إضاءات على رؤية الراحل الكبير في الفكر والسياسة

كيف قرأ خليفة بن زايد مستقبل «درع الجزيرة» عام 1983؟

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت قوة درع الجزيرة، فكرة بادر إليها المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مع إخوانه حكام دول الخليج، ورأت أول خطوة عملية في عام 1982. في ذلك الحين، كان المغفور له، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأسهم في دفع الفكرة في التطبيق الميداني العملي، حيث بذل جهوداً كبيرة لتحقيق أول حضور ميداني لـ «قوة درع الجزيرة»، فاستضافت أبوظبي أول مناورات مشتركة باسم «درع الجزيرة» في أكتوبر 1983. وقبل إجراء المناورات بنحو شهر، أي سبتمبر 1983، أوضح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، في حوار صحافي، الملامح الأولى للرؤية الدفاعية الخليجية. ويسلط هذا الحوار الضوء على جوانب مهمة واستشرافية لرؤية المغفور له، لمستقبل دول الخليج، ودور القوة المشتركة في رسم مستقبله.

تسلسل تاريخي لـ «درع الجزيرة»

إن وجود قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون، يعتبر أحد الأسس المهمة لإنشاء منظومة دفاعية مشتركة، تهدف إلى توفير الأمن لحماية دول المجلس، والـدفاع عن اسـتقلالهـا وحماية مقدراتها ومكتسـباتها. وفي عام 1982، كانت أولى الخطوات المهمة لتشكيل القوات العسكرية المشتركة لدول مجلس التعاون، حيث صدر قرار بإنشاء قوة درع الجزيرة، وتلى ذلك القرار، صدور العديد من القرارات لتطوير هذا القوة، بما يتناسب مع المتغيرات في البيئة الأمنية، ومصادر وأنواع التحديات، والمخاطر، والتهديدات التي قد تواجه دول مجلس التعاون، لتصبح بحجم فرقة مشاة آلية، بكامل إسنادها القتالي والإداري. ومن ثم جرى تطويرها في عام 2006، إلى «قوات درع الجزيرة المشتركة»، وعززت بجهد بحري وجوي، وفقاً للمفاهيم العملياتية، وذلك لرفع كفاءتها القتالية، بما يكفل تنفيذ مهام التعزيز والإسناد للقوات المسلحة الوطنية لدول مجلس التعاون بصورة كاملة. وفي عام 2009، تم تعزيز قوات درع الجزيرة المشتركة، بقوة تدخل سريع.

وفي الدورة الرابعة والثلاثين للمجلس الأعلى (الكويت، ديسمبر 2013)، تم تطوير قيادة قوات درع الجزيرة المشتركة، لتكون القيادة البرية الموحدة التابعة للقيادة العسكرية الموحدة لمجلس التعاون، وأن تكون بمسمى «قيادة قوات درع الجزيرة».

رمز التلاحم الخليجي

لم يكن قد مضى على تأسيس قوة درع الجزيرة سوى عام واحد، حين أدلى المغفور له، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، بتصريحات حملت الكثير من الأفكار والرؤى المستقبلية، والآمال التي يعقدها على دور هذه القوات المشتركة في صون استقلالية دول الخليج العربية، بما يدعم الأسس الصلبة لمجلس التعاون، حيث أدرك القادة وكبار المسؤولين الخليجيين، وفي مقدمهم الشيخ خليفة بن زايد، أنّ وجود مجلس التعاون، بصفته السياسية، في منطقة مضطربة، وتشهد حروباً على أكثر من جبهة، بحاجة إلى قوة إسناد عسكرية داخلية.

في بداية حديث المغفور له، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، لفت إلى أهمية هذه المناورات، التي جرت لاحقاً في أبوظبي. وقال في حواره الذي نشر ضمن كتاب «وثائق دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1983»، الصادر عن مركز الوثائق والدراسات، المجمع الثقافي في أبوظبي، إن «المناورات الخليجية المشتركة، التي تعتبر أول حدث من نوعه على صعيد توثيق التعاون الدفاعي الخليجي، سوف تجرى بالذخيرة الحية، وتستخدم فيها الأسلحة والمعدات المتطورة، وتستمر لمدة ثلاثة أسابيع».

تحدث المغفور له عن دلالة «درع الجزيرة»، كمسمى ووظيفة. فقد تقرر إطلاق هذا الاسم على المناورات، وكان الاسم نفسه لـ «قوة درع الجزيرة»، التي تخوض أول اختبار لها بالذخيرة الحية. وقد تقرر إطلاق اسم «درع الجزيرة» على هذه المناورات «رمزاً للتلاحم بين دول الخليج العربية، والخصائص والأهداف المشتركة التي تجمع بين شعوبها، وتأكيداً لتصميم هذه المنطقة بكل ما تحتويه من قيم إنسانية وتراث حضاري، على المضي بعزيمة كاملة في الطريق الذي أرادته هي، وباختيارها المطلق، لكي تصبح كياناً واحداً، وتأمين كل القنوات الإيجابية للوقوف بكل قوة وحزم، أمام كافة التحديات، في إطار استراتيجية متكاملة لدول الخليج العربية».

