3 ركائز لازدهار الخليج: القوة والاستقلالية والوحدة

إضاءات على رؤية خليفة في الفكر والسياسة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في مايو 1981، حرص المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، على تعميق الرؤية الفكرية الكفيلة بجعل المجلس منصة فاعلة في قضايا المنطقة والعالم، وذلك على ثلاثة أسس مترابطة هي: القوة والاستقلالية ووحدة القرار. وتحقيق هذه المحاور الثلاثة كفيل بترسيخ الازدهار لدول الخليج العربية وشعوبها. في العام 1983 استضافت أبوظبي مباحثات اللجنة الفنية لترسيم الحدود بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن الديمقراطية، وكان المغفور له قد شارك في هذه الاجتماعات في يناير 1983 بصفته ولي عهد أبوظبي. إن الرؤية التي قدمها الشيخ خليفة حول العلاقات الخليجية رسمت خريطة طريق لمستقبل هذه المنطقة وفق قواعد صلبة قائمة على التحرك ككتلة قرار موحدة في وجه التحديات. وقد نشرت تصريحات المغفور له ضمن كتاب «وثائق دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1983»، الصادر عن مركز الوثائق والدراسات، المجمع الثقافي في أبوظبي. تطرق المغفور له الشيخ خليفة إلى أهمية التلاحم الخليجي، وقال: «إن إزالة أسباب التوتر والخلاف بين دول المنطقة يمثل الركيزة الأساسية والحيوية لتعميق وتوثيق الصلات بينها في كافة الميادين، وهو الأمر الذي يستأثر بجزء كبير من الاتصالات والمشاورات المستمرة بين قيادات المنطقة».

الخليج والعرب: قوة واحدة

وسلط الشيخ خليفة بن زايد الضوء على مقومات العمل الخليجي المشترك، فقال: «إننا مطالبون بالعودة إلى أصولنا والتكامل وتوحيد الإرادة كوسائل للدفاع وركائز لتكريس الواقع الدائم بين دول الخليج العربية لتأمين سلامتها وبسواعد أبنائها، وبقوتها الذاتية في مواجهة التحديات التي تتطلب عملاً مشتركاً وأسلوباً واحداً في التعامل معها على كافة الأصعدة».

وكان فكر الشيخ خليفة بخصوص التكامل بين كيانين عربيين، مجلس التعاون لدول الخليج العربية وبقية الدول العربية، أي جامعة الدول العربية، متقدماً وواعياً، مدركاً لمكامن القوة في توزيع المسؤوليات للوصول إلى النتيجة المرجوة، وهي تعزيز الثقل الاستراتيجي العربي. فقال في هذا السياق: «إن تعزيز مسيرة دول الخليج العربية، يؤثر إيجابياً في تركيز الجهد العربي عامة، لأن قوة الخليج قوة لأهله وعروبته، كما يتيح لها التفرغ لممارسة دورها وتحمل مسؤولياتها تجاه قضايانا المصيرية والقومية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية».

بناء قوة خليجية ذاتية

إلى جانب بلورة رؤية حول القوة السياسية لمجلس التعاون، فقد كان الشيح خليفة حريصاً على سد كافة الثغرات في النواحي الأخرى، الأمنية والعسكرية، في وجه أي تهديدات. وفي حديث لصحيفة الشرق الأوسط، في يونيو 1983، تحدث الشيخ خليفة بن زايد عن بناء قوة خليجية مشتركة تساهم في تثبيت نجاحات دول مجلس التعاون وحماية مكتسباتها. وفي هذه الإطار أكد المغفور له: «إن دول مجلس التعاون قطعت شوطاً كبيراً في سبيل بناء قوة خليجية ذاتية تقوم على التعاون والتنسيق والتكامل العسكري لحماية مصالحها والدفاع عن نفسها وعدم ترك ثغرة أو فجوة في الجدار الخليجي باعتبار ذلك ضرورة قوية واستراتيجية».

المسؤولية التاريخية

ولفت الشيخ خليفة بن زايد، رحمه الله، إلى جانب في غاية الأهمية، وهو قد يبدو لوهلة، جانباً معنوياً، لكنه في الواقع، وكما أثبتته المعطيات والأحداث، حقيقة راسخة، ألا وهي المسؤولية التاريخية لمنطقة الخليج في سياق الأحداث الإقليمية والدولية. وهذه المسؤولية التاريخية هي المدخل لفهم الرؤية التي قادت إلى تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج، بمبادرة من المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

فقد أكد الشيخ خليفة بن زايد في تصريحه الصحافي: «إن المناورات المشتركة لدول مجلس التعاون التي ستجري في دولة الإمارات، تعكس إصرار المسؤولين في دول المجلس على المضي قدماً في تحمل المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم في هذه المرحلة الدقيقة ومتابعة تعزيز التعاون لما فيه خير المنطقة وصالح الأمة العربية والأسرة الدولية».

