"الصدمة الكبرى"..ما الذي ينتظر العالم إذا طالت حرب أوكرانيا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجتاح العالم موجة تضخم أسعار غير مسبوقة إثر أزمتين عالميتين متتاليتين؛ وباء كوفيد 19 والحرب في أوكرانيا. وتتآكل المكاسب التي حققتها الدول في التنمية خلال السنوات الماضية التي لم تشهد أزمات عالمية، حيث كانت الحروب إقليمية أو ثنائية، وغالباً أحد أطرافها دولة صغيرة أو فقيرة غير مؤثرة في عمق الاقتصاد العالمي.

لم يمضِ على الحرب في أوكرانيا شهران، حتى انفجرت موجة تضخم شاملة، ناجمة بشكل أساسي عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، أثرت بعمق على الدول الغنية والفقيرة، وهو ما يتوقع أن يترك أثراً طويل الأمد على الأمن والاستقرار في المجتمعات ذات الاعتماد المحدود على خدمات الدولة.

ولا يبدو في الأفق أي حلول قريبة طالما بقيت الحرب مستمرة. وتتبادل روسيا والغرب الاتهامات وإلقاء المسؤولية على الكارثة الغذائية التي بدأت تضغط على المجتمعات الفقيرة بقوة. وفي هذا الإطار، حمّل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل روسيا مسؤولية مفاقمة أزمة الغذاء في العالم من خلال حربها على أوكرانيا، لاسيما من خلال قصف مخازن القمح ومنع السفن من نقل الحبوب إلى الخارج على حد تعبيره.

أوكرانيا.. كارثة
وأصدر البنك الدولي توقعات اقتصادية كارثية لأوكرانيا، وحذّر من سيناريو أكثر قتامة إذا طال النزاع. وبحسب التقرير، سينخفض الناتج المحلي الإجمالي في أوكرانيا بنسبة 45,1 بالمئة هذا العام، فيما سيتراجع في روسيا 11,2 بالمئة، وفق آخر التوقعات الصادرة عن المؤسسة التي تتخذ واشنطن مقراً لها.

وتوقع البنك الدولي انكماشاً بنسبة 4,1 بالمئة في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام في كل البلدان الناشئة والنامية في أوروبا وآسيا الوسطى، بينما كان يتوقع نمواً بنسبة 3 بالمئة قبل الحرب. وهذه النسبة أسوأ بكثير من الركود الناجم عن وباء كوفيد عام 2020 (-1,9 بالمئة).

من المتوقع أن تشهد أوروبا الشرقية وحدها انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 30,7 بالمئة مقابل توقعات ما قبل الغزو بنمو نسبته 1,4 بالمئة.

البنك الدولي.. صدمة كبرى
قالت نائبة رئيس البنك الدولي والمسؤولة عن هذه المنطقة آنا بييردي خلال مؤتمر صحافي عبر الهاتف «هذه ثاني صدمة كبرى تضرب الاقتصاد الإقليمي خلال عامين وتأتي في وقت حرج للغاية، إذ لا تزال العديد من الاقتصادات تواجه صعوبات من أجل التعافي من الوباء».

ويرجح واضعو التقرير أن تكون مولدافيا واحدة من أكثر البلدان تضرراً من النزاع، ليس فقط بسبب قربها الجغرافي من منطقة الحرب، ولكن أيضاً بسبب نقاط الضعف الكامنة فيها كاقتصاد صغير وارتباطها الوثيق ببلدي النزاع أوكرانيا وروسيا.

وتبقى التوقعات الأكثر قتامة تلك المرتبطة بأوكرانيا، حيث تقلصت عائدات الضرائب الحكومية وأغلقت الشركات أو أصبحت تعمل جزئياً فقط وتعطلت التجارة بشدة.

