديل لحلف الأطلسي.

ووصف ديفيدسون طلبي السويد وفنلندا لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي بـ «ناقوس الموت» للاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، فالدولتان عضوتان في التكتل، ومن الناحية النظرية، يتعين توفير الحماية لهما من خلال البند 42 المتعلق بالدفاع من «معاهدة لشبونة».

كما تدرك الدولتان أن سعيهما لعضوية الناتو، سيثير غضب روسيا، وربما يعرضهما لتدابير قسرية لتبقيا بعيدتين عن الحلف. ولو كانت الدولتان تؤمنان بأن الاستقلال الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي يوفر حماية كافية لهما في وجه روسيا، على المدى القريب أو المتوسط، لكان من قبيل المنطق لهما البقاء خارج الحلف.

Email