قراءة في ثوابت السياسة الإماراتية في حقبة الاضطرابات العربية منذ 2011

محمد بن زايد.. مواقف تاريخية حصّنت البيت العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في العام 2011، دخلت منطقة الشرق الأوسط حقبةً جديدةً اختلطت فيها الطروحات في البداية إلى أن انجلى دخان الشعارات وظهر في الصورة تنظيمات الكراهية والإرهاب والعنف وهي تقود البلاد العربية نحو الخراب، وبلغت ذروتها في العامين 2014 و2015 حين سيطر تنظيم داعش الإرهابي على مساحات واسعة من سوريا والعراق، وتنظيمات إرهابية أخرى تفشت في المنطقة.

من المهم تسليط الضوء على هذه الحقبة السوداء التي حاول فيها الإرهاب الطغيان على المنطقة، للتعمق في معرفة الدور المحوري الذي قامت به دولة الإمارات، عبر دبلوماسية شاملة من رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. فقد عملت قوى دولية وإقليمية، لا تريد الخير لأبناء المنطقة، على دفع المنطقة نحو المجهول، عبر خلق فراغ استراتيجي يكون مرتعاً للخراب والاضطراب المديد في كافة الدول العربية. وقد تم استهداف دول عربية بشكل مدروس بهدف تحطيم الدولة الوطنية. فكانت المهمة الاستراتيجية والمسؤولية التاريخية قد وقعت على كاهل عدد من الدول العربية، على رأسها دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية.

لقد عبّر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، عن هذه الرؤية في لقاءاته العديد مع الزعماء الدوليين والعرب. ففي لقاء سموه مع جو بايدن، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس الأمريكي آنذاك، بتاريخ 8 مارس 2016 في أبوظبي، تم بحث قضايا المنطقة ومن أهمها الأزمة السورية ومحاربة الإرهاب والملف اليمني. ولا يخفى على المتابع الحصيف أن هذه الملفات الثلاثة هي على رأس الحملة التآمرية لخلق «الفراغ الاستراتيجي» وإغراق المنطقة العربية في حروب لا تنتهي، والرد الأمثل على هذه الخطة التآمرية تكمن في «الحضور الاستراتيجي العربي».

ثوابت الإمارات

في ذلك اللقاء، تناول سموه رؤية الإمارات نحو عالم عربي مستقر وآمن يتطلع إلى المستقبل بتفاؤل وإيجابية، وأن هذه الرؤية تتطلب عملاً مشتركاً وجاداً للخروج من الأزمات التي تهدد المنطقة. وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لبايدين، الحرص المشترك على ضمان أمن منطقة الخليج العربي واستقرارها؛ بصفتها ذاتَ أهمية استراتيجية بالنسبة إلى العالم كلِّه.

وفي تفاصيل ما دار في اللقاء، فإن سموه أشار في مضمون كلامه إلى ثوابت دولة الإمارات لحماية أمن المنطقة، فشدد على دعم دولة الإمارات كافة الجهود من أجل إيجاد تسوية للأزمة السورية تحافظ على وحدة الأراضي السورية، وتضع حداً لمعاناة الشعب السوري الشقيق، وتستجيب لتطلُّعاته. وحين تطرق سموه إلى جهود الهدنة في سوريا التي أعلن عنها بتعاون أمريكي - روسي، فإنه حرص على وضع توصيف سياسي تكون المنطقة العربية فيه جزءاً فاعلاً من الحل، وذلك عبر التركيز على الدور الإقليمي في الحل وليس فقط الدولي، فأعرب سموه عن أمله أن تكون الهدنة «بدايةً لعمل دولي وإقليمي جاد وفاعل؛ من أجل تهيئة الظروف الملائمة للخروج من المأزق الذي تعيشه سوريا منذ سنوات». كذلك حين حدد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، أسس الإسناد العربي للحكومة الشرعية في اليمن بهدف «تمكين السلطة المعترَف بها دولياً من أداء مهامها لمصلحة اليمنيين جميعاً».

سد الفراغ

ولتحقيق هذه المسؤولية التاريخية في سد الفجوة الأمنية والفراغ الاستراتيجي في المنطقة العربية، قاد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، دبلوماسية فاعلة بالتعاون مع المملكة العربية السعودية، إذ إنّ الدولتين الشقيقتين حملتا أمانة العرب للنجاة بالمنطقة من نار الخراب والاضطراب الذي ضرب معظم الدول العربية بشكل مباشر أو غير مباشر.

في لقاء جمع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، بتاريخ 2 يونيو 2017، في جدة، أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد أن «دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية تقفان معاً في خندق واحد في مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه دول المنطقة، لأنهما تنطلقان من ثوابت راسخة تعلي من قيم التضامن والتعاون بين الأشقاء، وتؤمنان بأن مجلس التعاون لدول الخليج العربية يكون أقوى وأكثر تأثيراً بوحدته وتضامن دوله وشعوبه، وأن المخاطر والتحديات في البيئتين الإقليمية والدولية تحتاجان من المجلس أن يكون صفاً واحداً لصون أمن دوله والحفاظ على مكتسباتها التنموية والحضارية».

في هذا الإطار، كانت رؤية سموه واضحة؛ فاستقرار العرب يتطلب قيادة استراتيجية فاعلة، وهذا يتطلب وحدة القرار الخليجي ووصولاً إلى موقف عربي يتفق على الخطوط العريضة والأولويات القصوى، في سبيل وضع حد للاضطراب الأمني الأخطر الذي تواجهه الدولة الوطنية العربية منذ انهيار الدولة العثمانية.

ماذا يعني الاستقرار الدائم؟

هناك تعبير يذكر عادة في لقاءات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، مع المسؤولين العرب والدوليين، وهو «الاستقرار الدائم»، فخلال استقبال سموه منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك، بتاريخ 11 نوفمبر 2021، أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حرص دولة الإمارات ودعمها جميع الجهود الرامية إلى «الترسيخ الدائم للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم»، بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، وبما يعود على المنطقة وشعوبها بالخير والسلام.

إن «الاستقرار الدائم للأمن والاستقرار» يعني في مستوى آخر هزيمة دائمة للإرهاب والفوضى، وهنا يمكن تلمس جوهر رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد. فالأولوية ليست للحلول المؤقتة، بل انتصارات دائمة وصلبة وعلى أسس راسخة من الحلول الملبية لاحتياجات الدول والمجتمعات.

وكما وصف معالي الدكتور أنور قرقاش، النشاط الدبلوماسي لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال شهر رمضان، فإن «موقع الإمارات المركزي سياسياً وتنموياً، وحكمة قيادتها وشفافيتها مع الأشقاء والأصدقاء التي يجسدها الشيخ محمد بن زايد، تقع في صلب تواصل الخير الذي يقوده سموّه، إيماناً بأن مفتاح الأمن والازدهار هو بيد دول المنطقة، ففي تعاونها وعملها المشترك، يكمُن النجاح وازدهار وتقدم شعوبها».

Email