ومن دواعي القلق الأخرى التي يشير إليها تقرير البنك الدولي هي زيادة الفقر في أوكرانيا، فمن المتوقع أن ترتفع نسبة السكان الذين يعيشون على 5,50 دولارات يومياً من 1,8 بالمئة عام 2021 إلى 19,8 بالمئة هذا العام، وفق إحصاءات البنك الدولي.

روسيا.. لا حلول
وسجّلت نسبة التضخم في روسيا التي ترتفع منذ أشهر، ارتفاعاً جديداً فبلغت 16,7% في مارس على أساس سنوي، بحسب بيانات وكالة «روستات» للإحصاءات، وهو معدّل لم يُسجّل منذ مطلع عام 2015.

والتضخم المتسارع منذ أشهر، مرتبط بالتعافي بعد أزمة وباء كوفيد 19 وارتفاع أسعار المواد الأولية، وتُضاف إلى ذلك حالياً العقوبات والاضطرابات اللوجستية الناجمة عنها. يقوّض ارتفاع الأسعار القدرة الشرائية للروس الذين لا يملكون سوى القليل من المدّخرات، ويبدو أن الأمر يشكل معضلة بالنسبة للسلطات التي حاولت اتخاذ تدابير لضبط الأسعار لكن كانت نتيجتها عكسية، خصوصاً في ما يخصّ السكر.

أمريكا.. التضخم يستمر عامين
في الولايات المتحدة، قالت لوريتا ميستر رئيسة مجلس الاحتياطي الاتحادي في كليفلاند، إن التضخم سيظل مرتفعاً هذا العام والعام المقبل حتى مع تحرك البنك المركزي الأمريكي لخفض وتيرة زيادة الأسعار.

وأضافت أن البنك المركزي قام برفع كلفة الاقتراض على المنازل والسيارات وغيرها ورفع سعر الفائدة الاتحادية وإجراءات أخرى «سيساعد ذلك على تقليل الطلب الزائد الذي يفوق العرض المحدود مما سيخفض من ضغوط الأسعار» لتصل إلى هدف التضخم الذي حدده البنك والبالغ 2 بالمئة.

ألمانيا.. تخفيض التوقعات
في السياق، أعلن وزير العمل الألماني هوبرتوس هايل، أنه يرى أن الحرب في أوكرانيا وعواقبها سوف يكون لها تأثير ملموس على النمو الاقتصادي في ألمانيا. وأضاف: «نتوقع في المتوسط هذا العام 590 ألف شخص يعملون لساعات مختصرة، وسيبلغ النمو الاقتصادي (هذا العام)، وفقاً لتوقعات باحثينا، 1.4 إلى 1.5%».

وخفضت الحكومة الألمانية توقعاتها الاقتصادية في نهاية يناير الماضي ـ أي قبل بدء الحرب الروسية في أوكرانيا بستة أسابيع ـ وتوقعت الحكومة آنذاك نمواً اقتصادياً بنسبة 3.6% فقط بسبب عواقب تفشي وباء كورونا. وكانت الحكومة الألمانية السابقة توقعت في خريف عام 2021 نموا بنسبة 1.4%.

تركيا.. الأسعار تحلّق
في تركيا، بلغت معدلات التضخم النقدي 14 ضعف معدلاتها بمنطقة الاتحاد الأوروبي، حيث تجاوزت 60 في المئة، وهي نسبة أسوأ من تلك التي تشهدها اليونان التي توشك على إعلان إفلاسها. ووعدت الحكومة التركية بخفض التضخم، بدءاً من نهاية العام الحالي، بشكل تدريجي ملموس. وقال وزير الخزانة والمالية التركي، نور الدين نباتي، إن التضخم سيبدأ الانخفاض بدءاً من ديسمبر المقبل، وسيواصل الانخفاض كل شهر.

بريطانيا.. نمو شبه معدوم
وفي بريطانيا، سجّل النمو الاقتصادي مستويات شبه معدومة في فبراير، حيث تباطأ إلى 0,1% فيما كان 0,8% في يناير، بسبب انخفاض النشاط الصناعي فيما تؤثر الضغوط التضخمية على ميزانية الأسر.

