حلف وارسو قد يعود باسم جديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

تصاعدت المواجهة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي «الناتو»، ومن الواضح أن أساس الصراع يتجاوز حدود أوكرانيا سياسياً وجغرافياً وأمنياً واقتصادياً، وليس طلب السويد وفنلندا الانضمام للحلف سوى حلقة في مسلسل.

قبل حوالي أسبوع، استضافت موسكو قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، في سياق محاولات إحداث توازن مع «الناتو» عبر العمل على تفعيل وتطوير هذه المنظمة التي تقودها روسيا، وربما تحويلها مستقبلاً لحلف أكبر وأشمل على غرار حلف وارسو، الذي كان يضم دول المنظومة الشيوعية إبان الحرب الباردة وقبل تفكك الاتحاد السوفييتي والحلف بعد ذلك. 

في 15 مايو 1992 وقعت ست دول كانت ضمن الاتحاد السوفييتي، وهي روسيا، وأرمينيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، على معاهدة للأمن الجماعي. وفي العام التالي، وقعت ثلاث من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وهي أذربيجان، وبيلاروسيا، وجورجيا، على المعاهدة التي دخلت حيز التنفيذ في 1994.

في عام 2002، وافقت ست دول من أصل تسع، جميعها باستثناء أذربيجان، وجورجيا، وأوزبكستان، بعد خمس سنوات على تجديد المعاهدة لمدة خمس سنوات أخرى، ووافقت الدول الست على إنشاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) كتحالف عسكري. هذه المنظمة عقد خلال النصف الثاني من الشهر الجاري اجتماعين، الأول في 16 مايو على مستوى القادة، والثاني في 24 مايو على مستوى وزراء الدفاع.

يقول رئيس مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية رائد العزاوي، تعليقاً على اجتماع دول منظمة الأمن الجماعي الأسبوع الماضي: إن الهدف الرئيس منه رسم سياسات أمنية جديدة للدول الأعضاء.

والأهم فيما تفضي إليه هذه القمة، وفق العزاوي، «هو التركيز من الآن وصاعداً في ظل أجواء الاستقطاب الدولية الحادة هذه على تعزيز منطلقات الأمن المشترك بين دول هذا التكتل، في مواجهة المحور الغربي الأطلسي»، حسبما نقل عنه موقع «سكاي نيوز».

يشير مسلم شعيتو، مدير مركز الحوار الروسي العربي إلى أن معاهدة الأمن الجماعي تسعى لصياغة استراتيجية أمنية جديدة، وتوسيع عضويتها عبر ضم دول وجمهوريات أخرى مثل أبخازيا، وجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، اللتين اعترفت بهما موسكو مستقلتين عن أوكرانيا، وهو يرى مؤشرات تفيد أنه لاحقاً قد تنضم دول كبرى ومهمة مثل الصين لهذا التكتل، بما يسهم في توسيع مجالات نشاطه الإقليمية حول العالم، بحيث لا يبقى مقتصراً على بلدان الاتحاد السوفييتي السابق، حسب «سكاي نيوز عربية».

عصر الأحلاف

المشهد الراهن يعيدنا إلى عصر الأحلاف، وبخاصة الحلفين الرئيسيين، «الناتو» ووارسو، ففي 4 أبريل 1949، أي بعد أربع سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية، تأسس حلف «الناتو»بقيادة الولايات المتحدة، باعتباره الناطق العسكري على الأرض باسم الدول الغربية، وكان موجهاً على نحو علني ضد الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت، تحت عنوان منع زحفه نحو غرب أوروبا.

وكان هذا الحلف يضم في بداية تأسيسه 12 دولة، منها ثلاث دول نووية (أمريكا وبريطانيا وفرنسا)، لكنه أصبح الآن 30 دولة، وقد يرتفع إلى 32 في حال الانضمام المرجح لفنلندا والسويد. حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفييتي تأسس بعد «الناتو» بست سنوات (1955)، ولم يضم أية دولة قوية باستثناء الاتحاد السوفييتي.

وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو سنة 1991، تساءل كثير من المراقبين عن الهدف من بقاء «الناتو» ، بعد زوال مبرر إنشاء الحلف الذي بدلاً من ذلك، مرّ منذ عام 1990 بخمس مراحل من التوسّع، ليشمل جمهوريات من الاتحاد السوفييتي السابق، والعديد من دول حلف وارسو المنحل.

