لبـــنان ارتباك يسبق إحداثيات الترسيم البحري مع إسرائيل

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في ظل حالة «حبس الأنفاس»، لا يزال المشهد في لبنان يتحرك ضمن وضعية «انعدام توازن» واضحة على أرضية مفاوضات ترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل.

ذلك أن كل من يراجع المعنيين بالملف مستفسراً عن مستجداته، لا يلقى إلا أجوبة رمادية وأجواء ضبابية، وسط زحمة التكهنات وتداخل الوقائع بالأمنيات. 

بعد نحو 10 سنوات من التفاوض المتقطع لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وبعدما رفعت الأسقف ورسمت الخطوط العالية، عاد هذا الملف ليتصدر المشهد اللبناني، ويطفو على سطح الأحداث والمتابعات، بقوة دفع أمريكية متجددة، سعياً لإعادة تزخيم قنوات التفاوض المقطوعة بين لبنان وإسرائيل منذ تعليق اجتماعات «الناقورة»، في 5 مايو من العام الماضي، تحت وطأة التباين في رسم الخطوط والسقوف التفاوضية.

ذلك أن الوسيط الأمريكي في ملف ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، آموس هوكشتاين، لا يزال داخل حلبة التفاوض بينهما، مدفوعاً برسائل متبادلة تؤكد جاهزية الجانبين لاستئناف الجلوس، بمعيته، إلى طاولة المفاوضات غير المباشرة.

وعلى نية استكشاف الإمكانات المتاحة لتقريب المسافات وتبديد التباينات، كان هوكشتاين قد باشر خلال أكتوبر الماضي بمهمة إدارة دفة التفاوض البحري غير المباشر بين لبنان وإسرائيل، بجولة «جس نبض» في بيروت.

ومن ثم قصدها مرات عدة، مستطلعاً مدى الجاهزية والجدية لدى المسؤولين اللبنانيين لاغتنام الوساطة الأمريكية السانحة، واقتناص فرصة التوصل إلى اتفاق حدودي يتيح للبنان استثمار ثروته النفطية. وبعد كل زيارة إلى بيروت كان هوكشتاين يترك أسراراً في آبار نفط، ويحتفظ اللبنانيون بمجالس الترسيم.

وباستثناء المعادلة التي رسا عليها الترسيم، في معياره: «الخط 23» بديل «الخط 29»، و«قانا» مقابل «كاريش»، فإن لبنان عاش تضارباً كبيراً في المعطيات إزاء هذا الملف، وتحديداً منذ إقرار اتفاق الإطار، وما بينهما من سجالات وصراعات، ولكنه في المقابل، نجح في تحقيق مطالب أساسية، أي الحصول على موافقة أمريكية وإسرائيلية بالخط 23 كاملاً، ما يعني تراجع الإسرائيليين عن «الخط 1» و«خط هوف»، بالإضافة إلى رفض مبدأ التنقيب المشترك، ورفض مبدأ دفع التعويضات.

محطة مفصلية

في 9 سبتمبر، وبعد زيارته الأخيرة «الخاطفة» لبيروت، ناقلاً حصيلة مشاوراته مع الجانب الإسرائيلي حيال الطرح اللبناني الرسمي الداعي إلى اعتماد الخط «23»، منطلقاً لترسيم حدود لبنان البحرية الجنوبية، مع حقل «قانا» كاملاً ضمناً، طمأن هوكشتاين من يعنيهم الأمر، بقوله: «حققنا تقدماً في المفاوضات.. وأنا متفائل بالوصول إلى حل قريباً».

ومن حينه، بقيت المحادثات، التي أجراها في بيروت مغلفة بالضباب والالتباسات الكثيرة، وإن انتهت على التفاؤل الحذر، وعلى إشارة أمريكية غير مباشرة، انطوت على طمأنة الجانب اللبناني بأن مسار الترسيم سالك نحو الخواتيم الإيجابية، فماذا حقق هوكشتاين في زيارته «الخاطفة» للبنان؟

وهل ملف الترسيم يتقدم بثبات، كما ذكرت بعض المصادر الرسمية، أم أن عقبات وعراقيل جديدة طفت على سطح المحادثات، كما أوحت مصادر رسمية أخرى؟

في معرض الإجابة عن هذين السؤالين فإن الالتباس لا يزال سيد الموقف، فيما الثابت أن الملف، وفق تأكيد مصادر متابعة لـ«البيان»، ما زال في إطار الأخذ والرد.

ذلك أن آخر أنباء هذا الملف أفادت بأن هوكشتاين حقق تقدماً لناحية ما طلبه لبنان، فيما خص النقطة 23 وحقل قانا بالكامل، مع ضمانة أن تعمل الشركات الفرنسية في المنطقة اللبنانية مباشرة بعد توقيعِ الاتفاق، فيما الجانب اللبناني أصر على التوثيق، طالباً من المبعوث الأمريكي أن يرسلَ مسودة خطية، وعلى أساسها يبنى على الشيء مقتضاه.

