استشراف المستقبل

زيارة بايدن المرتقبة للمنطقة.. الفرص والتحديات

ت + ت - الحجم الطبيعي

تترقّب منطقة الشرق الأوسط زيارة هي الأولى من نوعها للرئيس الأمريكي جو بايدن، المرجحة قبيل نهاية يونيو الجاري أو في يوليو المقبل، وهي الزيارة التي سبقها عديد من اللقاءات لمسؤولين أمريكيين على مستويات مختلفة، مع مسؤولين في عددٍ من دول المنطقة. تأتي تلك الزيارة المرتقبة، ضمن سياقات مُتعددة، تُكسبها أهمية خاصة، أبرزها حالة الحرب الراهنة بين روسيا والمعسكر الغربي على المسرح الأوكراني، وهي الحرب ذات التبعات الاقتصادية شديدة الخطورة، لا سيما في ما يتعلق بتدفق الطاقة.

تأتي زيارة بايدن المرتقبة للمنطقة مع تراجع اهتمام واشنطن بالشرق الأوسط، وتراجع الحضور الأمريكي في قضايا المنطقة (باستثناء ملف الاتفاق النووي الإيراني)، والاتجاه نحو شرق وجنوب شرقي آسيا، حيث الفرص الاقتصادية المتاحة هناك مع حلفاء الولايات المتحدة، في الوقت نفسه تولي الإدارة الأمريكية التركيز الأكبر في سياستها الخارجية على التحدّيات التي تواجهها من جانب كل من الصين وروسيا.

كما تأتي الزيارة بعد جملة من التطورات المفصلية التي شهدتها المنطقة في سياق فتح نوافذ جديدة للعلاقات، بدءاً من الاتفاقيات الإبراهيمية، والتي تفرض واقعاً جديداً، وصولاً إلى ترتيب العلاقات مع تركيا وإيران، وسط معادلات مختلفة تقود إلى تفاهمات سياسية جديدة يشهدها الإقليم.

من العوامل المُهمّة أيضاً التي تصاحب الزيارة، ما يشهده الداخل الأمريكي، ذلك أن بايدن على مشارف معركة سياسية مقبلة تتمثل في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.

ورغم أن الولايات المتحدة قلّصت ارتباطها بالشرق الأوسط، إلا أن ثمة مجموعة من القضايا ذات الأولوية القصوى بالنسبة لواشنطن تحكم سياساتها تجاه الإقليم، في مقدمتها أمن إسرائيل والتدفق الحر للطاقة، فضلاً عن ملف الاتفاق النووي مع إيران، والحرب على الإرهاب.

واقع جديد

يحدث ذلك وسط حالة من السيولة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ومقاربات جديدة مرتبطة بالقضايا الأساسية، ومن بينها عملية السلام في المنطقة. وهو ما يشير إليه المحلل الاستراتيجي السعودي فواز العنزي، في تصريحات لـ «البيان»، شدد خلالها على أن «ثمة تغيّرات قادمة تتصل بتطورات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط».

ويقول العنزي: «الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي ستشهد على تغيرات بعض المواقف الاستراتيجية لكثير من الدول في المنطقة، لا سيما في ضوء التقارب الإسرائيلي مع بعض الدول العربية». ويوضّح أنه برغم التغيّرات التي شهدتها السياسة الأمريكية إزاء الشرق الأوسط، وتراجع الحضور الأمريكي، إلا أن المنطقة لا تزال من المسارح المهمّة بالنسبة لواشنطن، خاصة في ظل الحرب الراهنة في أوكرانيا وانعكاساتها على العلاقات السياسية بالنسبة لبعض دول المنطقة التي تملك قدرات سياسية واقتصادية تجعلها ورقة مؤثرة في ترجيح كفة أي من المعسكرين (روسيا) و(الغرب).

ومن هنا ينظر المحلل الاستراتيجي السعودي إلى الزيارة المرتقبة للرئيس بايدن للمنطقة، وزيارته المتوقعة للرياض، على اعتبار أنها تشكل محاولة لإعادة التموضع من أجل التأثير على بعض الملفات في ضوء التطورات الأخيرة التي شهدها العالم، بما في ذلك مسألة سوق الطاقة، دون أن يكون ذلك على حساب اتفاقية أوبك بلس.

