أحداث أوكرانيا تضغط على أسعار الغذاء وتفاقم التداعيات

الأمن الغذائي.. خطر مُحدق ومستقبل غامض

ت + ت - الحجم الطبيعي

وصلت أسعار الغذاء عالمياً إلى مستويات غير مسبوقة، بفعل جملة من الصدمات المتتالية التي مُني بها الاقتصاد العالمي الذي لم يكد يستفيق من تبعات جائحة كورونا وما خلفته من آثار شديدة، حتى بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لتفرض مزيداً من العقبات تُقوّض مساعي التعافي السريع، وتفاقم أزمة الغذاء، لا سيما في البلدان النامية التي تعاني تأثيرات مُضاعفة وأشد خطورة.

لا تبدو في الأفق مؤشرات على تعافٍ وشيك على المدى القريب لأسعار الغذاء على مستوى العالم، على اعتبار أن انكسار تلك الموجة مرتبط بعددٍ من التطورات من بينها انتهاء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي تضغط بتبعاتها على أسعار الغذاء حول العالم، وتزيد من خطورة الأزمة المتصاعدة التي شهدتها دول العالم ضمن تبعات قيود «كورونا» وأزمة سلاسل الإمداد وارتفاع معدلات التضخم.

في فبراير الماضي، وهو الشهر الذي شهد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتحديداً في يوم الرابع والعشرين منه، تم تسجيل زيادة بأسعار الغذاء حول العالم بلغت نسبتها قرابة الـ 21% على أعلى أساس سنوي. تصدرت الزيوت النباتية ومنتجات الألبان قائمة الزيادات الجديدة. وسجل مؤشر منظمة الأغذية والزراعة «فاو» متوسط 141 نقطة تقريباً خلال ذلك الشهر مقابل 135.4 في يناير.

وفي مارس الماضي - وطبقاً لأحدث إحصاءات الفاو - فقد ارتفع المؤشر الذي يقيس السلع الغذائية الأكثر تداولاً حول العالم، ليصل إلى متوسط 159.3 نقطة.

الارتفاع الناجم عن تبعات أزمة أوكرانيا، والذي يمس بشكل خاص صادرات القمح والحبوب، وينعكس على أسعار السلع الغذائية كافة، وصل إلى مستوى قياسي وسط توقعات بزيادات مطردة نتيجة تفاقم وتوالي الأزمات وارتفاع نسب التضخم.

موعد انكسار الأزمة

الخبير الاقتصادي سليمان العساف، يوضح في تصريحات لـ «البيان» أن هناك عدة محددات أساسية لأسعار الغذاء، أهمها (العوامل المناخية، وعمليات النقل واللوجستيات، والصراعات أو الحروب والتوترات الأمنية بما لها من تداعيات واسعة، إضافة إلى ارتفاع المداخيل في بعض الدول)، تلك العوامل وغيرها تؤدي إلى ارتفاعات في أسعار الأغذية حول العالم أو في منطقة بعينها، وتتحمل الأزمة الأوكرانية جزءاً كبيراً من مسؤولية الارتفاعات الحالية التي طالت الجميع.

وعن مستقبل أسعار الغذاء، لا يتوقع الخبير الاقتصادي انفراجة قريبة، موضحاً أنه من المتوقع أن يظل الارتفاع في أسعار الغذاء إلى ما بعد نهاية العام الجاري، لا سيما أن عملية إنتاج الغذاء عملية طويلة تستغرق وقتاً من أربعة إلى ستة أشهر. ويقول إنه «إذا توقفت الحرب خلال النصف الأول من العام الجاري 2022، فمن المتوقع أنه بنهاية النصف الأول من العام المقبل 2023 تبدأ حدة أسعار الغذاء في الانكسار».

أزمة 2008

بينما يعتقد شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، بأن «تجنّب حدوث أزمة غذائية عالمية كتلك التي شهدناها في عام 2008 لا يزال أمراً ممكناً».

وحدد - في الكلمة التي ألقاها أمام الدورة 169 لمجلس المنظمة - عدداً من الحلول العملية، من بينها: الإسراع في تنفيذ الخرائط المفصلة للتربة بما يدعم البلدان الأضعف لتعزيز كفاءة استخدام الأسمدة، ووضع خطط فعالة ومحددة الأهداف للحماية الاجتماعية، مع تحسين تدابير الأمن البيولوجي في البلدان المجاورة لأوكرانيا؛ للحد قدر المستطاع من تفشي حمى الخنازير الأفريقية وسواها من أمراض حيوانية، فضلاً عن تعزيز الشفافية في الأسواق وتفعيل الحوار حول السياسات للحد قدر المستطاع من الاختلالات وضمان الاستمرارية وحسن تدفق تجارة المنتجات الغذائية والزراعية.

