الميزانيات الخضراء.. نجاة المناخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

ضمن جلسات المؤتمر العالمي للبرلمانيين الشباب في نسخته الثامنة، التي أقيمت أخيراً بمدينة شرم الشيخ المصرية، تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، بالتعاون مع الاتحاد البرلماني الدولي، دار نقاش موسّع حول سُبل مواجهة التغير المناخي، وشهدت المناقشات تأكيداً لأهمية الميزانيات الخضراء، ضمن العوامل والحلول المهمة للتصدي لأزمة المناخ العالمية.

ومصطلح الميزانيات الخضراء يُنظر إليه باعتباره مصطلحاً حديثاً نسبياً، وقد بزغ بشكل كبير في ظل الاهتمام العالمي الواسع بقضية المناخ خلال العقود الأخيرة، ومع الاستراتيجيات العالمية للتكيف مع الأزمة والحد من آثارها المُدمرة، عبر اتباع حلول «خضراء» صديقة للبيئة ضمن الأنشطة المختلفة على الصُعد كافة.

في مصر، وبينما تستعد مدينة شرم الشيخ لاحتضان قمة «كوب 27» في نوفمبر المقبل، أعلنت القاهرة اعتزامها الوصول إلى ميزانية خضراء بنسبة 100% بحلول العام 2030، طبقاً لرئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي.

الخبير الاقتصادي المصري، سيد خضر، يشير إلى أنَّ الميزانيات الخضراء هي بيان مستقبلي تقديري يتم وضعه من قِبل الدول التي تحدد فيه المصروفات المستقبلية، وكذلك الإيرادات خلال سنة، والتي تخص بشكل كامل الاقتصاد الأخضر.

ويوضّح في تصريحات لـ«البيان»، أنَّ هناك دولاً كثيرة لديها رؤية مستقبلية للاقتصاد الأخضر، على الرغم من التكلفة الضخمة لهذا التحول، بينما هناك دول واقتصادات ناشئة لن تكون لديها القدرة بنفس الوتيرة على التحوّل إلى الاقتصاد الأخضر بشكل سريع، خاصّة في ظل الأحداث التي يمر بها العالم، وأزمة التغيُّرات المناخية التي تؤثر على العالم أجمع.

ويشدد على أنَّ الاتجاه إلى الاقتصاد الأخضر هو «اتجاه إجباري» من أجل الحدّ من تداعيات التغيُّرات المناخية التي سنواجهها في المستقبل، والتي ستؤثر على الإنتاج الزراعي والسلة الغذائية وعلى كل مناحي الحياة.

ويضيف: «هناك نماذج مختلفة في المنطقة العربية تتبنى استراتيجيات تراعي تلك الأبعاد، في الإمارات والسعودية ومصر على سبيل المثال، من خلال استراتيجيات للتنمية المستدامة تهدف للمحافظة على حقوق الأجيال القادمة، من خلال التوسع في استخدام الطاقة النظيفة للمحافظة على البيئة والحد من الانبعاثات»، موضّحاً أنَّ «الاقتصاد الأخضر سيكون طوق النجاة للتغيُّرات المناخيّة المقبلة».

سندات سيادية

وأصدرت مصر في وقتٍ سابق أول سندات سيادية خضراء بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بقيمة 750 مليون دولار، لتوفير أدوات جديدة، ومبتكرة لتمويل المشروعات الخضراء في مجالات إدارة النفايات، والنقل النظيف والطاقة المتجددة، وغيرها.

يأتي ذلك ضمن جهود واسعة تبذلها العديد من الدول في إطار الاستراتيجيات الهادفة للحد من آثار التغير المناخي، وفي إطار الاهتمام المتنامي بالميزانيات الخضراء، في إطار استخدام أدوات صنع سياسة الميزانية للمساعدة في تحقيق الأهداف البيئية والمناخية، ويشمل ذلك تقييم الآثار البيئية لسياسات الميزانية والسياسات المالية، وتقييم مدى اتساقها تجاه الوفاء بالالتزامات الوطنية والدولية.

ويمكن أن تسهم الميزانية الخضراء أيضاً في النقاش المستنير والقائم على الأدلة حول النمو المستدام، ومراجعة مدى تحقق الأهداف البيئية والمناخية الوطنية.

يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور مدحت نافع: «إنَّ الميزانية الخضراء هي مصطلح جديد يُشير إلى أي ميزانية تراعي في الإنفاق الاستثماري أبعاد البيئة والحوكمة والمسؤولية المجتمعية، وهي الأبعاد الأساسية التي توضع دائماً في مقدمة أهداف التنمية المستدامة التي وضعها البنك الدولي منذ العام 2015».

ويضيف في تصريحات لـ«البيان»: أنّه «كلما كانت هذه الميزانية متسقة مع الأهداف الخضراء ببصمة كربونية وانبعاثات أقل وقدرة على تخفيض معدّل درجة حرارة الأرض بشكل أو بآخر، فهو ما يعطي للدولة ومنتجها الاستثماري أسواقاً أخرى».

ويردف: «العائد لم يعد عائداً قيمياً واجتماعياً وأدبياً فقط، وإنما عائد يمكن ترجمته إلى أموال وإلى وفر وخفض في الإنفاق، فالموازنة الخضراء لا تتعارض مع الموازنة العامّة للدولة التقليدية، بل بالعكس تتكامل معاها؛ فالدولة تراعي في موازنتها العامّة أنْ توجّه استثماراتها شيئاً فشيئاً إلى مزيد من المراعاة للتنمية المستدامة وأهدافها، ومزيد من خفض الانبعاثات ومراعاة لبدائل الطاقة التي لا تسبب أضراراً بيئية».

أكثر استدامة

وقد أحرز عدد من البلدان العربية تقدماً نحو التحول إلى مسار أكثر استدامة، مع توجيه موارد مالية كبيرة نحو الاستثمارات في البنية التحتية البيئية، وهو ما يرجعه الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية، نجيب صعب، في مقالٍ له منشور على موقع المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط، إلى «الحاجة المطلقة إلى معالجة المشاكل الحرجة والنقص في الموارد مثل المياه والغذاء والطاقة».

ومن جانبه، يوضّح الخبير الاقتصادي المصري، خالد الشافعي، أن الميزانية الخضراء تعزز تلك الأهداف، ذلك أنها تحتوي عناصرها ومحدداتها كافة على عوامل الاقتصاد الأخضر في بنيانها أو مشروعاتها، بما في ذلك مشروعات الطاقة المتجددة صديقة البيئة.

ويشير في تصريحات لـ«البيان» إلى أنَّ الميزانيات الخضراء تسهم في الحدّ من الآثار المترتبة على التغيّر المناخي، وتحقيق الموازنة مع أي مشروعات قائمة تسهم في زيادة الناتج المحلي والتصدير، باتباع مصادر وسياسات صديقة للبيئة.

وبالعودة إلى مقال صعب المذكور، فإنه يشير إلى أنه: «على سبيل المثال، كان الإلغاء التدريجي للإعانات وتنفيذ استثمارات كبيرة في كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة مدفوعاً بزيادة الطلب المحلي على الطاقة، وقيود الميزانية الناجمة عن تقلب أسعار النفط، كما أدى نقص المياه إلى استثمارات في كفاءة استخدام المياه، ومصادر المياه المتجددة، بما في ذلك إعادة تدوير مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها.. كما أنه من أجل تحقيق الأمن الغذائي، بدأت العديد من الدول العربية في إدخال ممارسات زراعية مستدامة، بما في ذلك ري أكثر كفاءة وزيادة الإنتاجية».

Email