وثائق سرية

وتؤكد وثائق رفعت عنها السرية ويحتفظ بها أرشيف الأمن القومي في جامعة جورج واشنطن، أن الأمريكيين قدّموا وعوداً للروس بعدم توسيع الحلف باتجاه روسيا، كما نقل موقع «دي دبليو» الإخباري الألماني. لكنّ قادة غربيين يقولون إن الحديث يدور عن وعود شفوية وغير مكتوبة.

وعلى الرغم من أن حلف وارسو انتهى في 25 فبراير سنة 1991 فإن «الناتو» استمر، بل وازداد توسّعاً باتجاه الشرق، أي باتجاه روسيا التي تسعى في مواجهة ذلك إلى تعزيز التعاون مع بعض الدول التي كانت معها في الاتحاد السوفييتي، فضلاً عن عملية تطوير ضخمة للتسلّح منذ وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى قصر الكرملين.

وكتب الكاتب الليبي عمر أبوالقاسم الككلي في موقع «بوابة الوسط» أنه في حين يضم «الناتو» ثلاث دول نووية، هي أمريكا وبريطانيا وفرنسا، لا توجد في معاهدة الأمن الجماعي دولة نووية سوى روسيا. كما أن بقية الدول الأعضاء في المعاهدة ضعيفة عسكرياً إذا ما قورنت بألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا.

ويرى أن «الناتو» يستهدف «خنق» روسيا وإضعافها، والاقتراب من الصين، حليف روسيا المرجّح، مستدلاً على ذلك بالوقوف الجماعي مع أوكرانيا وإنفاق مليارات الدولارات لإمدادها بالأسلحة، فضلاً عن موجات متتالية من العقوبات ضد روسيا لإنهاك اقتصادها وموارد الحياة فيها.

اهتمام متزايد

من الواضح أن اهتمام موسكو بمنظمة الأمن الجماعي تزايد في الآونة الأخيرة، وطالما أن الأمر مرتبط بالصراع مع «الناتو»، فإن المنظمة بوضعها الحالي أصغر بنيوياً وبشرياً من أن تكون نداً للحلف الغربي.

لكن الأمين العام للمنظمة ستانيسلاف زاس، قال مؤخراً لقناة «بيلاروس 1»: لدينا ما يكفي من القوات والوسائل للرد على التهديدات المحتملة التي ستظهر في الواقع في هذا الموقف (عندما ينضم أعضاء جدد إلى الناتو).

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد في 16 مايو الجاري أن منظمة معاهدة الأمن الجماعي تلعب دوراً مهماً للغاية في تحقيق الاستقرار في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي، معرباً عن أمله في أن تزداد قدراتها ونفوذها.

كما أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو شدد في 24 مايو الجاري، خلال اجتماع لمجلس وزراء الدفاع للدول الأعضاء في «الأمن الجماعي»، على ضرورة تعزيز القوات المشتركة للمنظمة وتحسين آليات صنع القرار داخلها، متّهماً الولايات المتحدة بأنها اختارت مساراً لتفكيك البنية الأمنية الدولية القائمة، ومشيراً إلى أن الغرب يعمل بشكل هادف على تقويض العلاقات بين دول المنظمة وتعريض حلفاء روسيا لضغوط خطيرة، وفقاً لموقع «روسيا اليوم».

رد ملائم

ويرى خبراء أن توسيع منظمة الأمن الجماعي وزيادة التنسيق العسكري بين دولها هو أحد الردود الممكنة على ‏توسع «الناتو» شرقاً. من هؤلاء رئيس قسم العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي بمركز جنيف للدراسات، ناصر زهير، الذي قال لـ«راديو سبوتنيك» في مايو 2019، إن «التحركات العسكرية إحدى وسائل الرد.. يمكن أن يكون هناك توسعة لهذا التنسيق إذا ما اتجه الناتو لعمليات في مولدوفا أو فنلندا».

ويعتقد زهير أن دول «الأمن الجماعي» تمتلك القدرة على التأثير في أمن الطاقة والأمن الغذائي العالمي، وأنها ستتوسع طالما يتم توسيع «الناتو»، كما سيكون للموقف الأمريكي إزاء تايوان، والذي يغضب الصين، دور في بناء تحالفات جديدة في الشرق.

Email