لماذا تعمل السويد وفنلندا على التخلي عن حيادهما؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد رفضهما لعقود الانضمام إلى تحالفات عسكرية، تعتزم فنلندا والسويد تقديم ترشحهما لعضوية الحلف الأطلسي، في ضوء مخاوفهما الأمنية بعد أن دفعت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا دولا أوروبية عدة لتغيير نهج سياسي كانت قد اعتمدته منذ عقود طويلة.

في السويد، وافق الحزب الاشتراكي الديموقراطي - المعارض تاريخياً لعضوية الحلف الأطلسي - يوم الأحد على الترشح، ممهداً لتقديم الحكومة طلب الانضمام. أما في البرلمان الفنلندي، فترتسم غالبية كاسحة لا تقل عن 85% تأييداً للانضمام.

وبعدما كان التأييد للانضمام إلى الناتو يراوح منذ عشرين عاماً نسبة بين 20 و30%، كشفت آخر استطلاعات الرأي أن أكثر من 70% من الفنلنديين و50% من السويديين يدعمون اليوم الانضمام إلى الحلف.

وبدلت أحزاب عديدة في البلدين موقفها حيال هذه المسألة.

وعلى مدى عقود، بقي السويديون والفنلنديون بمعظمهم متمسكين بسياسة عدم الانحياز العسكري. غير إن بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا  في 24 فبراير شكل منعطفاً حاسماً، ولا سيما بالنسبة إلى فنلندا التي تتقاسم حدوداً مع روسيا يقارب طولها 1300 كلم.

فنلندا... الدوقية الروسية السابقة

كانت فنلندا جزءًا من السويد قبل ضمها العام 1809 إلى الإمبراطورية الروسية كدوقية ذات حكم ذاتي. وأعلنت استقلالها في ظل الثورة البلشفية العام 1917.

حين احتلها الاتحاد السوفيتي العام 1939 بعد بضعة أشهر من اندلاع الحرب العالمية الثانية، قاوم البلد طوال ثلاثة أشهر خلال ما عرف بـ "حرب الشتاء". ومع تجدد الأعمال الحربية العام 1941، اضطرت فنلندا إلى توقيع هدنة بعد معارك استمرت ثلاث سنوات.

وبموجب اتفاقية "صداقة" وقعت العام 1948 بضغط من موسكو، وافق القادة الفنلنديون على البقاء خارج التعاون العسكري الغربي والالتزام بنظام حياد قسري عرف بمصطلح "الفنلدة". وإن كان البلد أفلت من ضمه إلى الاتحاد السوفيتي، إلا أن موسكو فرضت سيطرتها على سياسته الخارجية والعسكرية.

وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، انضمت فنلندا إلى الاتحاد الأوروبي العام 1995 وإلى الشراكة من أجل السلام التابعة للحلف الأطلسي، لكنها تمسكت رسمياً بسياسة عدم الانحياز العسكري.

السويد... حياد منذ نهاية الحروب النابوليونية

السويد من جانبها التزمت رسمياً خلال قرنين بسياسة حياد موروثة من نهاية الحروب النابوليونية، ومن الحربين العالميتين. لكنها شاركت في مهمات عسكرية في أفغانستان ومؤخراً في مالي، ولم تخض حرباً منذ نزاع مع النرويج العام 1814.

وخلال التسعينات، عدلت سياسة الحياد إلى سياسة عدم انحياز عسكري "بهدف السماح" بالحياد في حال نشوب حرب.

وبالرغم من بقائهما خارج الحلف، وطد البلدان الإسكندينافيان علاقاتهما بشكل متواصل مع الناتو، الذي يعتبرهما أقرب دولتين غير عضوين. وساهم البلدان في مهمات للحلف في البلقان وأفغانستان والعراق، كما شاركا في الكثير من التدريبات العسكرية المشتركة.

عودة للاستثمار في الجيش

خصصت السويد وفنلندا خلال الحرب الباردة تمويلاً ضخماً تراوح بين 4 و5% من إجمالي ناتجهما المحلي لقواتهما العسكرية في غياب حلفاء عسكريين لهما. ومع تبدد الخطر السوفياتي، خفض البلدان ميزانيتيهما العسكريتين، لكن فنلندا أبقت نظام خدمة عسكرية واسع النطاق وقوات احتياط ضخمة.

وتعول فنلندا، البالغ عدد سكانها 5.5 ملايين نسمة، على جيش يضم 280 ألف جندي جاهز للقتال، إضافة إلى 600 ألف جندي احتياط، ما يشكل قوة استثنائية لدولة أوروبية. أما الجيش المهني، فلا يضم سوى 13 ألف جندي ولو أنه يتم تدريب 22 ألف مجند كل عام.

السويد من جانبها خفضت ميزانيتها العسكرية أكثر، من 2.6% من إجمالي ناتجها المحلي عام 1990 إلى 1.2% عام 2020، غير إن هذا التوجه تبدل بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014.

وبعدما ألغي التجنيد الإجباري العام 2010، فُرض مجدداً بشكل جزئي العام 2017. ويعد الجيش السويدي حالياً حوالى 50 ألف جندي، نصفهم من جنود الاحتياط.

وأعلن البلدان استثمارات كبرى في القوات العسكرية منذ بدءالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

Email