حرب المناخ.. الشرق الأوسط وآسيا الوسطى على خط المواجهة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تقع منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الخطوط الأمامية لمواجهة تداعيات الأزمة البشرية والمادية والاقتصادية، بما فيها تحديات التغير المناخي باعتبارها من أكبر التحديات التي تواجه البشرية، حيث يقع جزء كبير من المنطقة في المناطق المناخية القاسية بالفعل، وينطوي هذا الاتجاه على اضطرابات اقتصادية عميقة، كما يعرّض الأمن الغذائي للخطر، مع ما يضاف إليها من آثار شديدة الخطورة.

التحديات المناخية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تطرح الكثير من الأسئلة. ما هي هذه التحديات؟ وكيف يؤثر تغير المناخ في اقتصادات المنطقة والتنمية والاستقرار فيها؟ وكيف يمكن دعم السياسات العامة لتعزيز المرونة المناخية على المدى القريب؟ وما احتياجات التمويل الضمنية لهذه السياسات؟.

دراسة حديثة صادرة عن خبراء صندوق النقد الدولي، أجابت عن تلك التساؤلات، وكشفت عن حجم التحديات الحرجة التي تواجه التكيف مع المناخ في المنطقة، لا سيما في البلدان الهشة ودول الصراعات بها. تحليل البيانات التي تغطي القرن الماضي يكشف عن أن الضغوط المناخية الرئيسية في المنطقة قد ازدادت حدة منذ التسعينيات؛ فقد ارتفعت درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية (ضعف الزيادة العالمية البالغة 0.7 درجة مئوية)، فضلاً عن تأثر هطول الأمطار بالفعل، فقد أصبحت أكثر اضطراباً من أية منطقة أخرى، علاوة على حدوث كوارث مناخية مثل الجفاف والفيضانات (أكثر مما كانت عليه في الماضي).

منذ عام 2000 نتج عن الكوارث المناخية، في المتوسط سنوياً، خسائر بقيمة 2 مليار دولار كأضرار مادية مباشرة، و7 ملايين متضرر، و2600 حالة وفاة، وفق البيانات التي ترصدها الدراسة بخصوص التحديات المناخية في المنطقة.

ومع استمرار ذلك التدهور سيؤدي تغير المناخ إلى تفاقم الضغوط والأضرار المناخية الحالية، لا سيما في البلدان ذات معدلات الصمود المنخفضة (الدول الهشة والمتأثرة بالصراع)، وينعكس ذلك بشكل أساسي على الزراعة المعتمدة على الأمطار.

بلدان الانكشاف المناخي

حددت الدراسة البلدان الأقل قدرة على تحمّل التغير المناخي، ومن بينها «البلدان الهشة المتأثرة بالصراعات» وجميعها بلدان تتسم بدرجة عالية من الانكشاف للمناخ والتعرض لتغيراته (في المقدمة سوريا والعراق واليمن والسودان والصومال وباكستان وأفغانستان وجيبوتي). وفيما تبذل دول المنطقة جهوداً متفاوتة في التصدي لأزمة المناخ، تواجه على الجانب الآخر الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات تحديات مزدوجة.

وفي الوقت الذي استعرضت الدراسة نماذج لبعض تلك الجهود المبذولة، يقول مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالصندوق جهاد أزعور، ومنسق العمل المناخي في الصندوق بالمنطقة كريستوف دوينوالد، في مقال لهما تعقيباً على الدراسة، إنه «لا يوجد حل واحد يناسب الجميع، لأن كل بلد يواجه مجموعة من التحديات الخاصة به، إلا أن هناك بعض المبادئ المشتركة التي تنطبق على المنطقة بأسرها». وفي هذا السياق «ينبغي إعطاء أولوية للتدابير التي تعود بنفع كبير في ظل كل السيناريوهات الممكنة لتغير المناخ». بينما في شأن الدول المتأثرة بالصراعات، يعتقد خبراء الصندوق بأن الأولوية تكون «بتحسين قدرات التأهب لمواجهة الكوارث».

يتحدث استاذ الفيزياء بالجامعة الأمريكية الخبير البيئي، الدكتور صلاح عرفة، في تصريحات لـ «البيان»، عن الحلول المشتركة في إطار إجراءات التكيف مع تغير المناخ، وأهمها ما يتعلق بالتنسيق وتبادل المعلومات بين دول المنطقة وبعضها البعض؛ على اعتبار أن العمل المناخي هو عمل مشترك، وتوفر مسألة تبادل المعلومات وتشارك الخبرات والتجارب والخطط الوطنية أرضية مهمة لتعزيز الإجراءات المتخذة في سبيل التكيف مع الأزمة. كما يلفت في السياق نفسه إلى دور المنظمات الإقليمية والدولية في تعزيز العمل المشترك.

ويشير إلى أن تغير المناخ من أشد الأزمات التي تهدد البشرية كلها، ولا تقتصر تلك الأزمة عند حدود منطقة أو محيط بعينه، وبالتالي فإن التعاون في التصدي وإجراءات التكيف بشتى السبل المتاحة يسهم بشأنه في تعزيز أدوات التصدي للأزمة. ويشدد على المسؤولية المشتركة التي تقع على عاتق الدول والشعوب في المنطقة والعالم.

حلول مختلفة

وبينما يواجه كل بلد على حدة ظروفاً مختلفة (من حيث نقاط القوة ونقاط الضعف)؛ بالتالي فإنّ الحلول تختلف، بينما الحلول العامة والأساسية بالنسبة لدول المنطقة تبنى على أساس ضرورة إدراج مخاطر المناخ في جميع أطر السياسات ذات الصلة وأجندات الإصلاح الهيكلي، إضافة إلى التدابير الاجتماعية المختلفة.

ويلفت الخبير البيئي في الوقت نفسه إلى المسؤولية «التشريعية» من خلال إقرار تشريعات مشتركة من شأنها تعزيز إجراءات مكافحة التغير المناخي والحفاظ على البيئة، بما يشكل أساساً قانونياً ملزماً للجميع في ضوء المسؤولية المشتركة.

وفي السياق، تبزغ الحاجة إلى تبني «استراتيجيات إقليمية موحدة» هدفها التعاون في ذلك الملف، وهو ما أوصى به مرصد الهدف الثالث عشر من أهداف التنمية المستدامة 2030 في المنطقة العربية، والذي دعا ضمن أحدث تقاريره إلى ضرورة «اعتماد استراتيجية إقليمية موحدة تعمل كإطار منظم للتغير المناخي في المنطقة في ما يتعلق بالتغير المناخي».

وفي سياق التمويل، نبّه خبراء صندوق النقد الدولي إلى أهمية توفير الموارد المحلية للإنفاق على التكيف مع تغير المناخ، عبر زيادة الإيرادات المحلية وتخفيض الدين العام. كما أن هناك حاجة ماسة للحصول على دعم دولي إضافي لتمويل إجراءات التكيف بشروط ميسرة.

وبلغ إجمالي التمويلات التي قدمتها المنظمات الثنائية ومتعددة الأطراف خلال 10 سنوات (من 2009 وحتى 2019) نحو 70 مليار دولار للمنطقة دعماً للأنشطة المناخية. لكن غالبية التمويلات كانت موجهة لتخفيف آثار أزمة المناخ (نسبة نحو 25% فقط منها كان لتمويل إجراءات التكيف). فيما يُعوّل -بحسب خبراء الصندوق- على قمة المناخ القادمة التي تنعقد في مصر من أجل زيادة المساهمات التمويلية في دعم اقتصادات الدول النامية على التكيف.

Email