تجاذب روسي أمريكي ساخن على آسيا الوسطى

ت + ت - الحجم الطبيعي

مضى أكثر من شهرين على قمة جنيف بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، وجوهر وموضوعات المحادثات بين الرئيسين لا تزال حتى اليوم تتسرب.

وبشكل تدريجي إلى الصحافة. ولعل أبرز التسريبات تتعلق بمستقل دول آسيا الوسطى بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ومعارضة موسكو الشديدة لنشر واشنطن قواعدها هناك، والذي يرى مراقبون أنه يعني تفضيل الكرملين الحفاظ على آسيا الوسطى كمجال للنفوذ الروسي، على التعاون مع الرئيس الأمريكي الجديد لحل المشاكل الأفغانية. 

وليس سراً أن العلاقات الروسية الأمريكية لربما أصبحت في أدنى مستوياتها منذ أزمة الكاريبي في ستينات القرن الماضي. ولم يتوصل الطرفان إلى طرق أخرى للمحافظة على ما تبقى من العلاقات، غير المفاوضات والتعاون، والتي بدورها أصبحت شبه موسمية، كالحد من الأسلحة النووية والصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى، والتي يتهكم متابعون لهذا الشأن بأنها لن تطير أبدًا.

لا مقايضة

ويبدو أن موسكو تخلت عن فرصة الاستفادة من ورقة آسيا الوسطى لتطبيع العلاقات الروسية الأمريكية. فكلفة الموافقة على نشر قواعد أمريكية، تتجاوز بشكل خطير جميع المزايا والمكافآت التي يمكن أن يحققها هذا الرفض. فحاجة واشنطن إلى قواعد عسكرية في المنطقة لم تكن فقط لتأمين انسحاب «غير دموي» لقواتها والمتعاونين معها من أفغانستان.

فالولايات المتحدة تنظر إلى منطقة آسيا الوسطى من منظور استراتيجي كقاعدة احتواء ونقطة الضعف الجنوبية للاتحاد الروسي وغرب الصين، ومنطقة عبور البضائع الصينية إلى الغرب على طول طريق الحرير الجديد، كما يرى الخبير في العلاقات الروسية – الأمريكية غيفورك ميرزيان.

ووفقًا له، ستروج الولايات المتحدة لسيناريوهين لآسيا الوسطى، يقوم الأول على جعل دول المنطقة موالية لها، واستخدام هذه العلاقات كوسيلة للضغط على الصين، لكنه يستبعد أن تتمكن كل الأموال الأمريكية من بسط سيطرتها على الإقليم الحيوي، فقد رسخت الصين نفوذها، كما أن القوات الأمريكية لن تستطيع توفير ضمانات أمنية لهذه الدول.

ضمانات أقوى

ويتابع أن «الضمانات الروسية» أكثر موثوقية من نظيرتها الأمريكية، التي تخلت عن حلفائها في أكثر من مكان في العالم. ويضيف أنه على الرغم من جاذبية أسلوب الحياة الأمريكي، إلا أنه لن يُسمح لمنظماتهم غير الحكومية بالدخول إلى دول آسيا الوسطى، وذلك ببساطة لأن الدول لا يمكنها التعاون مع منظمات ستتدخل في سياساتها الداخلية.

وهنا يرجح ميرزيان لجوء واشنطن إلى السيناريو الثاني، الذي يقوم على مبدأ «عليّ وعلى أعدائي»، بمساعدة قواعدهم وأموالهم ووكلائهم الأفغان، لهز أنظمة آسيا الوسطى، وتحويل المنطقة إلى حقل هائل من عدم الاستقرار، ومحاولة سد فراغ السلطة عبر حركات التطرف والإرهاب، التي تعتبر موسكو وبكين أعداء وجوديين لها، فضلاً عن خطر امتداد هذه المخاطر إلى المناطق الإسلامية في كلا البلدين.

انعدام ثقة

ويختم بأنه من الناحية النظرية، يمكن لموسكو وواشنطن إبرام صفقة يتعاونان بموجبها في آسيا الوسطى، وعدم استخدام المنطقة ضد بعضهما البعض.

ولكن من الناحية العملية، هذه الصفقة غير محتملة. أولاً، لأن سياسة واشنطن المعادية للصين ستضر بروسيا أيضًا، ثانيًا، ستؤدي مثل هذه الصفقة إلى تعقيد خطير للعلاقات بين موسكو وبكين، حيث قد تعتقد القيادة الصينية أن الكرملين قد انضم إلى البيت الأبيض لاحتواء الصين، وأخيراً، وهو الأهم، ليس لدى روسيا ضمانات بأن الولايات المتحدة ستفي بالتزاماتها، لذلك منعت الأمريكيين من نشر قواعد في آسيا الوسطى.

Email