تذبذب

وقد كانت منطقة الشرق الأوسط في قلب الأولويات الأمريكية، في العقود السابقة، حيث خاضت الولايات المتحدة أطول حربين هناك في تاريخها (في العراق وأفغانستان)، كما كان للحرب الباردة تأثير على تعزيز تلك الأهمية، لجهة هيمنة واشنطن على الشرق الأوسط لضمان تدفق الطاقة لأمريكا وحلفائها، فيما شهدت السنوات الأخيرة تراجعاً أمريكياً في المنطقة، إذ لم تعد المنطقة ذات أهمية على نفس القدر بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية.

ووفق تحليل الباحث السياسي في مؤسسة «نيو أمريكا» باراك بارفي، فإنه في الماضي كانت ثمة قضيتان أساسيتان تدعمان الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط (أمن إسرائيل والطاقة)، بينما لم يعد الأمر على نفس الدرجة من الأولوية، وبالتي «تتبنى واشنطن سياسة الارتجاع عن الشرق الأوسط لصالح محاور أخرى ذات أولوية»، ولا سيما في ظل توافر النفط، والذي لا يشكل لواشنطن أي مشكلة على المدى البعيد.

وتنظر الولايات المتحدة إلى منطقة الشرق الأوسط على أنها «لم تعد على نفس درجة الأهمية السابقة»، وأنها تجلب الأعباء، وعليه تتعزز السياسات الأمريكية بالتحول عن الشرق الأوسط، والتركيز على القضايا الداخلية، والتحديات الخارجية (لا سيما في ما يتعلق بروسيا والصين)، وفق بارفي الذي يوضح، في تصريحات لـ «البيان»، في الوقت نفسه أن «إدارة بايدن تواصل السير في ذلك الاتجاه».

وعلى الرغم من ذلك يُبرز الباحث السياسي في السياق نفسه ما شهدته المنطقة من تطورات جيوسياسية متسارعة، وما شهدته من تحولات في مراكز القوة والتأثير، مع تراجع قوى (في ظل ما تواجهه من تحديات داخلية) وبزوغ أدوار أكبر لقوى أخرى في المنطقة.

ويُنظر إلى تلك التغيرات الديناميكية التي يشهدها الإقليم على اعتبار أنها تحمل انعكاسات مباشرة على السياسة الأمريكية في المنطقة، جنباً إلى جنب والمتغيرات الدولية، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، ودور «النفط» في ظل التطورات المفصلية التي شهدتها الفترة الماضية منذ بدء العملية الروسية في أوكرانيا.

ملف الطاقة

يضيء على ذلك الأكاديمي الأمريكي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هاملتون في نيويورك، آلان كافروني، في تصريحات لـ«البيان»، قائلاً: كانت العلاقات الأمريكية السعودية على سبيل المثال في تراجع تدريجي لعدد من السنوات وسط الاكتفاء الذاتي للولايات المتحدة في قطاع النفط، ومع انسحاب القوات الأمريكية من العراق وسوريا، في خط متوازٍ مع تعزيز علاقات الصين الاقتصادية والسياسية مع دول المنطقة. كما سرّعت الحرب في أوكرانيا الانقسام. فقد أدى رفض السعودية زيادة الإنتاج على الرغم من طاقتها الفائضة إلى ارتفاع أسعار النفط في الولايات المتحدة وأوروبا، ما زاد من تعقيد العقوبات الأمريكية والأوروبية على النفط الروسي.

ويتابع: «ما يزيد التهديدات بالنسبة لأمريكا هو التلويح بتسعير مبيعات النفط باليوان، وهي الخطوة التي ربما لا تزال غير مرجحة، ولكنها مع ذلك ستغيّر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط»، مشدداً على أن كل هذه العوامل هي أساس مهمة المبعوثين الأمريكيين إلى الرياض الأسبوع قبل الماضي، حيث جرت مناقشات حول تسعير النفط وزيادة الإنتاج واجتماع بين بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال الزيارة، إلى جانب قضايا أخرى.

Email