عوامل متزامنة

يقول الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية طارق الرفاعي، لـ «البيان» إن أسعار الغذاء شهدت ارتفاعات واضحة قبل الأزمة الأوكرانية، بسبب ارتفاع نسبة التضخم على وقع تداعيات الإقفال الاقتصادي الذي شهده العالم في ظل ذروة جائحة كورونا، ما أدى إلى عرقلة سلاسل التوريد حول العالم، وكذلك بسبب السياسات النقدية المتبعة من قبل البنوك المركزية والحكومات لناحية الدعم الاقتصادي، ما أسهم في ارتفاع معدلات التضخم.

ويشير إلى أنه قبل بداية العام الجاري كانت التوقعات تصب في اتجاه انفراجة بأزمة سلاسل التوريد وبما لذلك من تأثيرات على أسعار الغذاء والعودة للحياة الطبيعية، لكن الأوضاع الأوكرانية سرّعت من الأزمة، لا سيما بشكل مباشر على الدول التي تعتمد على وارداتها من روسيا وأوكرانيا، بخاصة القمح.

ويُبرز الرفاعي في هذا الإطار أيضاً تأثير الحظر الاقتصادي المفروض على روسيا وتأثيراته. ويتابع «نرى بشكل مباشر تأثير ذلك على عديد من الدول، مثل لبنان على سبيل المثال».

تستحوذ روسيا وأوكرانيا معاً على 30% تقريباً من الصادرات العالمية من القمح و80% تقريباً من الصادرات العالمية من دوار الشمس. وتعدّ روسيا أكبر مصدّر للأسمدة.

وبينما لا توجد مؤشرات على انكسار موجة ارتفاع الأسعار عالمياً في ظل توالي الأزمات والصدمات، يلفت الخبير الاقتصادي إلى أزمات أخرى تتصاعد وستكون لها تأثيراتها على الاقتصاد العالمي ككل وعلى أسعار الغذاء حول العالم، من بينها الموجة الوبائية التي تشهدها الصين، والتي تضغط على النظام الصحي هناك، وقد اضطرت بكين إلى فرض حجر على الملايين.

وتدفع الارتفاعات المتتالية بأسعار الغذاء حول العالم إلى تفاقم أزمة الجوع. وقد أطلق برنامج الغذاء العالمي تحذيراً بشأن تزايد معدلات تلك الأزمة في غرب أفريقيا، مع وجود 38.3 مليون شخص مهدّدين بالجوع وسوء التغذية بحلول يونيو «إن لم تتخذ تدابير خاصة لحمايتهم».

الشرق الأوسط

وتتضاعف حدة أزمة الغذاء في المناطق والبلدان التي تشهد اضطرابات أمنية ونزاعات، وهي المناطق التي من المتوقع أن تكون ذات استجابة أقل بكثير لأية تطورات وجهود على المديين القريب أو المتوسط من شأنها معالجة الأزمة، لجهة الأوضاع الداخلية المشتعلة بتلك البلدان، والتي تضعفها في سياق مواجهة أزمات عديدة، مع ضعف القرار السياسي وعدم سيطرة الحكومات.

وطبقاً للخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر، فإن الصراعات والتوترات الأمنية من شأنها مفاقمة آثار أزمة الغذاء، مشدداً على أن دولاً عربية ترزح تحت وطأة تلك المعضلة. ويشير في تصريحات لـ «البيان» إلى أن الأمن الغذائي يمثل أمناً قومياً، وفي المنطقة العربية ثمة تحديات عديدة تواجه حلم تحقيق الاستقلال في قطاع الغذاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي، من بين تلك المعضلات حالة عدم الاستقرار السياسي ببعض الدول، ويخص بالذكر السودان الذي يُنظر إليه باعتباره «سلة غذاء العالم العربي» لما يتمتع به من ثروة زراعية هائلة ممثلة في المساحات الشاسعة، بينما الأوضاع السياسية كانت سبباً يعيق تحقيق ذلك بشكل أو بآخر.

ويوضح أن المنطقة العربية تزخر بالموارد الطبيعية المهمة، بما يمكن بلدانها من تحقيق الاكتفاء الذاتي فيما بينها، وذلك عبر التعاون في استغلال القدرات مجتمعة، سواء التمويل أو الأراضي الزراعية والخبرات، مشدداً على أن ذلك يحقق الأمن الغذائي كجزء من الأمن القومي العربي ويضمن الخروج من التبعية لما يشهده الخارج. بينما العقد الماضي منذ ما عرف بثورات الربيع العربي، شهد تطورات مختلفة ألقت بظلالها الوخيمة على فكرة تحقيق الاكتفاء الذاتي عربياً.

Email