التغير المناخي.. أفريقيا تتأقلم بالطاقات المتجددة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر قارة أفريقيا من أكثر المناطق عرضة لآثار التغير المناخي، ذلك رغم مسؤوليتها الأقل عن الانبعاثات الكربونية مقارنة بما تتحمله الدول الكبرى الغنية من مسؤوليات. وتبزغ عديد من الفرص التي يمكن لدول القارة السمراء استثمارها من أجل الحد من آثار أزمة المناخ، وفتح آفاق أوسع أمام التنمية الاقتصادية، أهمها مشاريع الطاقة المُتجددة، والتي يمكن أن تكون ركيزة أساسية لاستراتيجية طاقة ناجحة بالنسبة لأفريقيا.

تزخر القارة الأفريقية بمصادر الطاقة المُتجدّدة، وعلى الرغم من ذلك فإن ثمة تفاوتاً ملموساً في قدرات دولها في هذا القطاع، بما في ذلك حجم الاستثمارات التي يتم ضخها. وفيما تُظهر حجم الاستثمارات العالمية في قطاع الطاقة المتجدّدة تراجعاً أفريقياً لافتاً، فإن العديد من دول القارة السمراء أدركت في السنوات الأخيرة على وجه التحديد أهمية المضي قدماً أسرع من أي وقت مضى وبشكل ملح وضروري للاستفادة من مصادر الطاقة المتجدّدة، ضمن أدوات الحد من آثار التغير المناخي وكذلك لتحقيق التنمية الاقتصادية، بما ينذر بزيادة معدلات الاستثمار في ذلك القطاع مستقبلاً.

وتحدث في هذا الإطار تقرير المناخ الصادر أخيراً عن الأمم المتحدة عبر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للمنظمة، عن الإمكانات التي تتمتع بها دول القارة، والتي تؤهلها -حال توظيفها على نحو أمثل- من الحد من الآثار القاسية للتغير المناخي، وبما يدعم التنمية الاقتصادية، وانتشال الملايين من براثن الفقر عبر مشاريع الطاقة المتجددة.

يشير تقرير المناخ الصادر في أبريل الجاري إلى الحاجة لمزيد من برامج الطاقة المتجددة، مثل بحيرة توركانا لطاقة الرياح في كينيا، والتي تم إطلاقها في عام 2019. يقدر أن هذا المشروع يشكل 18% من إنتاج الطاقة في البلاد.

ويصل إجمالي الاستثمارات الأفريقية في القطاع خلال العقدين الماضيين قرابة الـ 60 مليار دولار، بما يشكل نسبة 2% فقط من حجم الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة البالغ 2.8 تريليون دولار خلال العشرين عاماً الماضية، طبقاً للإحصاءات التي أوردها تقرير حديث نشرته وكالة أسوشيتدبرس الشهر الجاري.

وفي عام 2020، جاءت 9% من إجمالي الطاقة المولدة في أفريقيا من مصادر متجددة، مع اعتماد قوي (بنسبة 6.8%) على الطاقة الكهرومائية. ومع ذلك، يشير تقرير برايس ووترهاوس كوبرز (شبكة خدمات مهنية متعددة الجنسيات) إلى إحراز تقدم في هذا المجال.

وتشهد المرحلة الحالية ازدهاراً نسبياً في مشاريع الطاقة المتجددة في القارة الأفريقية، حيث تعمل عديد من الدول الأفريقية على زيادة الجهود لاستخدام المزيد من الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والابتعاد عن الاعتماد على الوقود الأحفوري. وقد اتخذت عدة دول زمام المبادرة في هذا الإطار، من بينها كينيا وتنزانيا والمغرب ومصر وإثيوبيا وجنوب أفريقيا، لجهة الاعتماد على اعتماد سياسات الطاقة النظيفة على نطاق واسع، بما يدعم الاتجاه العالمي الرامي للتأقلم مع مزيج الطاقة لتطوير الاستدامة.

عوامل رئيسية

يقول نائب المؤسسة المصرية العلمية للتدريب أستاذ التمويل والاستثمار الدكتور مصطفى بدرة، إن القارة الأفريقية هي قارة غنية بالثروات وبمصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، علاوة على توافر اليد العاملة، بما يضيف إليها ميزة التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة إن توافرت الإرادة السياسية والتمويل اللازم.

ويحدد بدرة في تصريحات لـ «البيان» ثلاثة عوامل رئيسية، من شأنها المساهمة في تطوير قطاع الطاقة المتجددة في القارة والتحول في هذا الإطار، لا سيما أن القارة «لا تزال تحبو في مرحلتها أو خطوتها الأولى في هذا التحول أملاً في اللحاق بالركب العالمي».

العامل الأول -بحسب بدرة- يتعلق بتوافر الإرادة السياسية، انطلاقاً من تبني سياسات اقتصادية على نطاق أوسع للتحول الأخضر استناداً إلى الطاقة النظيفة. بينما العامل الثاني مرتبط بالدعم المالي، في ظل كلفة التحول والمشروعات ومع ما تواجهه دول القارة من نقص في الاستثمارات بهذا القطاع. والعامل أو التحدي الثالث يتعلق بتوافر البنية التكنولوجية.

ويتحدث الخبير الاقتصادي في الوقت نفسه عن أسباب التفاوت الذي تشهده الدول الأفريقية في ملف الطاقة المتجددة، بالإشارة إلى التحديات التي تشهدها بعض الدول، من بينها النزاعات والصراعات الداخلية والاضطرابات الأمنية التي تفرض نفسها على المشهد في بعض تلك الدول، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر وحالة عدم الاستقرار السياسي ضمن جملة المتغيرات التي تشهدها دول القارة.

ويشير الخبير الاقتصادي إلى التجربة المصرية في هذا الإطار، باعتبارها من التجارب التي تولي أهمية قصوى للطاقة المتجددة، وهو ما يظهر في عديد من المشروعات التي تقوم بها الدولة واهتمامه القيادة السياسية بالاقتصاد الأخضر، فضلاً عن دعوتها لمؤسسات التمويل الدولية لمساعدة وتمويل أفريقيا في هذا القطاع المهم والدخول باستثمارات كبيرة. وتهدف القاهرة إلى زيادة مساهمة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الكهربائية إلى 42% بحلول عام 2035.

المستقبل القريب

وشدد تقرير حديث صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي على أن «النمو في المستقبل القريب تقوده مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في مصر والجزائر وتونس والمغرب وإثيوبيا». وبحسب التقرير، تعتبر شمال أفريقيا الإقليم الرائد في القارة حالياً من حيث قدرة الطاقة المتجدّدة، ومن المرجح أن تظل في هذا الموقف عند أخذ السعة قيد الإنشاء حالياً في الاعتبار، فيما ستشهد أفريقيا الوسطى أكبر زيادة عند اكتمال جميع المشاريع قيد الإنشاء، حيث من المقرر أن تزيد السعة عن الضعف. من ناحية أخرى، فإن غرب أفريقيا لديها القليل جداً من السعة الجديدة على الأبواب.

ومن عام 2019 إلى عام 2020 زادت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بنسبة 13% و11% على التوالي، في حين ارتفعت الطاقة الكهرومائية بنسبة 25%. كما أن «إجمالي قدرة الطاقة المتجدّدة المركبة في أفريقيا نمت بأكثر من 24 غيغاوات منذ عام 2013». وبالنظر إلى المستقبل، تشير التوقعات حتى عام 2050 إلى زيادة قدرها 27.3 إكساجول (EJ) مقارنة بـ 1.8 إكساجول الحالي، وفق تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي.

Email