«المعادلة الصينية» في أوكرانيا: الحرب محصلة للتجاوزات الأطلسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، اتخذت الصين موقفاً متمايزاً من مجمل الصراع الذي بات يشمل دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) وروسيا وحليفتها الوحيدة التي تساندها بقوة وهي بيلاروسيا. تحاول الدعاية الغربية تصوير الصين على أنها تنحاز «في الباطن» إلى روسيا وتعمل على مساعدتها للتهرب من العقوبات المتعددة المفروضة على موسكو. غير أن قراءة الموقف الصيني، وفق الوقائع والتصريحات والأرقام، تشير إلى أن بكين لا تريد أن تكون جزءاً مباشراً من هذه الحرب رغم أنها في النهاية طرف في الصراع العالمي.

في 12 أبريل، أدلى المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو لي جيان، بتصريحات في مؤتمر صحفي يومي عندما طُلب منه التعليق على استطلاع حديث، والذي أظهر أن ما يقرب من 90 بالمئة من مستخدمي الإنترنت الصينيين الذين تمت مقابلتهم يعتقدون أن موقف الولايات المتحدة بشأن قضية أوكرانيا ليس منصفاً وعادلاً، ولكنه مثال على الهيمنة والتنمر.

ويبدأ الموقف الصيني تجاه الأزمة في أوكرانيا بالمسبب الأول. فالحرب وفق ذلك، محصلة ونتيجة لسلسلة من المقدمات الأطلسية. ويلتزم المسؤولون الصينيون بهذا الترتيب لدى حديثهم لوسائل الإعلام. فأولاً، تحركات حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة دفعت التوتر بين روسيا وأوكرانيا إلى نقطة الانهيار. ثانياً، تدعو الصين إلى وقف الأعمال العدائية من كافة الأطراف، وتدين العنف، وهي في هذا الجزء لا تسمي طرفاً بعينه. ثالثاً، الولايات المتحدة تعمل باستمرار على صب الزيت على النار، وتصعيد التوترات، وإجبار الآخرين على الانحياز إلى جانب واحد، وخلق تأثير مخيف لـ«صديق أو عدو» بحسب المتحدث باسم الخارجية الصينية. رابعاً، الدعوة إلى محادثات سلام بين روسيا وأوكرانيا. خامساً، نفي أي تورط صيني في مساعدة روسيا الالتفاف على العقوبات الغربية.

معادلة الصين

رغم ذلك، تضغط دول غربية بقوة على الصين، لدرجة أن بكين استنكرت، اليوم، على لسان المتحدث باسم الخارجية، تحريف موقف الصين من الأزمة. وجددت معادلتها الخاصة تجاه الصراع في أوكرانيا: «يجب الحفاظ على سيادة أوكرانيا. كما يجب احترام مخاوف روسيا الأمنية المشروعة». وجاء هذا الموقف رداً على تحذير وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، الصين من تحالفها مع روسيا، وألمحت إلى عواقب اقتصادية محتملة من المجتمع الدولي، اعتماداً على طريقة تعاملها مع الأزمة. وأضافت أن «موقف العالم في التعامل مع الصين واستعداده لقبول تكامل اقتصادي أكبر ربما يتأثر برد الصين على دعوتنا لها للقيام بعمل حاسم مع روسيا».

ونشرت وكالة شينخوا الصينية، تعليقاً في 10 أبريل، وجاء فيه أنه في أعقاب اندلاع الصراع العسكري الروسي الأوكراني، سارعت دول الناتو إلى الانضمام إلى واشنطن لعرقلة التسوية السياسية، وتأجيج النيران وتضخيم الصراع الإقليمي، وتزويد أوكرانيا بالمال والأسلحة، وقمع روسيا بعقوبات شاملة وعشوائية. والآن يحصد «الناتو» ما يزرعه. ويؤدي الصراع المتصاعد إلى تآكل أمن أوروبا واقتصادها وتوسيع الانقسامات في جميع أنحاء العالم. في النهاية، فإن الناس العاديين هم من يتحملون العبء الأكبر.

