ماذا تعني «المنافسة القصوى» في استراتيجية واشنطن تجاه الصين؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد ظهور ملامح أولية من السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، كتب أندرو براون، في مقال نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، أشار خلالها إلى أنه في حين أن المسؤولين عن السياسة الخارجية والأمن في واشنطن يتغيرون، فإن السياسة الأمريكية تجاه الصين، بقيت دون تغيير. يرى براون أن الخط المتشدد لدونالد ترامب بشأن الصين مستمر، وربما يتم تطبيقه بمزيد من البراعة، من قبل فريق بايدن المتمرس. ولعل عنوان المقال له الدلالة الأكبر على فكرة استمرارية إرث ترامب في هذا الملف: «حين يتعلق الأمر بالصين، فإن بايدن هو ترامب 2».

تحدث جو بايدن، أمس، لقناة «سي بي إس»، ولم يظهر خلال حديثه ما يدفع إلى التشكيك بصيغة براون، من أن «بايدن هو ترامب 2»، حينما يتعلق الأمر بالصين.

لم يبدِ الرئيس الأمريكي أي علامة على التراجع عن السياسة المتبعة في عهد سلفه دونالد ترامب، بخصوص الصين، لكنه استخدم أسلوباً أكثر براعة في التعبير بإشارته أولاً، أنه لن يدفع باتجاه نزاع مع بكين، وأن الأمور ستكون في منحى «المنافسة القصوى»، ونوه بما يميزه عن سلفه: «لن أفعل ذلك بالطريقة التي فعلها ترامب». هذه المقولة لم تقنع العديد من المحللين، ومنهم شاون دونان، في بلومبرغ، ويقول إنه «لا يزال من غير الواضح، ما يعنيه كلام بايدن، أنه لن يفعل ذلك على طريقة ترامب، في عالم تتعارض فيه الضرورات التجارية والجيوسياسية في كثير من الأحيان.

فلدى الحلفاء في الاتحاد الأوروبي، مخاوفهم الاستراتيجية الخاصة بهم، ومع ذلك، لا يزالون يريدون معاهدة استثمار مع الصين، لتقوية الروابط الاقتصادية. وبالمثل، لا تزال شركتا جنرال موتورز وتيسلا، ترغبان في بيع الكثير من السيارات في الدولة الآسيوية.

قواعد النظام العالمي

الأوراق الكاملة للسياسة الخارجية، كشف عنها وزير الخارجية أنتوني بلينكن، خلال وبعد المكالمة الهاتفية العاصفة مع وزير الخارجية الصيني، يانغ جيشي، يوم الجمعة، فهو الآخر، أي بلينكن، لم يبتعد كثيراً عن نهج مايك بومبيو. تحدث في المكالمة عن ثلاث مناطق تابعة للصين، بشكل أو بآخر، وهي هونغ كونغ والتيبت وشينكيانغ، وهي ثلاث مناطق تحت بند الخطوط الحمراء الصينية. وهذه بداية تصاعدية حادة لافتتاح مسار جديد في العلاقات. تحدث بلينكن عن أن الولايات المتحدة ستحاسب بكين «على جهودها لتهديد الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك عبر مضيق تايوان»، وتحدث كذلك عن الجزء الأخطر في مسار تكوين العلاقات الدولية الجديدة، وهو قوله إن الولايات المتحدة ستحاسب الصين على تقويضها للنظام الدولي «القائم على القواعد».

مرة أخرى، فإن التمعن في ما يحدث على الضفة الأخرى من الأطلسي، في أوروبا، يترك هالة من الشك والتعجب على عبارة بلينكن: «النظام الدولي القائم على القواعد». من هم الحلفاء الذين ما زالوا يشاركون واشنطن ذلك «النظام الدولي القائم على القواعد؟».

الضفة الأخرى للأطلسي

سيكون الاتفاق الاستثماري بين أوروبا والصين، عاملاً مؤثراً في صياغة مسار المواجهة لإعادة ترتيب القوى العظمى في العالم. ونشر معهد «تشاتام هاوس»، ومقره لندن، اليوم، تقريراً للباحثتين روزا بالفور، مديرة مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وليزا بوماسي نائبة مديرة المؤسسة، استعرضا فيه جوانب ذلك الاتفاق، وانعكاساته المحتملة على جهود الإدارة الأمريكية الجديدة. لكن الاتفاق الذي تم التفاوض بشأنه على عجل في الأيام الأخيرة لرئاسة ألمانيا للاتحاد الأوروبي، سيواجه معارضة من عدة جهات في أوروبا، بحسب التقرير.

فالدول الأعضاء تعتمد على الصين بدرجات متفاوتة، حيث يعطي كثير منها الأولوية للعلاقة عبر الأطلسي، في حين أن هناك قوى سياسية كبيرة حريصة على تحدي التزامات الاتحاد الأوروبي الدقيقة، بشأن حقوق الإنسان والعمالة، عندما يتعلق الأمر بالصين. وقد يعني هذا المستوى من المعارضة، إمكانية ألا يدخل الاتفاق حيز التنفيذ من الناحية القانونية، وفقاً للتقرير. ومع ذلك، فإنه لا يزال يحمل أهمية سياسية عميقة، لأنه يلخص مشكلتين، أولاهما المعضلة التي تواجهها أوروبا في محاولتها تحديد دور دولي أكثر حزماً لنفسها، والثانية هي التحدي المتمثل في إعادة بناء تحالفات الولايات المتحدة التي تجزأت بعد أربع سنوات من رئاسة دونالد ترامب، ودراما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

أمريكا وحيدة؟

على المسارات الأخرى لحلفاء أمريكا، خاصة الاتحاد الأوروبي، يبدو هناك مؤشر لا يتم أخذه في الاعتبار، فبايدن تحدث منذ كان مرشحاً للرئاسة، عن العودة إلى القرارات الجماعية مع الحلفاء، في ما يتعلق بالصين وروسيا. ما يظهر حالياً أن العالم الذي كان قبل ترامب، لم يعد هو نفسه.. تغير أيضاً، ويتم إلقاء اللوم على ترامب في ذلك، بدون تقديم مبررات مقنعة. إذا كان بايدن يريد العودة إلى ما قبل سياسات ترامب، فإن أوروبا- كما يبدو من الاتفاق الأخير مع الصين- لم تعد كما كانت، ولم تعد تريد ذلك على الأرجح.

هل يعني ذلك أن أمريكا ستجد نفسها، مرة أخرى، وحيدة في الصراع العالمي الأكبر على القوة العظمى؟

Email