معطيات.. وسيناريوهان

وفيما ثمة إجماع على أن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل أصبحت في أدق مرحلة، ترددت معطيات محلية، مفادها أن أمام لبنان أياماً معدودة ليتسلم من هوكشتاين مسودة مكتوبة، هي عبارة عن عرض رسمي يشمل إحداثيات تتعلق بالخط واحد، وبمساحة لا تتجاوز خمسة كيلو مترات يحاول الإسرائيلي الاحتفاظ بها على هذا الخط، قبل منح لبنان الخط «23» كاملاً.

إضافة إلى حقل «قانا». وفي انتظار حصول لبنان على إحداثيات خط العوامات البحرية، التي تشكل النقطة الأخيرة، التي يتم التفاوض عليها، ليكون ضمن رده الشامل على خطة هوكشتاين المنتظرة، تردد أن مشروع الترسيم البحري.

كما أعده الجانب الإسرائيلي، يعني القسم الأول من الخط البحري الذي ينطلق من النقطة البرية في منطقة الناقورة، المعروفة بـالـ«بي1»، وطريقة ترسيمه وفق الإحداثيات، التي تتجاوز الخط المقترح من جانب لبنان، بما يبرر خط «العوامات البحرية»، التي نصبتها إسرائيل منذ العام 2000، والتي يعترض لبنان على وضعها في تلك المنطقة، ولم تقبل إسرائيل أي طلب لبناني منذ ذلك التاريخ لسحبها أو تغيير مكانها.

أما على الجانب الآخر من الأجواء اللبنانية فكلام عن إيجابية وعن سيناريوهين يرتبطان بجواب الوسيط الأميركي: الأول يعتبر أن إيجابية العرض تعني أن التوقيع على ملف الترسيم سيحصل قريباً، فيما الثاني يعتبر أن أي سلبية في الأمتار الأخيرة للتفاوض ستضع الملف كاملاً أمام عرقلة مفتوحة حتى إشعار آخر.

ومن وحي هذه الأجواء، أشارت مصادر متابعة لـ«البيان» إلى وجود خلاف حول نقطة وحيدة، وهي اعتماد الخط الـ23 في أول 5 كيلو مترات، أو خط «العوامات»، الذي يعتبر امتداداً لـ«الخط الأزرق البري»، وهذا الخط هو الذي تحبذ إسرائيل اعتماده، فيما يصر لبنان على اعتماد الخط 23، وفي حال تمت إزالة هذا الخلاف، فإن الأمور ستفضي حتماً إلى الذهاب نحو توقيع الاتفاق.

ووسط أجواء لا تفرط بالتفاؤل ولا بالتشاؤم أشارت المصادر ذاتها إلى أن لبنان الرسمي لا يزال يركز على بلورة الحلول المطلوبة لبعض «التفاصيل التقنية» المرتبطة بعملية إعداد الخرائط النهائية للاتفاق الحدودي المرتقب، بشكل يؤسس لانطلاق خط الترسيم البحري جنوباً من نقطة رأس الناقورة الحدودية المعروفة برمز «بي 1»، بما يشمل موافقة لبنان الرسمي على التنازل عن مساحة بحرية.

إضافية، تتراوح بين 5 و7 كيلو مترات مربعة في المياه الإقليمية اللبنانية، في حين ترددت معلومات، مفادها أنه يجري التحضير في الأروقة الرئاسية، بالتنسيق مع الوسيط الأمريكي، للاتفاق على موعد الدعوة إلى عقد اجتماع تفاوضي حاسم في الناقورة، تصاغ في خلاله المحاضر النهائية، تمهيداً لتوقيعها والبدء في مسيرة إقرارها حكومياً.

ومن ثم إرسالها إلى الأمم المتحدة لتوثيق خرائطها. أما على المقلب الآخر من الصورة، فبدأ العبث يتجدد حول «الخط الأزرق البحري» (ارتباط البر بالبحر)، إذ هناك طرف يرغب باستعجال إنجاز الاتفاق، وبالتالي تحريك التفاوض والعودة إلى الناقورة برعاية أمريكية وأممية، وطرف آخر (حزب الله وحلفاؤه) يفضل تأخيره، لحسابات داخلية مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي، وأخرى ذات أبعاد إقليمية.

وحذر حزب الله من عواقب أي إنتاج في كاريش قبل التوصل إلى اتفاق على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، فيما شدد الناطق باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي على أن «كاريش ليس جزءاً من المفاوضات»، مؤكداً أن «الإنتاج سيبدأ في أقرب وقت ممكن».

وما بين حدي الأجواء الإيجابية والمحاولات العبثية، فإن هناك قناعة راسخة لدى كثيرين باستحالة الوصول إلى اتفاق الترسيم قبل الوصول إلى اتفاقات كبرى على الصعيدين الخارجي والداخلي لإعادة رسم ملامح النظام السياسي اللبناني وموازين القوى فيه، مع ما يعنيه الأمر من كون الغموض سيبقى محتفظاً بدفاتر البحث إلى حين تقديم الرد اللبناني «العائم» على منصات مرتبطة أيضاً بالتنقيب، وذلك من بوابة سؤال محوري، مفاده: هل فعلاً هناك مسار جدي لإنجاز ملف ترسيم الحدود في هذه المرحلة؟

 

Email