«البيان» ترصد تقرير «يتامى الوباء».. 1.5 مليون طفل في العالم!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تقل تبعات فيروس كورونا (كوفيد 19) الشديدة عن خطورته ووحشيته في حصد الأرواح، سواء لجهة الآثار المادية والمعنوية التي تلقي بظلالها على المشهد.

وعلى اعتبار أن معظم وفيات كورونا تحدث بين البالغين وليس الأطفال، فقد تركز الاهتمام على البالغين. ومع ذلك، فإن النتيجة المأساوية للأعداد الكبيرة من وفيات البالغين هي أن أعداداً كبيرة من الأطفال قد فقدوا والديهم والقائمين على رعايتهم بسبب الفيروس، كما حدث خلال وباء فيروس نقص المناعة البشرية والإيبولا وإنفلونزا العام 1918. 

هذا ما تناولته دراسة حديثة، كشفت عن إحصائية بعدد الأطفال الذين تيتموا بسبب جائحة كورونا والتداعيات المصاحبة لها، مبرزة في الوقت ذاته تزايد المخاطر التي تواجه الأطفال جراء هذه «التجارب السلبية» التي مرّوا بها في مقتبل حياتهم. ودقت ناقوس الخطر بشأن الآثار السلبية التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال، والذين يعتبرون أكثر عرضة لاضطرابات الصحة العقلية، ومخاطر أخرى واسعة قد تقود إلى الانتحار وتزايد فرص تعرضهم للعنف.

الدراسة المنشورة بمجلة «ذي لانست» الطبية أشارت إلى أنه «مع استمرار جائحة كورونا وفي ظل الفوضى التي أحدثتها على مستوى العالم بأسره، فقد أكثر من 1.5 مليون طفل والديهم أو أجدادهم الحاضنين أو أقاربهم الذين عاشوا معهم».

لفت الباحثون - الذين استخدموا بيانات وفيات كورونا منذ الأول من مارس 2020 وحتى 30 أبريل الماضي من 21 دولة - إلى أن الأولويات أثناء جائحة كورونا ركزت في المقام الأول على اكتشاف الفيروس وسبل الوقاية منه. في الوقت الذي عادة ما تكون للأوبئة آثار ثانوية «تتجاوز معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات» من بينها الآثار المرتبطة بالأطفال. 

ويؤدي فقدان أحد الوالدين أو مقدم الرعاية إلى زيادة خطر تعرض الأطفال لاضطرابات الصحة العقلية، بحسب الدراسة التي تحدثت عن زيادة خطر التعرض إلى العنف الجسدي والعاطفي والجنسي والفقر الأسري. وأشار الباحثون إلى أن «هذه التجارب السلبية تزيد من مخاطر الانتحار وحمل المراهقات والأمراض المعدية بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية والأمراض المزمنة».

ركزت الدراسة بشكل عام على أفراد الأسرة الذين يعملون كمقدمي رعاية وليس الآباء فقط، بما في ذلك الأجداد، على اعتبار أن الأطفال يعيشون في أسر متعددة الأجيال، ويلعب الأجداد دوراً كبيراً في تنشئة الأطفال الصغار. وأحصت الدراسة نسبة الأطفال الذين يعيشون في أسر ممتدة تشمل أجدادهم بنحو 38 في المئة في جميع أنحاء العالم. ولم تعتمد الدراسة فقط على رصد أولياء الأمور الذين فقدوا بسبب إصابتهم بالفيروس، ولكن كذلك الذين ماتوا بشكل غير مباشر؛ بسبب العوامل المرتبطة به وتداعيات الجائحة، مثل الإغلاق والقيود وانخفاض نسب الوصول للرعاية الصحية وعلاج الأمراض المزمنة.

إحصاءات

وطبقاً للدراسة، فإنه بحلول أبريل 2021، أصبح 1560.000 طفل أيتاماً أو فقدوا أحد مقدمي الرعاية بسبب الوباء؛ من بين هؤلاء 788704 أطفال تيتموا لأم أو أب أو كليهما، وفقد معظمهم أحد الوالدين. كما أن 73661 فقدوا على الأقل جداً واحداً حاضناً. وحددت الدراسة البلدان التي لديها أكبر عدد من الأطفال الذين فقدوا من يقدمون الرعاية بسبب الوباء. وجاءت في المقدمة «جنوب إفريقيا وبيرو والولايات المتحدة والهند والبرازيل والمكسيك». 

واتصالاً بنتائج الدراسة، يعلق استشاري الطب النفسي، الدكتور جمال فرويز، في تصريحات خاصة لـ«البيان»، قائلاً: «إن الآثار السلبية لفقدان الطفل لأحد والديه أو أي من مقدمي الرعاية له بسبب جائحة كورونا، هي في المجمل نفس الآثار النفسية التي يواجهها الطفل بسبب فقدان أحدهم لأي سبب آخر سواء لحادث أو أي مرض آخر، ذلك أنه يكون عرضة لجملة من المخاطر النفسية المتفاوتة».

ويتابع: «يعاني هؤلاء ممن تيتموا بسبب الجائحة خصوصاً شعوراً بالضغينة.. ويكون الطفل مفتقداً للعاطفة، لا سيما حال وفاة والديه معاً جراء الفيروس.. وتتفاوت تلك الآثار ما بين الأطفال، وعلى حسب الأسر البديلة أو مقدم الرعاية البديل، سواء الجد أو العم أو الخال أو غيرهم»، موضحاً أن هؤلاء الأطفال «عادة ما ينشؤون ولديهم نوع من الحرمان العاطفي، والذي قد يكون مصاحباً لحالة من الاكتئاب، حتى لو لم يفصحوا عن ذلك الأمر».

ويوضح فرويز أن الطفل في كل مرحلة من مراحل حياته بحاجة ماسة إلى والديه، ففي أول أربعة أعوام من حياته بشكل خاص يكون احتياجه كبيراً لعاطفة وحنان الأم ويعتبرها وسيلته للحياة.. كما يحتاج الأب كقدوة ومثل أعلى بعد ذلك يتباهى به، وتوافر ذلك يخلق شخصية ناضجة، والعكس إن افتقد الطفل كل ذلك بأي شكل، فسينطبع ذلك على سلوكياته وتعاملاته مع الآخرين، بخلاف المخاطر الأخرى التي سيكون عرضة لها».

وإضافة إلى المخاطر والآثار السلبية التي تحدثت عنها الدراسة، ففي شهر يونيو الماضي، حذرت «اليونيسيف» من مخاطر تواجه الأطفال بسبب جائحة كورونا، وقالت إن نحو تسعة ملايين طفل حول العالم «معرضون لمخاطر الاضطرار إلى العمل بحلول نهاية العام المقبل بسبب تداعيات الجائحة». وحذرت من أن هذا الرقم المتوقع قد يصل إلى 46 مليوناً إن لم تتوافر إمكانات حصولهم على خدمات الحماية الاجتماعية الأساسية.

ومن ضمن التداعيات الخطيرة التي حذرت منها «اليونيسيف» في وقت سابق أيضاً، ما يتعلق بـ«تزايد حالات زواج الأطفال بحلول العام 2030 تأثراً بالجائحة». وقدرت المنظمة العدد المتوقع بحوالي 10 ملايين حالة زواج أطفال جديدة بحلول 2030.

Email