وأضاف: كأثر من مخلفات الحرب الباردة، فإن الناتو، الذي كان من المفترض أن يحل منذ فترة طويلة، توسع بدلاً من ذلك بشكل عشوائي شرقاً على قدم وساق، متجاهلاً المخاوف الأمنية المشروعة لروسيا ودافعاً إياها إلى زاوية المواجهة.

التاريخ سيثبت

ومنذ بدء الحرب، تجنّبت الصين الانحياز لروسيا رغم تفهمها للموقف الروسي، والذي تربطه بسلوك حلف الناتو «العدواني». ففي عمليات التصويت التي شهدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك مجلس الأمن الدولي، كانت الصين في قائمة الدول الممتنعة عن التصويت، ولم تنضم إلى مجموعة الدول القليلة المؤيدة لموسكو، وهي بيلاروسيا وكوريا الشمالية وإريتريا وسوريا.

وفي المحصلة، ما زالت الصين ثابتة على موقفها غير المساهم في الحرب إلى جانب روسيا ولا في العقوبات الغربية، وهو موقف صاغه المتحدث باسم الخارجية الصينية بالقول: «سيثبت الزمن في النهاية أن الصين في الجانب الصحيح من التاريخ».

وتقول الولايات المتحدة إنها قلقة بشأن المساعدة العسكرية الصينية المحتملة للجيش الروسي أو مساعدة موسكو في الالتفاف على العقوبات الغربية. وكانت الصين قد دعت الغربيين في مطلع أبريل إلى عدم «المبالغة في تقدير» دورها، معتبرة أن مطالبتها روسيا بوقف الحرب في أوكرانيا لن تكون كافية لإنهاء الأعمال العدائية.

الفراغ الاقتصادي

وأحجمت الصين حتى الآن عن استغلال الفراغ الاقتصادي الناجم عن انسحاب الشركات الغربية من روسيا، ولم تحدث موجة إقبال من جانب الشركات الصينية لملء الفراغ. وأول من أمس، ذكر تقرير اقتصادي أنه لا يمكن لروسيا تعويض مغادرة شركتي «فيزا» و«ماستركارد» الأمريكيتين للخدمات المالية لها عبر التحول إلى استخدام بطاقات الائتمان الصينية من شركة «يونيون باي» للخدمات المالية. وأفادت صحيفة كوميرسانت الروسية بأن شركات تجارة التجزئة عبر الإنترنت المتمركزة خارج روسيا منعت المدفوعات باستخدام جميع البطاقات الصادرة في روسيا، بما في ذلك بطاقات يونيون باي الصينية. وكان الكثيرون يأملون في أن يتمكنوا من السداد باستخدام البطاقات الصادرة من البنوك الصينية بعد إنهاء خدمات فيزا وماستركارد في روسيا. وتم إصدار نحو 500 ألف بطاقة ائتمان من يونيون باي في روسيا، وهو ما يمثل زيادة تصل إلى عشرة أضعاف في غضون شهر، وفقاً للصحيفة.

وعلى الرغم من أن يونيون باي يمكن أن تحل المشكلة نظرياً، لم تبذل مجموعة بطاقات الائتمان الصينية أي جهد حتى الآن لذلك، حسبما أفادت كوميرسانت.

يذكر أن موقف الصين سيكون مؤثراً بخصوص العقوبات على روسيا، لأنها تشمل الصادرات الصينية التي تحتوي على تكنولوجيا تحصل عليها من الدول الغربية. وبينما يضع الغربيون الصين تحت مجهر النقد، ما زال السبب الرئيس لعدم فعالية العقوبات بالشكل الذي تأمله الولايات المتحدة هو استثناء قطاع الطاقة من العقوبات. فأوروبا مازالت تستورد الغاز الطبيعي والنفط من روسيا لأن أوروبا لا تستطيع الاستغناء عن الإمدادات الروسية من السلعتين، رغم إدراكها أن استمرار استيراد النفط والغاز الروسيين يمد موسكو بتدفقات نقدية ضخمة تساعد اقتصادها في تحدي العقوبات وتمويل العملية العسكرية في أوكرانيا.

Email