«المستشارة الأبدية».. ميركل تستعد لوداع السياسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تطوي المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، التي وصفت يوماً بـ«قائدة العالم الحر» في زمن صعود القادة الشعبويين في أوروبا والولايات المتحدة، نحو 16 عاماً في الحكم، تاركة خلفها إرثاً متبايناً في الداخل والخارج.

دثّرت سنوات الحكم المديد ميركل بعباءة «المستشارة الأبدية»، وأكسبتها شعبية كانت كفيلة بأن تتيح لها الفوز بولاية خامسة قياسية، في ما لو قررت السعي إليها، إلا أن السيدة الأولى، التي تشغل المستشارية، ستصبح أيضاً أول رأس للحكومة الألمانية يختار التنحي طوعاً عن الحكم، تاركة خلفها جيلاً بكامله لم يعرف سواها في هذا المنصب الأبرز في برلين. 

تترك ميركل الحكم بآراء متفاوتة، فالمؤيدون يرون أنها وفرت قيادة ثابتة وبراغماتية، وكانت شخصية معتدلة وموحِّدة في مواجهة أزمات عالمية لا تعد ولا تحصى، فيما يعتبر المنتقدون أنها اعتمدت أسلوب قيادة قائماً على التأقلم، والسعي إلى كسب القاعدة الأكبر من التوافق، وافتقدت الرؤية الجريئة لتحضير أوروبا، واقتصادها الأكبر ألمانيا للعقود المقبلة.

تترك ميركل خلفها تركيبة مشرذمة، فالهالة التي فرضتها على الحياة السياسية الألمانية تلقي بظلالها على وريثها في الاتحاد المسيحي الديمقراطي المسيحي، أرمين لاشيت، الذي عانى ليطبع حملته الانتخابية ببصمته. في المقابل، يبدو أن خصمها من الاشتراكيين الديمقراطيين، وزير المال أولاف شولتز، نجح في تقديم نفسه كونه المرشح الأبرز، لضمان استمرارية فعلية في حكم ألمانيا، وفي انتظار أن تبقى في منصبها إلى حين تسليمه للفائز في الانتخابات، ستتمكن ميركل من معادلة أو تجاوز المدة القياسية، التي سجلها المستشار السابق هلموت كول، إذ أمضى أطول مدة في المستشارية (1982-1998) في حقبة ما بعد الحرب، ومثّلت ميركل للكثيرين في الأعوام الماضية، مستشارة قادرة على الوقوف في وجه قادة من الذكور الصاخبين على الساحة العالمية، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وأظهر استطلاع نشره مركز «بيو» للأبحاث هذا الأسبوع أن الأغلبية في العديد من الدول ذات الأنظمة الديمقراطية حول العالم، تثق بأن ميركل ستقوم بعين الصواب في الشؤون الدولية.

وعكست التغيرات الكبرى في سياستها، ما تتطلع إليه شرائح واسعة من الناخبين الألمان، ومنها على سبيل المثال التخلي تدريجياً عن محطات إنتاج الطاقة النووية في أعقاب كارثة فوكوشيما اليابانية في 2011. وتمكنت من جذب تحالف واسع من النساء وناخبي المدن، لتأييد الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تمثله، والمعروف بتوجهاته السياسية المحافظة.

وقبل جائحة «كوفيد 19» كان قرار ميركل في العام 2015 فتح الحدود أمام أكثر من مليون لاجئ معظمهم سوريون لدخول ألمانيا، خطوة جريئة اعتبرت محورية في الإرث، الذي ستتركه بعد خروجها من السلطة، وعلى رغم أن الخطوة لقيت تأييد العديد من الألمان، إلا أنها أسهمت أيضاً في تعزيز شعبية حزب «البديل من أجل ألمانيا» المناهض للاجئين، ما مهّد لتكوّن تكتلاً يمينياً متطرفاً داخل البرلمان للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية. وفي المجال البيئي، تواجه السيدة، التي أطلق عليها سابقاً لقب «مستشارة المناخ»، انتقادات من ناشطين شبان يرون أنها فشلت في مواجهة الأزمة المناخية، خصوصاً أن ألمانيا لم تتمكن بعد من احترام تعهداتها في خفض الانبعاثات، وأصبحت ميركل بمثابة حجر الرحى الأوروبي خلال الأزمة المالية في منطقة اليورو، حيث دفعت برلين في اتجاه خفض الإنفاق في مقابل خطط انقاذ مالي للدول الغارقة في ديونها.

وأثارت توجهات ميركل يومها تظاهرات مناهضة وصفها خلالها المحتجون بـ«ملكة التقشف» في أوروبا، وحملوا رسوماً ساخرة تصوّرها وهي ترتدي زيّاً نازياً، بينما رأى مناصروها أنها تمكنت من الحفاظ على الوحدة المالية للقارة.

Email