المجر.. ساحة مواجهة ثقافية بين الشرق والغرب

محتجون في بودابست ضد سياسات أوربان / أ.ف.ب

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أكتوبر 2020، وجّه رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، صفعة إلى رمز من رموز الليبرالية بإجباره جامعة «أوروبا الوسطى» التي أنشأها الملياردير الأمريكي من أصل مجري، جورج سوروس، على إغلاق فرعها في بودابست بعد نزاع قضائي طويل كان عملياً نزالاً بين اليمين المتشدد الذي مثله أوربان، واليسار الليبرالي الذي يمثله سوروس.

لم يكتف أوربان بذلك، بل أثار حفيظة التيار الموالي لليبرالية (والاتحاد الأوروبي) داخل المجر، خلال الأيام الماضية، بتأييده مشروع بناء جامعة صينية كبرى في المدينة. وللحدثين معنى رمزي في غاية الإحباط لمؤيدي القيم المؤسساتية والحقوقية الغربية. فسوروس يعد خصماً فكرياً للصين وروسيا، ويدعم عبر مؤسساته، وسائل إعلام وجامعات ومنظمات عديدة مؤثرة، لتعزيز منظومة الحقوق المعتمدة في الدول الليبرالية الغربية، مثل الانفتاح على ملف الهجرة، واستيعاب اللاجئين، ودعم الحريات الفردية في المجتمع، وحق التعبير السياسي. ويواجه سوروس اتهامات من دول عديدة بأنه يمول نشاطات سياسية لزعزعة استقرار بلدان عديدة.

لكن أوربان، وهو رجل عنيد في مواقفه اليمينية، وذو خطابات شعبوية تثير حماس أنصاره اليمينيين، يواصل نهجه في الحرب على الاندماج السياسي مع الليبرالية الغربية، ويستهدف بشكل أكبر التيارات اليسارية والاشتراكية، لكن، للمفارقة، فإنه يعد من أبرز الداعمين لمنح الصين موطئ قدم في أوروبا. والخميس خسرت المجر استئنافاً ضد قرار البرلمان الأوروبي بفرض عقوبات عليها بسبب انتهاكات لقيم الاتحاد الأوروبي الأساسية. ويساور البرلمان الأوروبي المخاوف بشأن المجر فيما يتعلق باستقلالية القضاء وحرية التعبير والتجمع والفساد وحقوق المهاجرين بين أشياء أخرى.

وأمس، تظاهر آلاف المجريين في بودابست ضد مشروع بناء جامعة صينية كبرى في المدينة. وشارك نحو 10 آلاف شخص في التظاهرة التي جابت شوارع العاصمة المجرية رفضاً لمشروع الجامعة المقترح، والذي تعتزم الحكومة الانتهاء منه بحلول عام 2024. وبحسب اتفاق وقعته المجر مع رئيس جامعة فودان العريقة في شنغهاي، فإن الحرم الجامعي المزمع إنشاؤه، وهو الأول من نوعه في أوروبا، تبلغ مساحته 500 ألف متر مربع.

ويعزز هذا المشروع الهائل المخاوف من التحول السياسي للمجر من الغرب إلى الشرق، خصوصاً مع تزايد مديونيتها للصين، كما أشعل خلافاً دبلوماسياً بين بكين ورئيس بلدية بودابست الليبرالي.

وبحسب وكالة فرانس برس، كشفت وثائق داخلية مسربة أنه من المتوقع أن تقدم الصين قرضاً بقيمة 1,3 مليار يورو (1,6 مليار دولار) لتغطية غالبية تكاليف إنشاء الجامعة المقدرة بـ 1,5 مليار يورو. وحمل أحد المتظاهرين لافتة كتب عليها «لا لفودان! نعم للغرب ولا للشرق»، فيما اتهمت لافتات أخرى أوربان وحزبه اليميني الحاكم ببناء علاقة قريبة مع الصين.

والتيار المعارض لأوربان تحرك مؤسساتياً أيضاً، وليس فقط شعبياً. وأعلن غيرغلي كاراتشوني رئيس بلدية بودابست إعادة تسمية الشوارع المحيطة بحرم الجامعة المقترح إلى «شارع هونغ كونغ الحرة» و«شارع الدالاي لاما» في تحدّ لتوجه أوروبان.

ويعد مشروع جامعة فودان أحدث خطوة في سياسة أوربان الخارجية المتمثلة في «الانفتاح على الشرق» والتي يصفها محللون بأنها عملية توازن جيوسياسية. ويصور منتقدو رئيس الوزراء القومي على أنه «حصان طروادة» للصين وروسيا داخل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

Email