وتطرق الشيخ خليفة مجدداً لهذا الجانب بصورة أكثر إسهاباً، فتحدث بصيغة التكامل بين إرث الأجداد والأمانة التي يحملها الأبناء، معبراً عن ذلك بجمل واضحة وبليغة: «إذا كان الأجداد قد أدوا دورهم في حماية الخليج والحفاظ على أوطانهم وشخصيتها العربية والإسلامية، رغم الإمكانيات الصعبة، فإننا لا شك قادرون أيضاً على ذلك، وسيظل الخليج كما كان دائماً؛ واحة محروسة من أبناء الخليج، وسنؤكد بالفعل وليس بالقول، إن أبناء المنطقة يقفون كشعب واحد في مواجهة المصير الواحد».

استراتيجية بعيدة المدى

وأوضح المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، البعد الاستراتيجي للجانب الأمني على المدى البعيد. فقد تحدث من نظرة استشرافية للمستقبل، وليس فقط القضايا الملحة آنذاك والتي كانت أبرزها الحرب العراقية الإيرانية، والتوتر بين العرب وإسرائيل.

فأكد أن «قضية الأمن في منطقة الخليج تقوم على استراتيجية بعيدة المدى، وتستند إلى الاستخدام الأمثل للقدرات، وتشمل عناصر متعددة؛ اجتماعية وسياسية واقتصادية، وإن ما يتم في أي مجال منها هو دعم للخطط الأمنية، إذ إن النواحي الاقتصادية والاجتماعية أو غيرهما، لا يمكن فصلها عن النواحي الأمنية، فهي تشكل جميعها حلقات يكمل بعضها البعض وتهدف في النهاية إلى تحقيق الرخاء والخير والأمن للمواطنين في هذه المنطقة، الأمر الذي ينعكس بلا شك على الوطن العربي الأم، ويعزز السلام والأمن الدوليين».

استشراف حول الأمن والمجتمع

ولعل من أهم الجوانب التي تطرق لها الشيخ خليفة بن زايد خلال هذه المقابلة الصحافية، هو النظرية الشاملة التي قدمها حول الأمن والمجتمع والدولة، وأيضاً بين الدولة والخدمات للسكان.

ونقرأ في هذا الجزء من الحوار: «إن أمن الخليج لا يعني بالضرورة الناحية العسكرية فقط، وإنما يجب أن ينظر إليه من زاوية حماية المنطقة من التلوث مثلاً، كما أن أمن الخليج يتحقق إذا ما أقمنا حول المنطقة، وداخلها، حزاماً صحيحاً واقياً ومحكماً.

وأمن الخليج يستتب إذا ما وفرنا لشعب المنطقة الأمن الغذائي غير الخاضع لتقلبات الأوضاع في العالم».
إن الجملة الأخيرة من الفقرة السابقة في غاية البلاغة والاستشراف.

وإذا ما نظرنا إلى هذه الرؤية في منظار ما يجري هذه الأيام، سنجد أن اضطراب الأمن الغذائي، الناجم عن تداعيات «كوفيد 19» والحرب في أوكرانيا، قد أثرت بعمق في أمن واستقرار عدد من الدول، وشهد العالم خلال الشهور الماضية انقلابات وانتفاضات شعبية عدة بسبب اختلال معادلة الاستقرار التي تحدث عنها المغفور له الشيخ خليفة بن زايد.

استقلالية القرار الخليجي

إن الظروف الدولية مطلع الثمانينيات كانت متوترة ومحتدمة، فمن جهة كانت الحرب العراقية الإيرانية مندلعة في جوار الخليج، ومن جهة أخرى كانت الحرب الباردة ما زالت في ذروتها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.

ولضمان عدم تأثير هذه الأوضاع الإقليمية والدولية على استقرار منطقة الخليج، حدد الشيخ خليفة بن زايد إطاراً لاستقلالية منطقة الخليج عن الصراعات الدولية، وأكد أن «السياسة التي تلتزم بها جميع دول مجلس التعاون تتمثل في رفض كل أشكال تدخل القوى الكبرى في منطقة الخليج.

وقد أثبتت الأحداث أن الحفاظ على هذه المنطقة بعيداً عن التدخل هو السبيل الصحيح لتحقيق أهداف تلك السياسة، كما أن أفضل طريقة للحفاظ على الاستقرار في المنطقة تتمثل في انتهاج القوتين العظميين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي) سياسة عدم التدخل حتى يستمر تدفق النفط الذي يلعب دوراً أساسياً ورئيسياً في تطور الحضارة الإنسانية المعاصرة. فالمنطقة تحتوي على أكثر من 56% من احتياطي العالم من البترول كما تصدر أكثر من 60% من مجموع تجارة النفط الدولية».

وأضاف المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان: «إن وعي أبناء المنطقة واستمرارية التنسيق بين الأشقاء في هذه المنطقة لا يمكن أن يعطي لأي طرف أجنبي فرصة للتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر».

Email