جُزر سليمان.. الصراع الهائج في المحيط الهادئ

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

جزر سليمان دولة صغيرة جنوب المحيط الهادئ، لا يتجاوز عدد سكانها 700 ألف شخص، وقّعت اتفاقاً أمنياً مع دولة يتجاوز عدد سكانها ملياراً ونصف المليار نسمة، فأثارت غضب الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا واليابان. الاتفاق يتضمّن نشر قوات صينية شرطية وبحرية في جزر سليمان، إلا أن واشنطن وحليفاتها تتخوّف من أن يكون تمهيداً لبناء قاعدة بحرية صينية في الأرخبيل.. فما هذه الجزر التي تتصارع عليها دول عظمى؟ وما أهميتها؟

في التاسع عشر من إبريل الماضي وقّعت الصين وجُزر سليمان اتفاقاً ينص على أنه «يمكن للصين وقت الحاجة، وبعد الحصول على موافقة جزر سليمان، إجراء زيارات للسفن، والقيام بعمليات تموين لوجستية، والتوقف والعبور في الجزر»، التي تقع شمال شرق أستراليا. بيد أن الاتفاق لم يحدّد طبيعة السفن. ولعل ما يستدعي مزيداً من القلق في الدوائر الغربية، أن الاتفاق يحتوي أيضاً على بند للحفاظ على السرية ينص على عدم إفصاح أي من الحكومتين عن «معلومات التعاون بينهما ما لم تتفقا على ذلك»، وفقاً لموقع «اندبندنت عربية».

بعد الإعلان عن توقيع الاتفاق، قالت الولايات المتحدة وأستراليا واليابان ونيوزيلندا في بيان، إن هذا الاتفاق يشكل «أخطاراً جسيمة على منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة». صحيح أن الحديث يدور عن «نشر قوات صينية شرطية وبحرية» في الأرخبيل، إلا أن الدول الرافضة تتخوف من أن يمهّد لبناء قاعدة بحرية صينية في المنطقة، رغم نفي رئيس وزراء جزر سليمان ماناسيه سوغافاري مثل هذه الخطط.

لكن قبل الخوض في أبعاد هذا الصراع الجديد، ما هي هذه الجزر التي تتصارع عليها دول عظمى؟ وما هي أهميتها؟

990 جزيرة

جزر سليمان تتكوّن من نحو 990 جزيرة، وعاصمتها هونيارا. مساحتها نحو 28 ألف كلم. سكانها حوالي 700 ألف نسمة، وفيها 74 لغة، أهمها الإنجليزية. وهي دولة خاضعة بروتوكولياً للحكم الملكي البريطاني مثل أستراليا ونيوزيلندا، وتعتبر إليزابيث الثانية ملكة الجزر التي يرأسها حاكم بريطاني، ولها رئيس وزراء محلي.

في القرن الـ 19 سيطرت المملكة المتحدة على الجنوب ووضعت الأجزاء الشمالية تحت السيطرة الألمانية، وصولاً إلى سيطرة كاملة من بريطانيا بموجب اتفاق مع ألمانيا مطلع القرن الـ 20، وهو ما جعلها مسرحاً لبعض معارك الحرب العالمية الثانية.

فخلال تلك الحرب، وقعت الجزر تحت احتلال اليابان التي أقامت قواعد بحرية وجوية فيها، وشهدت الجزر بعضاً من أعنف المعارك بين قوات الحلفاء والقوات اليابانية.

ومنذ انتصار أمريكا في معركة جزر سليمان بين حاملات طائراتها والبحرية اليابانية في 24 مارس 1942، أصبحت غالبية جزر المحيط الهادئ، ومنها جزر سليمان تحت سيطرة ونفوذ الولايات المتحدة.

سباق القواعد

«جزر سليمان» صغيرة، لكنها ذات أهمية وموقع استراتيجيين في المحيط الهادئ، واعتبرت تقليدياً ساحة نفوذ غربي، لا سيما للولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، ولهذا ترفض هذه الدول وجود نفوذ أجنبي فيها، وبخاصة إذا كان صينياً.

نعود قليلاً إلى 25 نوفمبر 2017، حيث وقّعت جزر سليمان اتفاقية أمنية تسمح لأستراليا وفيجي ونيوزيلندا، بنشر نحو 200 عنصر من قوات الشرطة لحفظ الأمن. وفي نهاية 2021، شهدت الجزر تظاهرات سقط فيها قتلى، في ظل انقسام شعبي بين السكان إزاء الموقف من العلاقة مع الصين. وفي الآونة الأخيرة تحوّلت أنظار الحكومة في الجُزر نحو تعاون أمني مع الصين، توّج بالاتفاق الأخير.