لا وصاية خارجية

أشار الشيخ خليفة بن زايد، إلى أن دلالات هذه المناورات، أبعد بكثير من النطاق الإقليمي الخليجي، ورأى أنها تمثل «مؤشراً هاماً أمام العالم كله، على عزم دول مجلس التعاون على المحافظة على كيانها وسيادتها، والتزامها الكامل بالدفاع عن مصالحها، وتأكيد المفهوم المصيري الواحد لشعوبها، وحتمية دفاعها المشترك عن كل شبر من أراضيها، وحماية ثرواتها الطبيعية، وتوفير الأمن والاستقرار ضد كل طامع، انطلاقاً من مسؤولية أمن منطقة الخليج، هي مسؤولية دول هذه المنطقة، دون الحاجة إلى وصاية أو تدخل أو دعم خارجي».

أما الهدف العملي والجوهري من المناورات، فليس فقط استعراض الجاهزية، فقد كان الشيخ خليفة بن زايد، حاسماً في تحديده الهدف، وهو: «اختبار مدى قدرة القوات على التنقل بين دول المجلس براً وبحراً وجواً». وهذه الرؤية في تجهيز هذه القوات على التنقل، كانت تخاطب الحاجات المستقبلية الأمنية لدول الخليج، وقد حدث ذلك خلال غزو النظام العراقي السابق لدولة الكويت عام 1991، حيث شاركت قوات درع الجزيرة في معركة تحرير الكويت، وإسناد البحرين ضد المؤامرة التي واجهتها عام 2011.

بالعودة إلى الحوار، فقد حرص الشيخ خليفة بن زايد، على التأهب المبكر للتحديات المحتملة. فالمناورات، وفق هذه الروية «ستؤدي إلى تنمية روح الفريق والعمل المشترك.. في المجال العسكري، وتنسيق الجهود لتوحيد أسلوب التدريب».

التنمية والأمن

وفي هذا الإطار، كان الشيخ خليفة بن زايد، حريصاً على توضيح ملامح هذه القوة بدون أي لبس، وكيف أن الأمن عامل أساسي من عوامل التنمية الاقتصادية، وكيف تضفي ثقلاً استراتيجياً جديداً للعرب. فأكد أن مناورات «درع الجزيرة»، هي جزء من الترتيبات التي تستهدف إنشاء قوة التحرك السريع لدول الخليج العربية، التي قرر المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون تكوينها. كما أن هذه القوات، ذات طابع قومي، كما أنها ضرورة حتمية لمواجهة متطلبات الأمن والمصلحة الدفاعية المشتركة لدول الخليج العربية، ضد أي خطر يهدد شعوبها، وللمساهمة في تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة الحساسة من العالم، ما يضيف قوة وبعداً للاستراتيجية العربية والسلام الدولي، إذ إنه في ظل السلام والاستقرار، سوف تتمكن دول هذه المنطقة جميعاً، من التركيز على التنمية والتطور، بما يعود بالخير على شعوب المنطقة والمجتمع الدولي بأسره.

تطرق المغفور له إلى الظروف الإقليمية التي تزيد من الحاجة إلى الاستقلالية الأمنية والعسكرية لدول الخليج. فقد أشار إلى أن المنطقة تمر في ظروف دقيقة وصعبة، ذلك أن «نار حرب الخليج المؤسفة، لا تزال تتأجج، رغم محاولات إطفائها المستمرة، كما أن حرب لبنان لم تخمد بعد».

مستقبلنا رهن بإرادتنا

عبّر الشيخ خليفة بن زايد عن عميق إيمانه أن مسيرة التعاون الخليجي، تمضي بخطى قوية راسخة، وتعبّر تعبيراً صادقاً عن آمال شعوبها وتطلعاتها إلى مستقبل يحقق لها الأمن والرخاء. ووعد بالأفضل والأجمل في هذا الإطار، فـ «ما سوف يليها بمشيئة الله من مناورات تالية، وأشكال أخرى للتعاون والتنسيق، تجيء تأكيداً على أن مستقبلنا رهن بإرادتنا، ورهن بقدراتنا الذاتية، ورهن باعتصامنا بحبل الله جميعاً، وستمضي دول الخليج العربية، بعون الله، قدماً، لتحمل المسؤولية التاريخية، كما حملها الأجداد من قبلنا، فظل الخليج على الدوام، واحة آمنة، يحرسها أبناء الخليج».

Email