انتخابات ليبيا.. دوافع استبعادها أكثر من دواعي تنظيمها

ت + ت - الحجم الطبيعي

بنهاية يونيو المقبل، تكون الفترة الانتقالية المعتمدة من قبل ملتقى الحوار السياسي الليبي في ديسمبر 2020 انتهت دون التوصل إلى تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وهو ما يدخل بالبلاد إلى مرحلة الانقسام الفعلي بين نفوذ الحكومتين المتنافستين، لاسيما أن الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة ستكون قد استنفدت أجلها القانوني والسياسي الذي تشكلت بموجبه.

وبينما تشهد ليبيا سجالاً حاداً حول الانتخابات التي فشل المجتمع الدولي في ضمان تنظيمها في 24 ديسمبر الماضي، ويتأكد أن جميع الوعود المرسلة لتنظيم الاستحقاق البرلماني في يونيو المقبل لم يعد لها أي أساس عملي على أرض الواقع، يجمع أغلب المراقبين على أن الصراع السياسي سيتواصل من خلال التنافس بين حكومة طرابلس وحكومة سرت التي تحظى بثقة مجلس النواب، وفي ظل الاتجاه إلى تقاسم عائدات النفط بينهما إلى حين التوصل لاحقاً إلى اتفاق على موعد جديد للانتخابات.

وينظر الشارع الليبي إلى أن الجهود الدولية خلال السنوات الأخيرة قد أثبتت فشلها في الوصول بالبلاد إلى الحل السياسي والمصالحة الوطنية وتنظيم انتخابات نزيهة، وذلك بسبب الصراع على تقاسم النفوذ في البلد العربي الثري بشمال أفريقيا، وهو صراع تفاقمت أبعاده خلال الأسابيع الأخيرة سواء نتيجة المواجهة المفتوحة في أوكرانيا أو بسبب التجاذبات القائمة في منطقة الساحل الأفريقي وخاصة في مالي، حيث تعتبر الدول الغربية أن روسيا احتلت موقع قدم لها هناك ستدعم في حالة فوز أحد حلفائها بنتائج أية انتخابات قد تقام في ليبيا.

ورغم أن ستيفاني وليامز مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا تحدث عن توافق ممثلي مجلس النواب ومجلس الدولة الاستشاري المجتمعين بالقاهرة على عدد كبير من مواد مشروع الدستور المنجز في 2017 من قبل هيئة صياغة الدستور، وطالبت بمزيد التنازلات لإنجاز المطلوب وأعني بالذات التوافق على إطار دستوري وقانوني للانتخابات ولضمان استدامة وتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 2020 بجنيف من اللجنة العسكرية المشتركة وتحت إشراف الأمم المتحدة، إلا أن أوساطاً ليبية مطلعة ترى في تصريحات لـ «البيان» أن التوافق المذكور لن يتحقق على أرض الواقع، وإذا تحقق فإنه سيدفع نحو اشتباكات سياسية وتشريعية جديدة في ظل الخلافات القائمة حول مسودة الدستور، والتي يفترض أن حسمها لا يتم إلا في ظل وضعية مستقرة، وليس في ظل فترة انتقالية خاضعة للضغوط السياسية والاجتماعية والأمنية وللظروف الاقتصادية المضطربة والإملاءات الخارجية التي تدار على أكثر من صعيد.

وتعتبر تلك الأوساط أن الحديث عن تنظيم انتخابات قريبة في ليبيا يصطدم بجملة من العراقيل، أبرزها اختلاف وجهات النظر الإقليمية والدولية حول المسألة الأمنية وملفات المقاتلين الأجانب والمرتزقة والميليشيات المسلحة وتوحيد المؤسسة العسكرية، وجميعها قضايا لا تزال معلقة رغم الوعود الكثيرة بحلها سواء من خلال مخرجات مؤتمري برلين الأول والثاني أو مؤتمر باريس أو قرارات مجلس الأمن، وتمثل حاجزاً في طريق إعادة توحيد مؤسسات الدولة والتوجه نحو المصالحة الوطنية التي تبقى الضامن الوحيد لتشريك جميع الليبيين في تقرير مصير بلادهم، إذ إن شرعية الانتخابات ونزاهتها تتطلبان عدم إقصاء أي طرف منها، والاعتراف بنتائجها من قبل الجميع دون استثناء، والانصياع للسلطة التي ستنبثق عنها.

كما أن الانتخابات ستحتاج إلى توافق على الخيارات الوطنية الأساسية بما يقطع الطريق أمام محاولات التشكيك في أي سلطة قد تفرزها صناديق الاقتراع، ومن تلك الخيارات ما تمت الإشارة إليها في المسار الدستوري بالقاهرة ومن ذلك النظام السياسي والبناء الهيكلي للدولة وهويتها ورموزها كالعلم والنشيد الوطني والموقف مع القضايا الجدلية كعلاقة الدولة بالدين ووضعية الأقليات العرقية والثقافية وحقوقها، وآليات تقاسم الثروة والحكم المحلي وغيرها.

وبحسب ذات الأوساط، فإن كل ما قيل عن جهود تبذل لتنظيم انتخابات خلال فترة قريبة بات يصب في محاولة تبرير الفشل في تنظيمها فعلياً، وإبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه، وهو ما يمكن تفسيره بحالة القطيعة بين السلطات القائمة والشارع.

Email