الصين.. تضخم يفوق التوقعات
وفي الصين، أظهرت بيانات رسمية نشرت اليوم ارتفاع معدل تضخم أسعار المستهلك خلال مارس الماضي بأكثر من التوقعات. وذكر مكتب الإحصاء الوطني أن معدل تضخم أسعار المستهلك ارتفع إلى 1.5% خلال مارس مقابل 0.9% خلال فبراير.

مصر.. الذروة في أغسطس
عربياً، أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر ارتفاع تضخم أسعار المستهلكين بالمدن إلى أعلى مستوياته منذ ما يقرب من ثلاث سنوات وأسرع مما توقعه المحللون مسجلاً 10.5 بالمئة في مارس مقارنة مع 8.8 بالمئة في فبراير. ويعد هذا الارتفاع أكبر من متوسط التوقعات في استطلاع أجرته وكالة رويترز وشمل 14 محللاً وبلغ عشرة بالمئة.

ونجمت الزيادات في الأسعار إلى حد ما عن نقص السلع بعد الحرب في أوكرانيا مما أدى إلى تجاوز التضخم المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي بين خمسة وتسعة بالمئة وسعر الفائدة الذي حدده على الإقراض لليلة واحدة والذي يبلغ 9.25 بالمئة. ويتوقع بعض المحللين أن يرتفع التضخم بنسبة أكبر في الأشهر المقبلة.

وقال البنك المركزي المصري إن التضخم الأساسي، الذي يستبعد المواد المتقلبة مثل الغذاء، قفز إلى 10.1 بالمئة على أساس سنوي في مارس من 7.2 بالمئة في فبراير، وهو أعلى مستوى منذ يونيو 2018.

وقالت رضوى السويفي من شركة فاروس لتداول الأوراق المالية إن «الارتفاع في اتجاهات التضخم متوقع على نطاق واسع وسيبلغ ذروته بحلول أغسطس 2022 وبعد ذلك سيبدأ في الاستقرار».

إسرائيل.. أسعار الفائدة
ولجأت دول عديدة إلى سياسة تخفيف الأضرار للحد من التضخم عبر آلية فرع أسعار الفائدة، وهو إجراء اتبعته إسرائيل. فقد رفع بنك إسرائيل المركزي سعر الفائدة القياسي للمرة الأولى في ثلاث سنوات ونصف. ووصل التضخم السنوي في إسرائيل إلى أعلى مستوى في 11 عاماً عند 3.5 بالمئة في فبراير، متجاوزاً النطاق الذي تستهدفه الحكومة والذي يتراوح من 1 بالمئة إلى 3 بالمئة.

وارتفع معدل التضخم في جمهورية التشيك بأسرع وتيرة منذ 24 سنة، وذلك في ظل الطلب المحلي القوي وارتفاع الأسعار عالمياً بسبب الحرب في أوكرانيا. ونقلت وكالة بلومبرج للأنباء عن مكتب الإحصاء في براغ اليوم الاثنين أن أسعار المستهلكين ارتفعت بنسبة 12.7% مقارنة بالعام الماضي، بأسرع وتيرة منذ مايو 1998.

البرازيل.. مفاجأة وتحليل
وفي البرازيل، قال رئيس البنك المركزي روبرتو كامبوس نيتو، إنه فوجئ بأحدث بيانات للتضخم، وإن صانعي السياسة النقدية يجرون تحليلاً للأرقام، ما دفع المستثمرين إلى المراهنة على المزيد من رفع أسعار الفائدة.

في تايلاند، من المتوقع أن يتجاوز حجم التضخم النطاق الأعلى لهدف البنك المركزي الذي يتراوح بين 1% و3% خلال الـ12 شهراً المقبلة بسبب صدمات زيادة التكلفة، ثم سيعود إلى النطاق في مطلع عام 2023، بحسب ما ذكره «بنك تايلاند».

Email