تعتبر واشنطن التواجد الصيني في مياه المحيط الهادئ تهديداً لنفوذها، أما أستراليا التي تبعد تلك الجزر عنها قرابة 1500 كيلومتر، فقد اعتبرت الأمر بمثابة إقامة كوبا جديدة بالقرب منها، وكذلك الأمر بالنسبة لنيوزيلندا.

مع رؤيتها تكثيفاً للتحرّك الصيني، أرسلت واشنطن الجمعة 22 إبريل الماضي وفداً دبلوماسياً في مهمة لإثناء جزر سليمان عن توقيع الاتفاق، لكن الصين أعلنت أنه جرى التوقيع الثلاثاء، أي قبيل وصول الوفد الأمريكي. كما أرسلت أستراليا وزير منطقة المحيط الهادئ، زيد سيسيليا إلى هونيارا، عاصمة الجزر، في مهمة مشابهة، لكن سيسيليا أعرب عن «خيبته الكبيرة» إزاء توقيع الاتفاق.

بالنسبة إلى أستراليا ونيوزيلندا وأمريكا، فإن الاتفاق هو أحدث استعراض قوة للصين في الصراع من أجل النفوذ في المحيط الهادئ، وهي تعتبر أن الاتفاق الأخير «يهدّد استقرار المنطقة»، بحسب «اندبندنت عربية» التي قالت إن بناء قاعدة عسكرية صينية في جزر سليمان يمثّل أسوأ مخاوف كانبيرا، لأن ستكون القاعدة الأولى للصين في المحيط الهادئ.

لذلك ترى المتخصصة في الشؤون الصينية بجامعة كانتربري بنيوزيلندا آن ماري برادي أن الاتفاق يمثل «تغييراً في قواعد اللعبة»، حسبما نقلت الصحيفة البريطانية عن برادي التي قالت إن «هذه الخطوة تهدف لمواجهة استراتيجية الاحتواء الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتهديد أمن الدول الجزرية في المحيط الهادئ، وكذلك أستراليا ونيوزيلندا».

وفي الاتجاه ذاته تقول شبكة «سي إن إن» الأمريكية إن احتمال وجود قاعدة صينية في المحيط الهادئ مقلق بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي لديها أيضاً قواعد عسكرية في منطقة أصبحت أكثر أهمية مع توسيع الصين وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي. وتنقل الشبكة عن أستاذ العلوم السياسية بجامعة هاواي تارسيسيوس كابوتاولاكا الذي ينحدر من جزر سليمان إن الخطوة الصينية مزعجة أيضاً لأستراليا التي من المحتمل أن تواجه احتمال رسو السفن الصينية في مكان ليس بعيداً عن سواحلها الشرقية.

تساؤل صيني

الصين من جانبها تبدي انزعاجاً من تحالف «أوكوس»، (شراكة أمنية أمريكية مع أستراليا وبريطانيا)، وينطوي على توفير غواصات نووية وصواريخ بعيدة المدى لأستراليا القريبة جغرافيا من الصين، وتعتبره تهديداً، وترى أن الاتفاق الثلاثي ليس سوى انعكاس لـ «عقلية الحرب الباردة منتهية الصلاحية ونظرة جيو-سياسية ضيقة الأفق»، في حين تتساءل شبكة «سي جي تي إن» الصينية بالقول: «باعتبارها دولة ذات سيادة، تتعاون جزر سليمان مع الصين على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة، من أجل تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاستقرار طويل الأجل، بما يتوافق مع مصالحها الخاصة واحتياجاتها التنموية. كيف يمكن أن يؤدي هذا إلى عدم الرضا من الولايات المتحدة وأستراليا؟.

بنظر مراقبين، تسعى واشنطن إلى احتواء طموحات الصين في منطقة الهندي والهادئ، فبعد أسبوع من ظهور تحالف «أوكوس» استضاف الرئيس الأمريكي رؤساء وزراء كل من أستراليا والهند واليابان في قمة «الكواد» أو «الحوار الأمني الرباعي». وليس خفياً أن الدول الأربع لديها وجود عسكري لا يستهان به في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

Email